ترحال إلى مالانهاية

كتبت | عبير نعيم

على الرغْم أننا نسافر طوال حياتنا بصرف النظر عن وسيلة السفر إلا أنه في كل مرة نسافر فيها تتغير دواخلنا . .  ندقق في سنوات العمر بشدة ، نجدها تجرى مثل المشاهد التي نراها من النافذة تعبر أمامنا كمشاهد حية مُتحركة سينمائية، كنا دائمًا نتوق إلى مرحلة السكون هذه، لا ضوضاء لا مُسامرة لا بشر ،
ذاتنا فقط وشاشة تلفاز تبث كل العمر مُباشرة أمام أعيننا، فقط السفر من يعطينا فرصة لتأمل العمر الضائع، فضوضاء الحياة لا تمهلنا وقت لمشاهدة تسرب العمر من بين أيدينا، كل مرة نأخذ كتاب معنا لتسلية الوقت ولكن لا نفتحه .

نجد كتاب العمر أولى بتصفحه الآن . . نجد سفر مختلف فارق فى أعمارنا بعد نضج تجاربنا وأعمارنا، نرى كل الأشياء على حقيقتها بمسمياتها الحقيقية۔

كُنت في الماضي أعتقد أن السفر قطار يجرى بين الحقول مثل كتاب القراءة فى السبعينات . . نلهو من النافذة حتى نصل ،لا يهم مشقة السفر مهما طال لا نعرف ما ذا تركنا لنودعه، الأهم ما نجده في انتظارنا بشوق .
الآن وجدت الجسد المسافر كالثمل فقد متعة الاشتهاء للتوديع. .  للسلام . .  لقبلة وداع لو باردة . . حتى لو تركت جزءًا مبتورًا من جسدك هنا والآخر في مدن بينك وبينها محيطات، وجدنا السفر الحقيقي
أن تكون مذبوح إلى نصفين، نصف ينزف والنصف الآخر يبتسم ويهديك وردة على محطة القطار ويرحل بهدوء !
وجدنا السفر أن تهجر وطن وأرض إلى ظل شجرة فيها من تحب حتى لو لم يستر جسدك !
سرعة القطار تقلب صفحات العمر على النافذة تفتح صفحات مليئة بالألم، تركت ندبات شفينا منها وصفحات أخرى لقسوة جلدت أجسادنا بالسياط وتركت جرح غائرًا، وصفحات فيها ابتسامة عابرة لوجوه عابرة لم تكتب إمضائها على قلوبنا، وأخرى خالية لا سطر فيها ولا تاريخ، مرت من العمر هباءًا، وأخرى مليئة بوجوه تلبس أقنعة البلياتشو، وصفحات بطعم الحياة المؤقتة، وأخرى برائحة الموت الرحيم، وصفحة في المنطقة الرمادية. .  كل هذه الصفحات تتطاير أمام أعيينا لا نستطيع إيقافها ۔
في كل صفحة أخذت من العمر اكثر ما أعطت،. . أعطتنا أبناء صارت تربطنا بهم شهادات الميلاد فقط . . أهدتنا الحب لكن ليس كما قرأنا عنه في قصائد نزار قباني ونازك الملائكة !
أعطتنا الحب الذي يولد ليموت حيا بشهادة ميلاد مزورة . . الحب الذي يولد بمخاض مؤلم ورغم ذلك نبتسم ونشرب نخبه في الظلام . . أعطتنا أماكن كنا نظن أنها جزءًا من أجسادنا لا خشب وصور مُصطفة مُتجمدة كالثلج على الحائط صارت مسكونة بأشباح الذكريات، وصارت كالوطن المهجور. . أعطتنا الورد والزرع الجافة في المزهريات يبكينا بلا دموع في الشرفات.
وبين الصفحات وجدت القلم والموهبة التي كتبت على أصحابها الشقاء بها، لأننا نصف داؤنا بكل دِقَّة ولكن لا نعرف كيف نصف العلاج لأنفسنا ! . . الموهبة التي لا تشيخ ورغم ذلك تدفن معنا، حتى ظننت .أننا هناك سنشكو بالقلم في غوغاء صمت القبور، وعلى جانبي صفحة تتطاير نلمح وجه الأم . . الوطن
الوطن الأكبر الذي لا يطردك مهما اقترفت من أفعال تظل تضمك، تقبلك، تبكيك، ولكن لا حيلة لها غير أن تبتسم لك بدمعة حارة تطمئنك أن كل شيئ سيصير على ما يرام ۔

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

محرقة رفح الى أين ؟

كتب | المستشار – شعبان حسن الجرجير  ارتكبت سلطات الاحتلال الاسرائيلي في عدوانها المستمر على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *