محمد خليفة يكتب: مصر واسرار تسميتها بأرض الحبيب والأرض السوداء والحمراء

استحقت مصر لقب أمّ الدُّنيا، فمصرأرض الحضارات فى تاريخ الإنسانية ، لها  ما يميزها عن بقية دول العالم ،معالمها الحضارية المتميزة والثروة المعرفية الضخمة  طوال سبعة آلاف سنة من عمر الزمن مكَّنتها من السيادة والتفوَّق والريادة دائماً فى العلوم والفنون والثقافة والعمارة وفى جميع مجالات الإنسانية.

اليوم ندور وننقب عن اسرار الاسم المصرى القديم لوطن الأنبياء،  فالعطر تشمٌّه من خلاله “كمت أو كيميت أو كومات” .

ومن خلال دروب التاريخ القديم نتجوَّل حول آرا ء المؤرخين  المتعددة حول أسم مصر، منها ما قاله العرب من أنَّ هذه المنطقة سميت بإسم مصر قبل طوفان نبى الله نوح عليه السلام ،عندما نزلها “نقراوس بن مصرايم بن مركابيل بن روابيل بن غرياب بن آدم عليه السلام” وقد أسماها نقراوس علي أسم أبيه مصرايم تكريماً له وتعبيراً عن تقديره وحبه له .

و يري آخرون أنَّها سميت بهذا الاسم نسبة إلى مصر بن بنصر بن حام بن نوح عليه السلام الذي نزلها بعد الطوفان .

وهناك من يقولون أنَّ مصر لفظ اطلقة العرب لكثرة الخير والنماء والحضارة التى كانت تشعها تلك البقعة  الطاهرة على كل من حولها ولنا فى قصة سيدنا يوسف  عليه السلام خير دليل وبرهان على ذلك.

وقد عرفت مصر في عهد القدماء المصريين بأسماء منها “كيميت” وتعني الأرض السوداء وتمييزاً لها عن الأراضى الصحراوية الصفراء والجبلية الحمراء  وسميت أيضاً ” ثيميرا أو ثامير” وتعني أيضاً الأرض السمراء الخصبة .

ومن الأسماء التي أطلقت علي مصر وعلي مدينة ممفيس “هيكوبتاح أو كوبتاح” بمعنى قصر أو منزل أو أرض “الإله بتاح” ومن هذه الكلمة أشتق اليونانيون ”  “Aigyptusومنها اشتق اسم مصر الحالي Egypt  .

مسميات مصر في اللغات القديمة

وقد ورد إسم مصر في العديد من اللغات بنطق مختلف فعلى سبيل المثال: مصر بالعبرية نطقت مصراييم، وباللغة الآشورية نطقت “مشر”، وبالفينيقية نطقت مصور، وبالبابلية نطقت مصر، وباللغة الأكدية نطقت مصرى.

كما عُرفت مصر بأسماء عديدة قبل أن تأخذ اسمها الحالى؛ حيث، منها ما كان في القرن الثامن عشر قبل الميلاد “إيجيبتوس”.

وأطلق اليونانيون على مصر اسم “ميلامبوديس” وتعنى الأرض السوداء؛ وذلك لأنّ الأرض المصرية تمتاز بتربتها السوداء الخصبة؛ حيث تشكّلت هذه التربة على طول نهر النيل، وساعدت المصريين على زراعة العَديد من المحاصيل الزراعية.

كما أطلق الشعب المصري على بلادهم بـ “الأرضين”، وذلك لأن مصر كانت عبارة عن مملكتين ، هما مملكة الجنوب ومملكة  الشمال، فى حوالى سنة 3150 ق.م، عندما وحَّد الملك مينا مصر من خلال الجمع بين المملكتين فى دولة واحدة .

وعُرفت مصر باسم “بنكين”؛ وذلك حسب وصف ضفتى نهر النيل؛ إذ عرفت الضفة الغربية للنهر بأرض الموتى، بينما تجسّدت الحياة في الضفة الشرقية، وتطوّر بناء المدن فيها.

أمّا اسم “كيميت” فهو مرتبط بالأرض السوداء، ويُشار إلى المصريين بأنّهم “شعب الأرض السوداء -أرض الحبيب”.

ويشير المؤرخون إلى أنَّ “متزرايم”، هي الكلمة العبرية لمصر في الكتاب المقدّس.

كما أنَّ “مصر” هى الكلمة العربيّة للدولة، وهى ” هبة النيل” كما  سمَّاها الرحالة اليونانى “هيرودوت” ؛ حيث بنى المصريّون القدماء حضارتهم على طول نهر النيل.

وتعود بنا عجلة التاريخ  فنجد أن مصر سمّيت “هوت- كا- بتاح -موطن روح بتاح”، وذلك بناء على النطق اليوناني للكلمة المصرية، وهو أيضاً اسم مدينة ممفيس العاصمة المصرية الأولى.

واطلق  على مصر اسم” دشرت أو دسرت” أى الأرض الحمراء؛ وذلك لطبيعتها الصحراوية…

كما  ورد اسم مصر في القرآن  الكريم والتوراة، فهى كلمةٌ تعنى قُطر، فعندما فتح المسلمون مصر وجد العرب صعوبةً في نطق “إيجوبتي” نسبةً للمواطن المصرى فنطقوها “إقوبط ”  ومن المعروف أنَّ “قبط ” إشارةً للمواطن المصرى مهما أختلفت ديانته، فمنذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد وردت مسمياتٌ مختلفة منها “مشر، ومصر، ومصور، ومصرو، ومصرام وذلك باختلاف لغات الحضارات على أرضها منها الأشورية، والبابلية، والفينيقية، والعربية، والعبرية، وقد وجد مجموعةٌ من العلماء من خلال دراستهم للاشتقاق اللغوى للكلمة أنَّ أصلها مصرى قديم قبل أن يكون عربياُ فهو مشتقٌ من كلمة “مشر أو مجر” الذي يعنى المكنون أو المحصَّن ويعنى أيضاً أنّ الله حمى البلاد بحصنٍ قوى من الحدود الطبيعية، وأُبدل حرف الجيم والشين بحرف الصاد لسهولة النطق في اللغة العربية..

ويقال أنَّ كلمة”Egypt”  بالانجليزية مأخوذة من اسم مصر قديما بالقبطية و هي مزيج من اليونانية و الهيروغليفية واسم مصر قديما كان مكون من ثلاثة مقاطع “ها- كا- بتاح ha -ka – ptah” بمعنى روح الإله بتاح .

و الإله بتاح في الحضارة المصرية القديمة  كان إله الحِرف و الصناعة و الفنون و هو ما أشتهرت به مصرنا الحبيبة و لهذا سميت بمسكن روح الآله بتاح و في اللغة القبطية سميتhakaptah .

و مع أنتشار اللغة اليونانية في العالم كله تحولتhakaptah  فى اللغة القبطية الى egapthah باليونانية و منها تحولت الى أيجيبتوسegyptos  في اليونانية الحديثة و منها جاءت كلمة “إيجيبت” egypt في الانجليزية .

و لهذا سميَّ أهل مصر بالاقباط نسبة لبلدهم “ها – كا – بتاح” ، وعندما فتح العرب مصر أطلقوا على أهلها لقب  قبط و هى تعريب “ها – كا – بتاح”

ويقال أيضا أن أصل كلمة مصر كانت فى القدم تسمى “أيجوبتو” وتعنى أرض النار.. ولكن مع تقدم العصور سميت سميّت مصر بأرض الكنانة لأنّ الله قد صانها في قلب الصحراء، ولأنّ أرضها مكنونة ومحفوظة بين الصحارى، التي لا يستطيع الغزاة المرور بها إلا بعد عناءٍ شديد، ولا يخترقها إلا القوى القادر على تحمل الصعاب ليصل إلى الأرض المكنونة التي يقطنها المغامرين الأشداء. والنظرية الأخرى هي أن التسمية مستمدة من حديث شريف لفظه: مصر كنانة الله في أرضه، ما طلبها عدو إلا أهلكه الله»، إلا أن الألباني ذكرها في “السلسلة الضعيفة والموضوعة” وقال: لا أصل له كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنّ هذا الحديث مأثور، ولكن لم يُعرَف إسناده، أمّا بدر الدين الزركشي فلم يجدأصله، وقال السخاويّ إنّه لم يرَ هذا الحديث بهذا اللفظ فى مصر، وقال السيوطي: إنّه لا أصل له..

كانت مصر مجمع قارتين وهما أفريقيا وأوراسيا، وهي على مفرق بحرين داخليين أحدها يمتد إلى المحيط الهندى والآخر إلى المحيط الأطلسى، وهذا ما جعل مصر النقطة التى يجتمع بها طُرق الشرق والغرب، والتي يمر بها أهل الجنوب والشمال.

أمّا مصر الحديثة ففى هذا العصر استولت بريطانيا على مصر عام 1914م، وتم إعلان الجمهورية المصرية رسمياً عام 1953م…
ذكرت مصر فى القرآن الكريم في أكثر من ثلاثين آية منها خمس آيات باللفظ الصريح وبقية الآيات ورد فيها ذكر مصر بالايماء والتعريض.

قال الله تعالى:

  1. سورة البقرة الآية 61: “اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ”
  2. سورة يونس الآية 87: “وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا”.
  3. سورة يوسف الآية 21 : “قَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ”.
  4. سورة يوسف الآية 99 : “دْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ”.

5- سورة الزخرف الآية 51 : “وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي”.

6- سورة يوسف الآية 30: ” وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ”. جاءت مصر فى هذه الآية تحت مسمى المدينة.

7- سورة يوسف الآية 55 : “قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ”. الخطاب هنا من يوسف عليه السلام للعزيز ملك مصر، فالأرض هنا المقصود بها مصر.

8- سورة يوسف الآية 56: “وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ “.

9- سورة يوسف الآية80: “فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ”…

هكذا هى مصر أم الدنيا، وقاهرة الأعداء على مدار آلاف السنين،

وفى 2020 يبنى الرئيس عبد الفتاح السيسى مصر الحديثة ويسير على نهج اجداده القدماء ومعه الشعب المصرى الأصيل وجيش جبار يٌعد من أقوى جيوش العالم ..

المراجع:

1- موسوعة مصر القديمة – سليم حسن

2- موسوعة تاريخ مصر” احمد حسين”، مؤسس حزب مصر الفتاة

3- شخصية مصر للعالم المصرى جمال حمدان

4- موسوعة تاريخ مصر عبر العصور أعدها عدد كبير من المؤرخين، من إعداد لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة.

5- ابو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم فى كتابه ” فتوح مصر”

6- تمحيص الأخبار، “هيرودوت”  تعليق المرحوم الدكتور محمد إبراهيم بكر

7- ما جاء به المؤرخ المصرى مانيتون السمنودى  عن مصر

8- القرآن الكريم

9- سليمان حزيّن “1991”، حضارة مصر أرض الكنانة الطبعة الأولى، القاهرة: دار الشروق، صفحة 19، 85 – 86.

10- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار “الخطط المقريزية” 1-4 ج2

عن admin1

شاهد أيضاً

الخديوي المديون

بقلم : يحي سلامة استمتعت بقراءة كتاب (محمد علي وأولاده) للأستاذ الكبير الراحل /جمال بدوي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *