ذكريات طالب مصري فى أوكرانيا

حُب وفساد وجمال وعُنصرية وعلم | ذكريات طالب مصري فى أوكرانيا

خاركيف | أحمد أبو المجد

الحب والفساد والجمال والعنصرية والعلم (ذكريات طالب مصري في أوكرانيا)

الجزء الأول

 (الحب)

في الساعات الأولى من الحرب الروسية الأوكرانية لم أكن مشغولا بما ستتركه تلك الحرب الدامية من نتائج كارثية على عالم لم يكن قد استعاد عافيته كاملة من صفعات الوباء الذى يبدو إنه لم يكن ليتوارى آثره إلا بكارثة أخرى أشد وطأه، لم أكن مشغولاً سوى بتلك العيون الجميلة التي أحببته قبل أعوام وتركت في نفسي آثاراً لن تمحى آبداً وذكريات ستظل جزء مني للأبد هناك في مدينة خاركيف ثاني أكثر المدن الأوكرانية زخما وعراقة وسكاناً بعد العاصمة كييف، هناك كان لقاؤنا الأول ولقاؤنا الأخير وما بينهما من قصة حب لا امتلك القدرة الكافية للكتابة عنها أو وصف حلاوة مذاقها.

(1)
في العشرين من أغسطس عام 1931 جاء الولد للحياة من أسرة سوفيتيتة تقدس الشيوعية وتعتبرها الخلاص الدائم للعالم، كبر الولد ودرس الصحافة وتبنى الأفكار اليسارية الماركسية، ولكنه عارض جرائم ستالين ورفاقه ممن خلفوه واضطر مغادرة أوكرانيا إلى لندن وهناك التقى برفيقة عمره، فتاة كتالونية جميلة ومثقفة ويسارية فتزوجا بعد عامين من قصة الحب تلك وأنجبا طفلة جميلة جمعت بين محاسن الزوجين وعنادهم.

(2)

كبرت البنت ووقعت في الحب مبكراً للغاية وأنجبت وهي في أوائل عقدها الثاني فتاة جميلة أخرى، ولكن القدر كان يخبىء أخبار سيئة للطفلة التي فتحت عيونها على موت الأم المفاجئ وهروب الأب من مسئوليته تجاهها. فكبرت البنت بين أحضان الجد الأوكراني والجدة الإسبانية ليلعب هذا التنوع اللغوي والثقافي دورا هاما في تكوينها حيث أتقنت بطلاقة لغات الجد والجدة بالإضافة إلى اللغة الروسية والتركية وأبدت اهتماماً واسعاً باللغة العربية التي خلقت بيننا تلك الصدفة السعيدة في إحدى الجامعات الأوكرانية التي درست بها بشكل مؤقت فترة من حياتي.

(3)

بعد ان امتد الحديث بيننا لساعات حول كل شيء كانت قد أخبرتني بقصة عائلتها الملهمة والمؤثرة ولإنها أيضا مولعة بالأبراج وتلاقى الأرواح في السماء. سألتني إلى أي برج تنتمي؟ أجبت أنا برج الأسد. أكملت بسؤال أخر أي يوم وأي شهر. أجبت 20 أغسطس أيضا، ولكن بعد أن ولد جدك بأكثر من 65 عاماً. لم تصدقني في البداية وظنت أني أمزح. فأخرجت لها ب جواز سفري ليؤكد على تلك الصُدفة الغريبة لأرى على وجهها ذهول مفرط. قالت لي بعد ذلك إن حينها كانت المرة الأولى التي يدق فيها قلبها تجاهي وتدرك أن هناك شيء أكبر من الصُدفة التي جمعتنا.

(4)

بالوقت أصبحت جزء من تلك الأٍسرة وشعرت بإنه عوض الله عن كل خيبات الأمل العاطفية في حياتي (قبل أن تنضم هي الأخرى لقائمة الخيبات) تقاسمنا الحياة بكل ما فيها من عمل ودراسة وقراءة وكتابة وفن وسفر وتجارب جديدة وعندما حان وقت الرحيل أقسمنا أن نترك جزء من أرواحنا عند بعضنا البعض. مرت السنين وتغيرت الأحوال ووجدت نفسي ذات يوم مستيقظا أمام فيديو إخباري ينقل مظاهر القصف في مدينة خاركيف بالقرب من الميدان الذي قضينا فيه موعدنا العاطفي الأول وشعرت ان جزء من روحي قد احترق هناك. فلماذا يظل هذا العالم موقدا بالنار وهادما للحب مع أن الحب يبنى والنار هدامة ومع أن الحب يطيل بقاؤنا والحرب تقربنا من الفناء. فمن المستفيد؟

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

وسام السبكي | امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في رسالة دكتوراة فى مجال ادارة الأعمال

القاهرة | خاص شهدت قاعة المؤتمرات بمركز التعليم المدني لوزارة الشباب والرياضة بالجزيرة صباح اليوم …

2 تعليقات

  1. تأتى الرياح بما لا تشتهي به السفن

  2. رضا الطنطاوي حافظ عياد

    دوام الحال من المحال فى عالم يتحول من الحب وبعض الاستقرار إلى دمار وفساد تجار الدم والموت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *