مهاسالم والمرحوم ايهاب

مها سالم | وفاء نادر الوجود

متابعات إنسانية | سعيد السُبكي

رأيتها منذ عدة أشهر في القاهرة بمؤتمر جمع نواب لكيانات مصرية خارج الوطن تنظمه وزارة الهجرة المصرية .. صافحتها ودون سابق ترتيب قلت لها : هوني على نفسك . . إنها زميلتي في بلاط  صاحبة الجلالة التى توصف بانها مهنة البحث عن المتاعب هي ” مها سالم ” التي تلفت نظري سطورها على صفحة الفيسبوك . . أحرف أراها من نور يسطع بأشعه توليفة تجمع  الرثاء والثناء مرة ، وأخرى ترسم بهجة ذكريات حزينة . . حقيقة لا أستطيع إلا دمج كل ذلك بوصفه فى كلمة واحدة هي الوفاء لزوجها رفيق دربها المرحوم ” ايهاب ” فهي أحببتني فى شخصه ، لدرجة اني شغوف لمعرفة سيرته الذاتية ولرواية حُبه لزميلتي المخاصة ” مها التى أنقل ما كتبته مؤخراً ولفت نظري من جديد فأردت مشاركة القراء السطور الإنسانية كما كتبتها مها سالم تقول:”

أستمتع مع حبيبي بأجواء الاحتفالات وزينة الكريسماس ومشاهد تبادل الهدايا وأجازات الأسر حتي لو لم يكن عيد لنا نسعد لسعادة من حولنا وبأيام خير وبركة..

ومن ارتفاع ٣٨٩٩٩ قدم عن سطح البحر حملت ذكرياتي وطيف أحلي أيامي علي متن الطائرة المتجهة الي دبي فأمسكت بموبايلي أكتب بينما تنير سماء شتوية صافية النافذة الي جواري ، نحتاج أحيانًا الي الخروج برة الدنيا وهمومها ومشاغلها وأحب دايما الدعاء لربنا وانا في اشد الاحتياج اليه وانا اقرب الي نوره بين السموات والأرض ، دعوته من قبل علي متن هليكوبتر في طريق الي نجم ساطع ” مناورة حربية” فوق صحراءنا الغربية فاستجاب بل وجاءتني رسالة نصية علي هاتفي فوق السحاب لتبشرني بما دعوت..

وفي رحلتي لدبي دعوت الله من جديد أن يجعل روح ايهاب في جنات العدن وان يبلغه مني سلامًا وهي دعوة هامة جداا لقلبي وأتمني ان يعرف إيهاب ان لا شئ يشغلني عنه ، ادعو الله دومًا ان يحفظ لي أولادي ويسعد قلوبهم ويشفي أمي ويبارك لأبي وأخي، اسأله سبحانه من واسع فضله بخير الدنيا والآخرة لكن يظل دعائي الأسير لفؤادي ان يبلغ ايهاب انه كل شاغلي..
وفي أيام احتفالات لعام جديد روح ايهاب تحيطني

وبينما عقارب الساعة تشير الي العاشرة والنصف ، كنت أشعر به و بما يفكر ولا أغير توقيت ساعتي ابدا مهما بعدت المسافات ، تبقيني علي اتصال بقلبي المعلق في بيتي بالقاهرة رغم حبي للسفر والترحال ، الآن ايهاب استيقظ ووصل لمكتبه اعرف انه مكتئب لسفري يحب ان يراني امامه وبصعوبة أقنعته بعد ١٨ سنة زواج ان عملي يتطلب بعض السفر أحيانًا، وفي نفسه غضاضه أن اسافر بغير صحبته ، أعشق ارتباطه بي فانا مثله لا اتحمل ان يغادرنا حتي لأيام ، ورفضنا فرص عمل وهمية له بعد الجيش بمنصب مهم في قضاء عسكري أحد دول الخليج حتي لا تفترق أسرتنا ، حتي عندما مرضت مرضا شديدا أعجزني ،قلت له اوافق ان تتزوج لكني ارفض ان يكون لك بيتًا آخر.. اغير علي قلبه وروحه ان تتعلق بسواي أكثر من انشغالي علي جسده ان يقربه غريم ، فلا أتعجب من انزعاجه لسفري حتي لأيام ..

ولأن رحلات العمل خاطفة لا يكون متاحًا اكثر من نصف يوم للتنزه وشراء قائمة احملها لنفسي ولاولادي ولا مانع من بعض هدايا لجميع أفراد العائلة ، تسعد قلبي الهدايا واعرف انها تفرح الجميع مهما كانت بسيطة.

وعادة اختار التنزه وسط الناس يلفتني البشر قبل الحجر أجول بنظري بين المتجولين وأتحدى نفسي ان اكتشف من بينهم ولاد البلد من السائح مثلي .. واستمتع مثل كل النساء بالتسوق ، والسير علي الرصيف المنخفض الذي لا يرهق قدماي القصيرتين في صعوده والنزول منه ،و أحب تجربة الطعام المحلي في الشارع أكثر من كل الموائد العامرة في الفنادق والمطاعم الفاخرة ..

اسير تحت زخات المطر في اكسفورد أشهر شوارع لندن او انتظر دوري في طابور استغرق ساعتين في برج ويليز الأكثر ارتفاعا في شيكاغو ،اقاوم وحشتي بمراسلة حبيبي أعلمه اني بخير واني لن اقضي في الخارج اكثر من عدة ساعات لزيارة مكان واحد وشراء الهدايا وانقل له الصور ليختار ما يريد من ملابس او هدايا فانا اعلم ان ايهاب لا يحب ان يفرض عليه شئ حتي الهدايا، فيرد كالعادة ” مش عاوز حاجة عاوزك تيجي بسرعة “،لكني أشتري رغم ذلك وانتظر حكمه هل أعجبه ما اخترت ، واستوقفني ما حدث في احد محال ديترويت الواسعة عندما وجدت سويت شيرت أبيض مطبوع عليه وجه مستدير لرجل في منتصف العمر شعره اسود كثيف و يرتدي نظارة شمس، هي نفس ملامح ايهاب كأنه

المرحوم ايهاب حي فى ذاكرة زوجته مها سالم

مرسوم بشخصه في الغرب الامريكي..

بينما لو ايهاب هو من سافر في مهمة عمل او تدريب بالخارج ، نظل نستعد في المنزل لاستقباله بتحديث ترتيب الأثاث و تنظيمه كما يحب ..
وبين كل سفريات العمل تظل رحلة العمر في صحبة حبيبي ، التي صممت ان ارافقه فيها ، وكانت أول زيارة لي خارج البلاد في ٢٠١٤ بخلاف العمرة في مكة ،كان ايهاب في زيارة الي لندن في مهمة عمل فأقنعته بكل الوسائل اننا نحتاج اسبوعين نقضيهم معا بعيدا عن ضغوط الحياة وآلام المرض ، وحاصرته بالاقناع اني رتبت كل شئ من تواجد أمي مع الأولاد لخطة مصاريف الرحلة فلم يعد هناك بديل عن الموافقة ، ورغم انه سافر قبلها لأوروبا عدة مرات ،منها لندن ذاتها مرتين الا انه قال لي كأني لأول مرة أسافر ، فقد كنا معاً نجوب شوارع لندن متشابكي الأيدي حتي حفظناها كأننا من سكانها ، نرتاد المتاحف ونشاهد معالم المدينة من london eye علي ضفاف نهر التايمز ، نلتقط الصور العفوية بانطلاق أحال ضباب نهار لندن لشمس ساطعة أشرقت علينا بأيام في جنة ، نطعم السناجب في هايد بارك ونشاهد البجع ويبتاع لي الكاب كيك من كشك في الشارع ثم يدعوني لغذاء فاخر في مطعم يوناني في بادنجتون ..

وكالعادة طلبت شراء هدايا لجميع أصحابي واهلي ( وطبعًا الميزانية تخصصه ) فضحك “احنا مش في السعودية ، كل حاجة غالية “لكني صممت ان يشاركني الجميع فرحتي ، وزاد في كرمه حتي أخر جنيه استرليني في الميزانية ثم يفاجئني بأغلي ١٠٠ دولار أعطاها لي بعد ان انهينا كل المبلغ المتفق عليه للصرف، وقال لي يالا انزلي اشتري ليكي انتي احضرتي للجميع ولم تشتري شيئًا لنفسك، وظل يدربني كابنته كيف اتعامل مع الصراف الهندي اللكنة لاستبدل النقود وحدي واتجه الي اكسفورد وسط العاصمة الانجليزية لاتسوق من جديد ، أطير في السماء من حنية قلبه وأحب طفولتي معه واعتمادي عليه في كل شئ ويطل صوت مذياع الاتوبيس الانجليزي الأحمر الشهير يردد علي مسامعي اسم المحطة القادمة ” st mary hospital ، لاعرف اني اقتربت من الفندق وسأعود لحبيبي الذي عاد من عمله حتمًا في هذه الساعة ، وأعرض عليه ما حملت من الهدايا التي اشتريتها لأسرتينا معا من جديد محفور عليها اغلي الذكريات .

لا يشغلني رأي غيره مادام هو راضي .. ولا يقلقني حدث مادام هو موجود ودايما هيتصرف
وأعود من ذكرياتي علي أنغام بليغ في سماعة الأذن وام كلثوم تغني :
كان لك معايا
أجمل حكاية في العُمر كله
سنين ومرت زي الثواني في حُبك انت
وان كنت اقدر احب تاني ..هحبك انت❤️❤️

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

هل السيئة تهدم جبال الحسنات؟!

تايم نيوز أوروبا بالعربي | ليندا سليم  ولي في قصة الدكتور موافي وجهة نظر سأقص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *