الكاتب أحمد يدك
الكاتب أحمد يدك

أحمد يدك يكتب | لكن…وإخوانها!

بقلم | أحمد يدك – القاهرة:

حقيقة لا أدري مصدر الثقة التي دفعت وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو للحديث في بداية العدوان على الشعب الفلسطيني عما أسماه “تخلي” دول إسلامية كبرى عن قضية فلسطين رغم تأثير قرارها – وفق تعبيره – في تلميح صريح عن مصر، بشكل جعلني شخصيًا أشتبه في أن مصر لم تكن ربما سوي محطة ترانزيت لرحلات الوفود الأمنية التي وصلت منها للأراضي المحتلة من أجل إدارة عملية وقف العدوان على غزة بين طرفي النزاع، بعد انطلاقها من تركيا!

فبينما يمتثل الطرف الإسرائيلي “المتعنت” لبنود مبادرة وقف إطلاق النار التي طرحتها مصر، بدت القاهرة وكأنها باتت تُمسك بعصا سحرية تستطيع من خلالها إيجاد صيغ التفاهم المناسبة من خلال الوقوف على مقربة من الجميع وليس علي حساب طرف لمصلحة الطرف الآخر، وتمنحها القدرة على إرضاء جميع فرقاء الأزمة عبر تقديم الحلول التوافقية لكل الأطراف، وهو ما يتضح في كيفية الإستجابة الإسرائيلية للمقترح المصري الـ”غير مشروطة”، لاسيما بعد إخفاق الأطراف الدولية في إيجاد صيغة مناسبة للحل، وعلى رأسها بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية.

 وبعد أن وُفقت مصر في إيجاد مخرج ملائم للأزمة خصوصًا بعد تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة الذي تضررت فيه معظم مرافق البنية التحتية جراء القصف الإسرائيلي، ناهيك عن العشرات من القتلي والجرحي من الفلسطينيين، صارت لمختبرات السياسة المصرية الأسبقية في تسجيل أول لقاح مُضاد لوباء المتاجرة بالقضية الفلسطينية، بعد تفشي جائحة “السمسرة” بمعاناة الشعب الفلسطيني على مدار السنوات الماضية!

وأبطلت مصر بذلك مفعول اللاحقة الكلامية “لكن” التي تستخدمها اللجان الإلكترونية لتنظيم الإخوان الإرهابي في تطعيم أحاديثهم بها عن أي إنجاز أو نجاح مصري، للحصول من خلالها على معانٍ مناقضة تعطي تبريرًا للهجوم على السياسات المصرية بدلًا من الإشادة والإحتفاء بها، فيُقال: “…لكن، في غير أوانه أو …لكن، كان الأولى كذا أو …لكن، يبدو الأمر مبالغًا به”.

وهي النبرة ذاتها التي تعالت بها أصوات هذه اللجان عقب إعلان مصر تخصيص مبلغ نصف مليار دولار أمريكي من أجل عملية إعادة الإعمار في غزة، وبكل أسف راح الكثيرون يرددون الجُمل ذاتها دون أي تفكير في المنطق المصري من وراء المنحة، وهو بالأساس المساهمة في تحسين الأوضاع المعيشية لأهل غزة، التي تستغلها التنظيمات الإرهابية في استقطاب عدد كبير من أبناء القطاع والزج بهم في أنشطتها الإجرامية، وهو استثمار بعيد الأمد في الأمن القومي المصري، ترمي مصر من خلاله لحماية حدودها من أي توترات، هذا بالطبع دون إغفال البعد الإنساني الذي ترعاه مصر تاريخيًا.

وبعد حالة الذهول التي أصابت البعض من رقم المنحة المصرية لإعمار غزة، ربما أُصيب البعض بنفس الذهول بسبب اتصال الرئيس الأمريكي جو بايدن بالرئيس عبدالفتاح السيسي عقب نجاح المبادرة المصرية في إنهاء الصراع، وهو في واقع الأمر ذهول مبرر أمام توعد بايدن خلال حملته الإنتخابية الإدارة المصرية بقوله: “لا مزيد من الشيكات على بياض لهذه الإدارة”، لدرجة أنعقاد آمال التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية على إدارة بايدن في إعطاء قبلة الحياة لمشروع الفوضى الخلاقة بالمنطقة، وإعادة إنتاج مشهد مماثل لحراك 2011.

ولأن سر التحول يكمن في التفاصيل، تجدر هنا الإشارة إلى أنه في الوقت الذي نجحت مُسبقًا إدارة الرئيس السيسي في إيجاد العديد من نقاط الإلتقاء مع تيار القوميين الأمريكيين ممثلًا في إدارة الرئيس دونالد ترامب السابقة، ومنها مثلًا التصدي للفكر الراديكالي ومحاربة التطرف، فقد التقت مع إدارة بايدن الحالية في عدة نقاط أهمها على الإطلاق مسألة اللوبي اليهودي داخل أمريكا، الذي تمتلك مصر مساحة كبيرة من التفاهم معه، ربما يغرد على ألحان هذا التفاهم الزيارات المتكررة لرئيس الكونجرس اليهودي العالمي إلى مصر، والتي كانت آخرها نهاية الشهر الماضي، وهي الورقة التي تحسّب بها اللاعب المصري من رحيل إدارة ترامب وأدرك جيدًا أهميتها في التعاطي مع إدارة بايدن.

وربما استخدمت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الورقة ذاتها في تصفية حسابات قبل رحيلها الوشيك مع إدارة بايدن تتعلق بأمور خلافية فيما بينهما، في مقدمتها عودة الولايات المتحدة للإتفاق النووي مع إيران، عبر توظيف النزاع الأخير الذي تعمدت فيه إسرائيل ظهورها وكأنها تتعرض لتهديدات وجودية، خدمتها فيه المشاهد الهوليودية لصواريخ الفصائل الفلسطينية التي انطلقت صوبها، حتى تبدو الإدارة الأمريكية في مظهر العاجز عن حماية أمن إسرائيل، وهو ما وضع بايدن في مأزق حقيقي أمام اللوبي اليهودي الذي يسيطر على مفاصل الدولة الأمريكية!

ولهذا السبب رأى الرئيس الأمريكي جو بايدن الرئيس السيسي على هيئة “المسيح المخلص” الذي أنقذه من ورطة حقيقية ترقى إلي تهديد حياته السياسية قد يُصبح معه التفكير في الترشح لفترة رئاسية ثانية أمر غير قابل للنقاش، وهو ما رأت فيه الإدارة المصرية في المقابل فرصة مواتية لـ”رمي بياضها” في أولى الملفات التي تقوم بفتحها مع إدارة بايدن !

لذلك لم يتردد الرجل في أن يتولى هو المبادرة بالإتصال بالرئيس السيسي وأن يكون “الشكر” هو عنوان أولى محادثاته مع الرئيس المصري، ومن ثم الثناء علي دور مصر في فض الإشتباك، والتقدم بالشكر للمرة الثانية للرئيس السيسي في خطاب متلفز عقب انتهاء الأزمة أذاعته كل وكالات الأنباء في جميع أنحاء العالم، وكأنه يريد أن يقول للعالم: “أنا لست هذا الشخص الذي كان يهدد بمعاقبة الدولة المصرية أثناء الحملات الإنتخابية”، لتنسف مصر بذلك قواعد اللعب على رقعة الشطرنج السياسي وتعيد صياغتها من جديد بما يتناسب مع رؤيتها ويتماشي مع مصالحها، فتشاء الأقدار أن تظهر مصر خلال النصف الأول من 2021 في دور “المُنقذ”، الذي تارة ينقذ تجارة العالم بتحرير حاملة الحاويات العملاقة “إيفر جيفن” من المجرى الملاحي لقناة السويس، وتارة أخرى بإنقاذ المنطقة من الإشتعال بنزع فتيل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني!

إقرأ أيضًا للكاتب | الهلال المصري بإفريقيا…

عن زوايا الأخبار

شاهد أيضاً

الخديوي المديون

بقلم : يحي سلامة استمتعت بقراءة كتاب (محمد علي وأولاده) للأستاذ الكبير الراحل /جمال بدوي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *