الكاتب أحمد يدك
الكاتب أحمد يدك

أحمد يدك يكتب | الهلال المصري بإفريقيا

 

بقلم – أحمد يدك | القاهرة:

يخطئ من يظن أن قيمة الدول يحددها الرصيد العاطفي بنفوس الآخرين تجاهها، وأن أهميتها تُحتسب بالإعتماد علي ثراء إرثها التاريخي والإنساني – كما يردد البعض – فالعلاقات الدولية لا تقوم علي العواطف، فيما سيظل إرث التاريخ يراوح مكانه المُعتاد بالمتاحف والمكتبات، بعيدًا عن محافل صنع القرار الدولي التي تصوغ سياسات العالم!

وكذلك لا يمكن لدولة أن تحجز لنفسها مقعد علي طاولة إدارة العالم بالإعتماد فقط علي مجموعة المقومات والقدرات التي تمتلكها، من دون توظيف هذه المقومات في بسط شكل من أشكال النفوذ، وتسخير قدراتها في توسيع دائرة تأثيرها.

 ويعتبر أحد أشكال الإخفاق في إدارة الدول لسياساتها، الركون للإكتفاء بما لديها من مقومات قد تتنوع ما بين إقتصاد غني أو احتياطي ضخم من الموارد الطبيعية أو موقع جغرافي مميز أو ربما قدرة عسكرية، في التعبير عن كيفية وجودهها دون استثمار أي منها في تعزيز حضورها ضمن المجتمع الدولي؛ لذلك فإن محصلة هذه النوعية من السياسات هي بالكاد إتاحة الفرصة للجلوس بمدرجات جماهير الفرق المتنافسة بالسباق العالمي، وتشجيع فرقة منها عبر تذكرة مدفوعة الأجر!

ولنا مثال في نماذج دول تتمتع بعضوية النادي النووي، لم تنجح رغم قدرتها العسكرية الهائلة في تحريم أجوائها أمام خروقات الخصوم! ولا في مجرد رتق نسيجها المجتمعي والأمني المهترئ بفعل أنشطة الجماعات المسلحة؛ إمكانيات مذهلة لكن لا طائل منها أمام رغبة الجلوس بصفوف المتفرجين!

ومنذ العام 2014 تبنت الإدارة المصرية الجديدة استراتيجية تختلف كليًا عن السابق، تقوم علي ركيزتين أساسيتين أولهما تقوية الجبهة الداخلية بتنفيذ سلسلةً مما يُعرف بالـ”Mega Projects” وهي المشروعات القومية العملاقة، عبر ضخ استثمارات داخلية واسعة النطاق، لم تنعكس فقط في إنعاش جسد الإقتصاد الذي أصابه الإعياء بفعل حالة الفوضي التي عاشتها مصر منذ 2011، والتي رسمت لها ثورة الشعب في 30 يونيو 2013 خط النهاية، لكن أيضًا في مسألة اعتياد المصريين علي تكرار الإعلان عن هذه النوعية من المشروعات علي مسامعهم.

تزامن ذلك مع ثورة حقيقية في تحديث ورفع القدرات العسكرية عبر التعاقد علي كل ما تنفتح إليه شهية القوات المسلحة من التسليح الشرقي والغربي إلي أن دخلت مصر قائمة العشرة الكبار بتصنيف جيشها كتاسع أكبر قوة عسكرية في العالم، ومن المرشح تقدم مصر في تصنيفات السنوات المقبلة نظرًا لاستمرار وتيرة التحديث.

ومن نجاح مصر في تحديات الـ”Mega Projects“، بات معدل أداء الدولة المصرية يعبر عنها كـ”Mega Power” أو كقوة كبري صاعدة في محيطها العربي وامتدادها الإفريقي، ليس فقط علي مستوي القوة العسكرية التي أتاحت لها إمكانية رسم الخطوط الحمراء وجعلت من رؤيتها الكلمة العليا والفاصلة في كل مجريات الأحداث من حولها، لكن أيضًا علي صعيد خبراتها المتنوعة التي اكتسبتها من وراء حركة البناء واسعة النطاق والتحديث في بنيتها التحتية وعملية الإصلاح الإقتصادي.

ولم تكن الشركات الوطنية المصرية تفتقد لعنصر الجرأة بالنظر إلي خوضها تحديات البناء والتحديث في وقت متأخر، بل الأحري أنها كانت تفتد إلي الفرصة لإثبات أهليتها في تحمل المسئولية، وهي الفرصة التي قامت إدارة ثورة 30 يونيو بمنحها إياها، وكانت النتيجة عظيمة بقدر عظمة ما تم إنجازه.

ومنذ الوقت الذي تعرفت فيه الثقافة الكلامية للمصريين علي تعبير “قياسي”، لم يعد أي تعبير آخر دارجًا أكثر منه أو يتمتع بذات الرواج، فصرنا نسمع عن حصول مصر علي أسلحة بنسخ وإصدارات “قياسية”، والإعداد لإطلاق النظم الإدارية ذات المواصفات التكنولوجية “القياسية”، وتنفيذ عمليات التشييد مع الإلتزام بأكواد البناء “القياسية”، والوفاء بإنجاز المشروعات في فترات ومدد “قياسية”، وهو العنصر الأهم في إغراء عدد من الدول التي طلبت الإستفادة من قدرات الشركات الوطنية المصرية، فانهالت علي مصر عقود إعادة الإعمار في العراق وليبيا، بعد أن أصبحت التجربة المصرية مصدر إلهام لغيرها.

وعلي الصعيد الإفريقي تنفذ شركة “المقاولون العرب” حاليًا مشروع بناء سد “روفيجي” بتنزانيا، الذي من المقرر تصنيفه واحد من أكبر سدود العالم بعد اكتماله، نظرًا لسعته التخزينية الضخمة، ومردوده الإقتصادي الكبير علي الإقتصاد التنزاني، كما تشترك تنزانيا مع مصر في مشروع “قارة واحدة..نهر واحد..مستقبل واحد” إلي جانب دولتي كينيا وأوغندا بهدف الربط الملاحي بين البحر المتوسط وبحيرة فيكتوريا بوسط إفريقيا، وتهدف رؤية المشروع إلي إنشاء ممرات تنمية تشمل مجاري نهرية وسكك حديد وطرق برية وشبكات للإنترنت ومراكز لوجيستية، إضافة لتنشيط التجارة بين دول حوض النيل، بتكلفة إجمالية تبلغ 18 مليار دولار.

كما يتم تنفيذ مشروع “القاهرة..كيب تاون” لربط دول شمال إفريقيا بدول جنوب القارة، ويمر المشروع بـ9 دول إفريقية بطول 9,700 كيلو متر تقريبًا، انطلاقًا من الإسكندرية بشمال مصر وصولًا إلي كيب تاون عاصمة جنوب إفريقيا، فضلًا عن استغلال الفائض الكبير في إنتاج الكهرباء في تنفيذ مشروعات الربط الكهربائي بين مصر ودول إفريقيا.

وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة إلي السودان، عن مشروع للربط البري بين مصر وإفريقيا عن طريق شبكات السكك الحديدية، وستشهد المرحلة الأولي الربط بين مصر والسودان.

كل هذا لم يكن مقدمة لإحياء العلاقات المصرية-الإفريقية فحسب، بل، لتشكيل “هلال” من النفوذ تتمتع به مصر داخل عمقها الإستراتيجي بالقارة السمراء، نفوذ يستند إلي مبادئ الندية والتعاون المشترك والنوايا الحسنة لتحقيق مصالح جميع الأطراف، وهي الركيزة الثانية التي تقوم عليها استراتيجية الإدارة المصرية؛ نفوذ بعيد كل البعد عن سلب إرادة الشعوب والأخذ بناصية قرارها وفرض الهيمنة عليها لتحقيق صالح طرف واحد، علي غرار الهلالين الشيعي والتركي!

وهو ما يفتح آفاق التعاون ليس مع دول إفريقيا حصرًا، وإنما مع جميع الأطراف الراغبة في التواجد علي الساحة الإفريقية، ما يمكن من خلاله استجلاء أسرار التقارب المصري-الفرنسي بالسنوات الأخيرة، إذ تشعر فرنسا بعدم ارتياح تجاه تنامي نفوذ منافسيها بالقرن الإفريقي، واتخاذه قاعدة للإنطلاق إلي المناطق التاريخية لنفوذها بمجموعة دول الساحل والصحراء، لذلك تعول فرنسا كثيرًا علي مصر ونفوذها المؤثر لحماية مصالحها، ما يعتبر مفتاح اللغز في فتح مخازن السلاح الفرنسي والأوروبي أبوابها علي مصراعيها في خدمة الجيش المصري وجعلها تحت أوامره، يختار منها ما يشاء!

إذن..هما ركيزتين أساسيتين تقوم عليها استراتيجية الحكم في مصر، تظهر من خلالهما مصر الخطي التي تسير بها للأمام، وتقدم بهما نفسها إلي العالم بصفتها الحاضنة الأكبر لطموح وآمال شعوب القارة الإفريقية، والقاطرة التي تسير برحلتها نحو المستقبل.

إقرأ أيضًا للكاتب..

عن زوايا الأخبار

شاهد أيضاً

الإبادة الفكرية والثقافية

كتب | وائل أبو طالب إن ترسيخ وصناعة الكذب والمعلومات المغلوطة ولا سيما تلك التي …

2 تعليقات

  1. مقال حقا رائع ارجو أن يتحقق كل ماورد فية وان تصبح مصر والمقدمة لكي تنهض مرة أخري لقيادة العالم العربي وافريقيا

    • شكرًا جزيلًا أستاذ محمد لرأيكم المحترم، وبالفعل مصر تجني حاليًا ثمار نفوذها الواسع وتأثيرها القوي بإفريقيا..نتمني لمصر ولكم كل التوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *