حكاية وكتاب (2) | خربشة ثقافية في حارة السقايين

كتب | سعيد السُبكي

صديقي وزميلي أ۔ عصام كامل رئيس تحرير صحيفة فيتو الذي يشترك معي في ولعه بالخربشة الثقافية ونبش المعلومات استقبلني في القاهرة مُرحبا بمودة أبناء البلد الجدعان، فبكرمه شملني بحرارة تخفيف بعض من أوجاع البعد عن الوطن، وقد نجح في مُبتغاه، أما أنا فوسط حصار كرمه لم أتمكن من رد جزء ولو قليل ۔

الكاتب الصحفي عصام كامل

.وقد حانت الفرصة لأعبر عن شكري بإهداءه كتاب حرافيش القاهرة، نعم هو زهيد الثمن ولكنه فرح به وهو يتصفحه سريعا وهذا أسعدني

كُنت فى الحلقة الماضية  ” شنطة سفر في عابدين اختتمتها بالعودة للقراءة معكم في كتاب حرافيش القاهرة للكاتب  عبد المنعم شميس، الذي كتب في المُقدمة بعنوان كلهم بشر يقول : “

كان يحلو لي في سنوات الصبا والشباب أن أجلس على كرسي فوق رصيف صغير في شارعنا عند باب دكان جعله صاحبه مكتبا يستقبل فيه ويُدير أعماله، وكان في هذا الدكان أرائك وكراسي وصوانات لحفظ الأوراق وكان صاحبه يفتحه في الصباح ويقفله في المساء وقد أعد، إعدادا خاصا ليصلح أن يكون مكتبا فجعل في صدره حاجزا فوقه بيضاء لامعة يبلغ طولها ثلاثة أمتار وإلى جانب هذا الحاجز باب صغير ارتفاعه متر واحد وعرضه يقرب من المتر ويتحرك بسهولة عن طريق مزلاج يسمح بالفتح والإغلاق في سهولة.

هذا الرجل يترك دكانه مفتوحا ويذهب حيث يشاء ثم يعود، الناس أنه لا ولا يشترى، ولكنه يجلس أحيانا في مكان صه لنفسه في ركن الدكان وجعل فيه وسائد مريحة تساعده على لوس داخل دكانه إذا اضطر إلى ذلك.

ولكني لم أكن أحب الجلوس داخل الدكان فكنت أخرج منه كرسيا وأجلس على الرصيف لمشاهدة تيار الحياة في هذا الشارع الصاخب الذي كان يمثل السوق في حي عابدين، وكان فيه دكاكين لحرف كثيرة وتجارات تلبي احتياجات كل الناس في حينا وفى الأحياء المجاورة أيضاً، وقد انقرضت بعض هذه الحروف… أو التجاوزات اليوم أصبحت من الذكريات، ولكن كثيرين لا يذكرونها، ولعلهم لم يُشاهدوها على الإطلاق.

لقد كان حي عابدين في الجيل الماضي من أهم أحياء القاهرة بسبب وجود قصر عابدين والملك فيه، وكانت تسكنه طبقة الباشوات وغيرهم ممن يعملون في القصر موظفين أو خدما أو صناعا وحرفيين.

وكنت أسمع في شارعنا أحاديث باليونانية والإيطالية والفرنسية والأرمنية في عرض الطريق أو من النوافذ والشرفات بين أبناء هذه الطوائف رجالا ونساء، كما كنت أسمع لهجة أهل النوبة أيضا.

وبعد هذه السنين الطويلة لم تفارق ذاكرتي هذه الصور وما زالت شخوصها ماثلة في خيالي، ولكن بعض هذه الشخصيات المجهولة تأسرني وتعود بي إلى ذكريات قديمة كنت أحب أن أسجلها على الورق، ولكن شواغل الحياة أو الكسل حالت دون ذلك، ولكنها أصبحت تلح على وكأنها تطاردني وتدعونى إلى تصويرها، كما طالبني كثيرون من أصدقائي أو أبنائي وأقاربي بالكتابة عن هذه الذكريات التي تصور جانبا من المجتمع القاهري في جيل مضى وقد يعرف الناس عنه الأشياء الكبيرة ولكنهم لا يعرفون الأشياء الصغيرة.

وهذه الصفحات تصویر لأشياء صغيرة أصحابها شخصيات مجهولة. ولكنهم كلهم بشر.

حارة السقايين

قرأت السطور السابقة من مُقدمة “حرافيش القاهرة” فور خروجي من مكتبة دار المعارف على رصيف شارع عبد الخالق ثروت، واتجهت إلى مُصلح الشنطة في حي عابدين بوسط القاهرة حيث حان وقت إستلامها، وأنا فى طريقي إلى ورشته الصغيرة وجدت نفسى دون ترتيب في “حارة السقايين”، فنظرت إلى اللوحة المكتوب عليها اسم الشارع وكأني مسحور، تلك الحارة التي كانت تعيش فيها “شفيقة القبطية” أشهر مغنية في القرن العشرين، كما ولد بها الشاعر أحمد رامي.

وصلت للورشة فوجدت الشنطة قد عادت أمتن من سابق عهدها بفضل حرفية الأسطى حسن، نعم … هذا إسمه الآن تذكرت، طلبت من الأسطى حسن أن أعود لإستلامها غداً.

الأسطى حسن : أنت يا أستاذ قولت لي إمبارح انك مستعجل ومسافر ودلوقتى عايز ترجع بكره … على كل حال تحت أمرك اللي تشوفه.

انصرفت وبداخلي قرار كنت قد اتخذته بعمل جولة تفقدية في حي عابدين، ولم تمنعني حرار ة شمس صيف القاهرة من قراري.

إلى حلقة مُقبلة عن مُشاهداتي في حي عابدين فى خلطة مع كتاب حرافيش القاهرة أستعين بسطوره دليلاً أبحر من خلاله معكم.

الحلقة السابقة:

حكاية وكتاب | شنطة سفر (1)

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

منقارة وعقيلته |ولقاء حصري مع الألوان الفرنكوفونية

إنفردت تايم نيوز أوروبا بالعربي في لقاءا حصري مع “وليد منقارة ” القنصل العام في …

تعليق واحد

  1. رضا الطنطاوي حافظ عياد

    بارك الله لك أستاذى العزيز وهذا السرد اللماع لحقبة زمنية عاصرتها بكل جمالها فحى عابدين وحى المغربلين جيران لا فاصل بينهما فالشوارع يفضى بعضها إلى بعض وذكريات دار الكتب بباب الخلق والتى سمح لنا كطلاب ابتداء ى بالقراءة والمطالعة فيها كانت فترة تنويرية استفاد بها جيلنا دون تمييز سوى التفوق وصناعة جيل العلماء والمفكرين فى الفترة التالية . وزن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *