وليه تتسجن يا ريس؟

بقلم | د.محمود عمارة

كُلنا عارفين أن مفيش مسئول (وزير – محافظ – مدير بنك – رئيس مؤسسة حكومية، أو حتى موظف فى إدارة زراعية) «بيمضى على ورقة»، وعشان كده البلد حالها واقف بسبب «رعشة الأيادى»!!

ورعشة الأيادى سببها: غابة القوانين والقرارات.. و«اللوائح البالية» المُعلّقة فوق رقاب الموظفين!!

وعارفين كمان أن الموظف اللى يشتغل لو غلط «هنحاسبه» على اجتهاده.. والعكس: من لا يعمل «ولا يوُقّع على ورقة» فلا مُحاسبة ولا عقاب.. فماذا ننتظر من الوزير إلى الخفير؟

من يُصدّق أن مصر محكومة بـ401 ألف «قانون» وقرار وزارى وفتاوى تشريعية (معظمها فاسد) وضد مصالح الناس.. ولوائح (بعضها من أيام الهيمنة العثمانية) وكل قانون دخل عليه عشرين وتلاتين «تعديل».. كل تعديل (عوج) اللى قبله (وبوّظ) اللى بعده!!

مثال: عندنا (102 تشريع) بيحكموا موضوع «تملّك الأراضى الصحراوية».. القانون رقم 48 يعطى لوزير الزراعة الحق فى إصدار عقد ملكية، لمن استصلح أرضاً صحراوية ولم يُخالف.. وبعد أن يوقّع الوزير على العقد، هُناك «فتوى تشريعية» تحبسه (آى والله!!) مادة تُعطى المسئول حق التوقيع، ومادة (فى نفس القانون) تحبسه!!

بذمِّتك لو كُنت المسئول؟ هتمضى على العقد (لصاحب الحق) وانت عارف أن شكوى فيك من موظف فاسد سيادتك هتروح فى سين وجيم.. والصحافة تفضحك، ويلبسوك أبيض فى أبيض.. وتتجرّس وأسرتك تتشحطط؟

يا فرحتى.. رئيس الجمهورية كل شوية يطلع يقول «وإيه يعنى لما نتسجن علشان الـ90 مليون يعيشوا؟».. ومن كام يوم قال «اللى خايف يمضى يجيب لى الورق وأنا أمضيه مكانه»!!

السؤال: وليه يا ريس سيادتك تعرّض نفسك للمحاسبة؟

صحيح أنت مش هتتسجن لأنك «مُحصّن» بحب الأغلبية الكاسحة.. لكن من يضمن اللى هييجى بعدك ممكن يعمل إيه؟ وتاريخنا والحمد لله مليان حواديت من أيام الفراعنة (الابن كان بيقلب على أبوه)!!

وليه سيادتك تُطلب من الوزير أو المحافظ أو أى مسئول أن يُعرّض نفسه للمساءلة.. ويقف أمام وكيل نيابة من سن أولاده.. ويتصوّر فى الجرايد وراه عسكرى، أو أثناء خروجه من قسم الشرطة بالكلبشات؟!!

يا ريس: سيادتك عارف أيضاً أكتر منّا، أن «الاتحاد السوفيتى» رغم تفوقه العسكرى وصناعته الأسلحة، وتقدّمه العلمى، ووصوله إلى الفضاء «تفكّك» وتمزّق وانهار.. ليه؟

1 – لأن التشريعات كانت قد تقادمت وتضاربت وتهالكت، فلم تواكب العصر، وأصبحت متعارضة مع مصالح الناس.. و«اللوائح البالية» دمّرت «الإبداع» لدى موظفى الحكومة وأخافتهم وكبّلتهم.. فأصيبت الدولة «بالشلل الرباعى» الذى أدى إلى العجز الكامل فخوّخت وتحلّلت!!

2 – كانت مرتبات الحكومة لا تفى بحاجة الموظف، فانتشر الفساد من فوق لتحت.. ناهيك عن عصر السماوات المفتوحة الذى «فتّح» عيون الروس وشهيتهم على رفاهية الناس خارج الاتحاد السوفيتى، الذى كان مُغلقاً بالضبة والمفتاح!!

السؤال: أليس حالنا الآن (فى القوانين، ومرتبات الموظفين وهروب المبدعين من مؤسسات الدولة)، هو حال الاتحاد السوفيتى نفسه قبل أن يتفكك؟

والدليل:

أولاً: مناشدات سيادتك للمسئولين، التوقيع على الأوراق التى تُحقّق مصالح الناس، (ولا مُجيب).. وكلنا شايفين أحوال البلد «المكتّفة» ومصالح الناس «المتوقّفة»، التى ستؤدى حتماً بعد هذا الركود إلى «كساد»، أخشى أن يكون سبباً فى اضطرابات اجتماعية يستغلها الأعداء!!

ثانياً: أمّا بالنسبة إلى الحد الأقصى للمرتبات.. ففى لقاء وزير الصناعة والتجارة مع جمعية رجال الأعمال منذ عشرة أيام قال: أنا مش لاقى شباب مُبدع، مُبتكر، خلاق، يرضى يشتغل معايا فى الوزارة.. لأن المرتبات التى أعرضها طبقاً للحد الأقصى لا تجذب أحداً من هذه النوعية، ومش عارف أعمل إيه؟!!.. معناها إيه؟

والحل: عرضته منذ سنتين على المستشار على عوض (مستشار الرئيس السابق عدلى منصور)، وملخصه: «بما أن لدينا دستوراً جديداً.. فهى فُرصتنا التاريخية لإصدار قوانين جديدة «نوفى» طبقاً لمواده.. وهذا يحتاج إلى وضع «جدول زمنى» فى اللجنة التشريعية بمجلس النواب.. يتم من خلاله إصدار «حزمة قوانين يومياً» مطابقة لمواد الدستور.. على أن يتم وضع الأولوية للقوانين المُتسبّبة فى رعشة أيادى المسئولين (خمس قوانين فى كل وزارة مخوّفين أى مسئول).. أنا شخصياً مع الوزير الأسبق د. أيمن أبوحديد، قدّمنا للحكومة والرئيس السابق خمسة قوانين فى الزراعة، تُحدث «نقلة»، ولن أقول «ثورة» تُحقّق لنا أمننا الغذائى (ولا حياة لمن تنادى).

أما عن قضية «المرتبات» والحد الأقصى الطارد.. فعلينا أن نجد لها حلاً جاذباً للكفاءات التى تنطبق عليها «المعايير والمواصفات».

(انظروا كيف تقدّمت دول الخليج عندما أرسلت الشباب فى بعثات وعادوا بإغراءات، ليحتلوا أعلى المناصب وينافسوا أعتى الشركات، فنهضوا ببلادهم فى عدة سنوات)!!

الخلاصة: من غير قوانين جديدة تُلغى القديمة بأقصى سرعة ممكنة.. ودون حل جاذب لشباب مُبدع يقبل العمل الحكومى فى مواقع اتخاذ القرار.. سيتبخّر الحلم.. ولن نصل بأم الدنيا لتصبح قدّ الدنيا.. وهذه مسئولية مجلس النواب من الآن.. فإما أن يعود بنا إلى الوراء «بالمهاترات».. أو يصعد بنا إلى عنان السماء «بإنجاز حزمة يومية من هذه التشريعات»!!

هنشوف!!

  * تاريخ النشر الأول للمقالة فى يوم الأثنين  11 يناير 2016

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

إمتياز مع مرتبة الشرف الأول في رسالة دكتوراة للباحثة المصرية | شيرين طلعت

تنفرد تايم نيوز اوروبا بعرض برومو أحدث رسالة دكتوراة في كلية اداب قسم إعلام جامعة …

تعليق واحد

  1. مقال رائع للدكتور محمود عماره بسيط وواضح وبه تشخيص الداء والدواء
    علي الحكومه ومجلس النواب النظر الجاد والعمل لحل مشكله هذه القوانين المعوقه للاستثمار والتنميه والانتاج .تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *