الأراجوز

أراجوز.. أون لاين! ‏ ‏

بقلم: الشاعر | عباس الصهبي

أضحكني صديقي، وهو بالمناسبة؛ مثقف من العيار «التقيل» جداً، ونحن نتحدث، وبمنتهى الجدية؛ عن انحدار سلوكيات الأبناء في الجيل الجديد الحالي؛ إذ قالها لي وبمنتهى الحسم: ‏_ لا بد من عودة «الأراجوز»! ‏وبدهشة، قلت له: ‏_ الأراجوز؟! ‏ابتسم، وبسخريته اللاذعة، قال: ‏_ نعم، «الأراجوز هو الحل»! ظننته في الأول يسخر، وهو المفكر والمثقف الكبير؛ فانتقلتْ في الحال، على ما يبدو؛ عدوى السخرية منه لي؛ ووجدتني ضاحكاً أقول له: ‏ _ ياله من كلام يصلح أن يكون شعاراً سياسياً لأحد أحزابنا السياسية، الكثيرة «العدد» جداً، والتي لا نجد من شعاراتها المتشابهة على أرض الواقع، وحتى في لوحاتها الإعلانية الكبرى؛ أي شعار مقنع يمكننا فعلاً أن نذكره أو نتذكره لها!

‏وجدني مستمراً في القهقهة الشديدة، فقال: ‏_ يبدو أنك لم تفهم المغزى الحقيقي، وبجد؛ من وراء كلامي! تركته؛ يستطرد، موضحاً فكرته، فقال: ‏ ‏_ ألا ترى أننا في تربيتنا، والتي انعكست إيجابياً على سلوكيات حياتنا قد استفدنا من تجربة «الأراجوز» في حياتنا، فتعلمنا مفهوم العيب، واحترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، وحتى الحلال والحرام قبل أن نتعود جلوس القرفصاء بالمساجد لسماع خطب الجمعة، أو الذهاب للكنائس لسماع الموعظة في أيام الأحد. ‏قلت له: ‏_ آه، فهمت قصدك، تقصد حفلات الأراجوز في المدارس، وبأغلب الحفلات المدرسية في المناسبات الاجتماعية المختلفة، والتي كان «الأراجوز» أحلى أبطالها تأثيراً بخفة ظله الجميلة على قلوبنا وعقولنا نحن الصغار! ‏فقال: ‏_ نعم، هذا ما قصدته، فعيال الجيل الجديد يحتاجون إلى «الأراجوز» الآن، أو من يحل محله، ليوجههم، وبالطريقة الممتعة واللذيذة التي عرفناها نحن قبلهم، والتي اتبعها الأراجوز معنا في الماضي عندما كنا لا نزال عيالاً في طفولتنا المبكرة بالمدارس الابتدائية! ‏فقاطعته، قائلاً: ‏_ نعم، نعم، معك حق، فقد كانت أحلى أيام العمر!

‏أعجبتني فكرته مبدئياً، فسألته: ‏_ ولكن ألا ترى ومنذ أن أصبحنا نعيش في زمن «كورونا»، لم تعد توجد مدارس بمفهومنا القديم، بل وأصبح التعليم نفسه يتم «أون لاين»، بل وصارت الامتحانات تتم أيضاً وفي أحوال غبر قليلة ب«التابلت»؛ حتى صار «النت» الآن هو «سيد الموقف»! ‏ابتسم، ربما مجاملاً لي؛ وقد شعر بأنني ما زلت لم أتنبه لقيمة، بل وخطورة ما يقوله، ومدى ماتعيشه الأجيال الجديدة من مأساة حقيقية لا يدركون هم أنفسهم، وبحكم صغر السن بالطبع؛ خطورتها، ومداها الكارثي، ولا نحن أيضاً، وبكل الأسف؛ مع أنهم في ذمتنا ورقبتنا، ونحن المسئولون عنهم، أمام ضمائرنا، بل، والأهم؛ أمام الله، سبحانه وتعالى.

‏قال: ‏ _ لا أعرف لماذا نحن أصبحنا دائماً الآن نصبُّ كل غضبنا على التعليم، و«التابلت»، مع أننا في وقتنا الحالي لم نعد نستغني نحن وعيالنا عن «الموبايلات»، وبالطبع عن «النت»، وفي كل شيء تقريباً في حياتنا! ‏واستطرد، وبنوع من الحُرقة الصادقة؛ قائلا: ‏_ فنحن، وبالموبايلات، عندما نريد أن نتسلى؛ أصبحنا نفعل ذلك عن طريق الجامز» – الألعاب – على ال «نت»، وآذا أردنا أن نأكل نطلب ما سنأكله بـ «النت»، وإذا أردنا أن نطمئن على من أقاربنا أو أصدقائنا نفعل ذلك بالموبايل، أو بالموبايل مع الـ«نت» بدلاً من الزيارة أو صلة الرحم! ‏أقاطعه، مكملاً كلامه لأؤكد له أني فهمت قصده وإن ظللت مستمراً في الضحك والسخرية: ‏_ وحتى الأبناء عندما يطلبون النصيحة من أمهاتهم أو آبائهم فإنهم أصبحوا يطلبونها منهما ب«النت» الآن؛ لانشغال الأبوين دائماً في أعمالهم الكثيرة ليكونوا قادرين على «الدفع» ومواجهة متطلبات الحياة الكثيرة والتي أصبحت أسعارها غالية جداً، حتى على المستوى المتوسط وبعض العالي منالدخول!

‏فقال: ‏_ من أين إذن يأخذ الأبناء نصائح، بل والأهم «قدوتهم» السوية في الحياة؟! هذا بالضبط ما قصدته، ومن بداية كلامي معك! ‏وبينما كنت لا أزال أضحك، قلت له: ‏_ ذكرتني بأحد أصدقائي المقربين، وهو شيخ معمم؛ قال لي إنه في أحد لقاءاته الاجتماعية طلب منه صديقان من جيل الشباب الصغير أن يُفتي لهما برأي الشرع في مسألة تعتبر بسيطة وإن بدت لهما شائكة، وبعد اطمئنانهما لكلام مولانا الشيخ في المسألة، وإقناعه لهما بحجته الشرعية؛ فوجيء بأحد الشابين الذي جاء رأي الشيخ مؤيداً له: «ألم أقل لك من البداية تعالَ «نستفتي» مولانا الشيخ «جووجل»! ‏وبسرعة قال لي صديقي: ‏_ من أين، إذن؛ تأخذ الأجيال الجديدة القدوة الحسنة، والنصيحة المخلصة، في ظل غياب المدرسة والأبوين وحتى الأقارب عن حياة هذا النشء؟!

‏استمر ضحكي، ولكن هذه المرة بنوع من المرارة: ‏_ إذن، ماهو الحل؟! ‏اتسعت هذه المرة ضحكته، وبقوة، وهويقول لي: ‏ ‏_ قلت لك الحل هو عودة «الأراجوز»! ‏فقلت له: ‏_ الظاهر فعلاً لا بد من استدعاء «الأراجوز»، وعلى أن يتم استدعاؤه، وبكل أسف؛ وفي هذه المرحلة التاريخية؛ عن طريق ال«أون لاين»! ‏ضحكنا نحن الاثنين، لكنه – هذه المرة – وعلى رأي عمنا الشاعر العظيم «المتنبي» – كان «ضحكاً كالبُكا»!!

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

فَيِنْ يُوجِعُكَ ؟ ! | يَا وَاشٍ يَا وَاشٍ يَا حُكُومَةُ

وَكْرِ اَلَأْ چنَدَّاَتُ . . مَضَامِين عَنْكَبُوتِيَّةٍ . . كَوْكَبَ اَلدُّفُوفِ لَا أَمْلِكُ أَدَوَاتٌ اَلْمَطَبَلَاتِيَّة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *