أحاديث صامته

بقلم: ضحى أحمد الباسوسي

في عُمق الليل، عندما يهدأ الكون وتغيب الأنوار، رأيتُ لمعة ضوء ينبعث من عينيه. لم يكن ضوءاً عادياً، بل كان يشع كبريق الألم المكبوت والحنين الذي يملأ قلبه. كانت عيونه الحزينة تروي قصصاً منذ زمن بعيد، تلك التي نقشها على جدران قلبه بكلمات غير مسموعة ولكنها محسوسة. لم يعلم أحد كيف تتلوى شفاهه في صمتٍ عميق كما يفعل هو، وكأنها تحمل عواصف من الكلمات يخشى إطلاقها، فيظل كاتماً لمشاعره كابتاً لها، خوفاً من أن لا يفهم أنين روحه أحد، فيحتفظ بها لنفسه، كصندوق قديم مليء بالكنوز الثمينه والثقيلة ولكن لا تُكتشف إلا من خلال نظرة متفحصة إلى عينيه.

كان صمته كالبحر الهادئ، يُخفي في أعماقه حطام سفن وأراض منكوبة لا تراها الأعين. صمته كان يحكي عن آلام الفراق والفرص الضائعة، عن الأيام التي مرّت بكل فشل وتركت أثراً صعب محوه من روحه ف أصبحت مثقلة بالهموم. صمته كان غيمة سوداء، تسبق العاصفة وتخبئ في بطنها رعداً وبرقاً لا يسمعه أحد إلا من أَلِفَ صوت الرياح. ألم يلاحظ أحد كيف كان يعبث بأصابعه في الهواء، كمن يكتب رسائل ولكن لا يضغط أبداً على زر “إرسال”؟ كانت تلك الأصابع تعزف سيمفونية من الحزن، سيمفونية صامتة لا تسمعها إلا الأرواح التائهة في بحر الألم. كل حركة من يديه كانت جملة لم تُقال، وكل نظرة كانت تحمل مشاعر لم يستطع وصفها.

في صمته المهيب، كان هناك صخبٌ داخلي لا يهدأ، أحاديث تتلاطم كأمواج عاتية تتحدى هدوء شاطئه الوحيد. صرخته كانت خافتة، كأن لسانه مكبلٌ بسلاسل الحزن، كلماته مسجونة خلف أسوار الخوف. لم يدرك من حوله أن صمته كان مليء بالكلمات وصمتُه حديثاً طويلاً، حواراً داخلياً لم يُقدّر له أن يرى النور. ليُصبح حديثه مع ذاته يملأ فضاء الليل بسكون عميق، صمته كان الصوت الأعظم، الهمس الذي يخترق قلب السكون، الكلام الذي لم يُنطق لكنه أسمع كل من كان له قلب وروح.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

إستحقاق أدبي بفوز الأديبة عبير نعيم فى مُسابقة درويش

كتب | سعيد السُبكي حققت الكاتبة الروائية عبير نعيم أحمد فوزًا جديدًا في مُسابقة الدكتور …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *