الخديوي المديون

بقلم : يحي سلامة
استمتعت بقراءة كتاب (محمد علي وأولاده) للأستاذ الكبير الراحل /جمال بدوي والذي إمتلك موهبة الكتابة التاريخية والسرد الممتع واستنطاق الأحداث والشخصيات برؤية موضوعية غير منحازة أو متجنية علي أحد ويترك للقارئ الاستنتاج من الوقائع
في الفصل الخاص الذي أورده عن فترة حكم (الخديوي اسماعيل) لمصر (18يناير 1863 حتي 26 يونيو 1879) ركز الكاتب علي شيئين أساسيين لخصا شخصية الخديوي وفكره وهما إعجابه الشديد بأوربا وخاصة فرنسا ورغبته في نقل العمارة الفرنسية والمباني الفرنسية إلي مصر والشئ الثاني أن يتم كل هذا عن طريق الإستدانة وقد وصفه الكاتب أنه كان مغرما بالقروض ويأخذ القرض الجديد لسداد فوائد القرض السابق وهكذا دخل في دوامة القروض الخارجية التي أثقلت كاهل الميزانية وزادت من النفوذ الأجنبي والتدخل في أدق شؤون البلاد الداخلية من بريطانيا وفرنسا (الرقابة الثنائية علي الموازنة ) لتحديد وحساب الإيرادات والمصروفات وهو مايشبه حاليا شروط وإجراءات البنك الدَّوْليّ وصندوق النقد للحصول علي القروض وطريقة سدادها
الخديوي إسماعيل هو أول من نقل قصر الحكم من القلعة الي قصر عابدين الذي تم بناءه في عصره هذا طبعًا بخلاف العديد من القصور كما بني قصرا أخر له علي البوسفور يقيم فيه إذا اقتضت الظروف السفر للأستانة عاصمة الخلافة العثمانية في ذلك الوقت والتي كانت مصر تحت حكمها
وأقام كوبري قصر النيل وأنشأ دار الأوبرا وتم في عهده افتتاح قناة السويس في حفل ضم ملوك وأمراء ونبلاء أوروبا وهو الحفل الأسطوري الذي مازالت تتحدث عنه كتب التاريخ أن ما أنفق فيه يرقي إلي الخيال الأسطوري في قصص ألف ليلة وليلة ويتجاوز حد الإسراف والترف المعروف عن حياة الملوك والخلفاء والأمراء.
وبمناسبة الترف أورد الكاتب قصة طريفة (وهي أن الخديوي تناول الغذاء عند أحد أصدقائه من النبلاء الفرنسيين الذي كان يمر بضائقة مالية فأراد الخديوي أن يساعده دون إحراج فعرض علي هذا النبيل أن يشتري قصره فما كان من الرجل إلا أن رفع ثمن القصر الذي يساوي مليون وربع فرنك وقتها الي أربعة ملايين فرنك حتي لا يشتريه الخديوي لأنه يعتز بقصره ولا يرغب ببيعه ورغم الثمن الكبير وافق الخديوي علي السعر وكتب للرجل شيكا علي أحد البنوك الأوربية وقبل أن يغادر الخديوي قصر مضيفه جاءت ابنة هذا النبيل لتلقي التحية عليه فما كان منه إلا أن أخرج ورقة وكتب فيها عقد تنازل عن القصر لإبنة هذا النبيل قائلًا لها: حتي لا تقولي أني تناولت الغذاء في قصركم وأخرجتكم منه)
ومن القصص الطريفة أيضاً في هذا الفصل ما أورده المؤلف عن شقيق الخديوي في الرضاعة وهو إسماعيل صديق المعروف بإسم (إسماعيل المفتش) والذي تولي مايشبه منصب (محافظ البنك المركزي) أو وزير المالية في وقتنا الحالي وكان مكلفًا بتدبير الموارد لسداد فوائد الديون فتفنن الرجل في إختراع أساليب فرض الضرائب والرسوم وإنتزاع الأموال من الفلاحين وغيرهم فضلا عن بيع أسهم قناة السويس (المملوكة لمصر وفاءا للديون )والقصة الطريفة أنه كان يبيع محصول القطن للأجانب قبل حصاده فيما عرف بإسم بيع البذور وعندما يأتي الوقت للوفاء بعقد البيع يتفاجأ المشتري أن إسماعيل المفتش باع نفس المحصول لأكثر من شخص ولكي يخرج المفتش من هذا المأزق كان يشتري من الأجانب ماقاموا بشراءه بزيادة عن السعر الذي دفعوه ويعطيهم سندات مؤجلة الدفع للعام التالي وهكذا ويعتبر أول من قام بالتطبيق العملي لنظرية (ليك وهاتاخد وعليا وهادفع)
وبقي أن نذكر أن عصر إسماعيل الذي تميز بالتشييد والعمارة وبناء الكباري وإفتتاح قناة السويس والأوبرا وتسيير خطوط الترام في شوارع القاهرة لأول مرة قد انتهي حكمه (بالعزل وتولية ابنه توفيق الحكم) والبلاد مديونة بمبلغ 126 مليون جنيه هي جملة ما إستدانه الخديوي طوال فترة حكمه وهو مبلغ ضخم جدا في ذلك الوقت .

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

وسام السبكي | امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في رسالة دكتوراة فى مجال ادارة الأعمال

القاهرة | خاص شهدت قاعة المؤتمرات بمركز التعليم المدني لوزارة الشباب والرياضة بالجزيرة صباح اليوم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *