عزبة عبهادي

بقلم : يحي سلامة
يعتبر فيلم (الأرض) من روائع السينما المصرية في سبعينيات القرن الماضي وليس غريبًا أن يتم اختياره من بين أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية كما يعتبر الفيلم من أهم افلام المخرج يوسف شاهين وأفضل أدوار العملاق محمود المليجي علي الإطلاق في مسيرته الفنية.
وبالتأكيد لايتسع المجال لتناول أحداث وشخصيات ورسالة الفيلم (المباشرة وغير المباشرة) في مقال واحد.
لذا قررت الإكتفاء بتناول شخصية واحدة وهي شخصية الفلاح الشاب (عبد الهادي) التي أداها الفنان الراحل عزت العلايلي.
والحقيقة أن المخرج (يوسف شاهين) قد أبدع في تقديم هذه الشخصية المتناقضة وتصوير انفعالاتها وطموحاتها وانكساراتها.
فإذا كان محمود المليجي (محمد أبوسويلم) يمثل الجيل القديم من المقاومة فلم يكن عبد الهادي إمتدادا لهذا الجيل فالتصاق عبد الهادي بأبو سويلم لم يكن بدافع وطني أو جهادي بقدر ماكان رغبة في الوجود بجانب خطيبته (وصيفة) إبنة محمد أبو سويلم والتي خاض من أجلها 3 خناقات في الفيلم فقد ضرب عسكري الهجانة (الخيالة) الذي كان يوصلها ظنا منه انه يعاكسها وقام بضرب غفير العمدة الذي إعتدي علي وصيفة أثناء سجن والدها وأخيرا قام بضرب عامل التراحيل الغريب عن البلد عندما عاكس وصيفة هذا فضلا عن خناقاته المتكررة وضربه للفلاح الساذج (دياب) والتنمر عليه في أكثر من مشهد.
ولم يكتفي عبهادي بالتنمر علي دياب فقط وإنما إمتد التنمر إلي محمد أفندي (حمدي أحمد) والذي يمثل الشاب المتعلم والمثقف في البلد والذي أمطره عبد الهادي بعبارات السخرية رغم أن عبهادي نفسه لم يكن متعلما أو مثقفا وهو في أحسن أحواله يتساوي مع الفلاح دياب فكلاهما يعملان في الزراعة وليسا متعلمين.
وتظهر شخصية عبهادي المتناقضة في مشهدين الأول عندما أقر واثني علي مافعله الشيخ حسونة (يحي شاهين) عندما ذهب سرا للسرايا بواسطة تضمن له الإحتفاظ بأرضه بعيدا عن خط السكة الحديد مؤثرا مصلحته الشخصية علي مصلحة أهل قريته
وقد عبر عبهادي عن ذلك بقوله لعلواني (صلاح السعدني) أنت موش هاتفهم اللي عمله الشيخ حسونة عشان ماعندكشي أرض.
أما في المشهد الثاني فلم يغفر للشيخ يوسف (عبد الرحمن الخميسي)إتجاهه للبيع بالنقود بدلا من نظام المقايضة المعمول به في القرية مستغلا رواج الدكان في ظل وجود العساكر والعمال الغريبة عن البلد ورغم أن الشيخ حسونة والشيخ يوسف تطابقت اهدافهما إلا أن عبهادي أنكر علي الشيخ يوسف ما أقره للشيخ حسونة .
وإذا كان المرء يعرف بأقرانه فقد كان الصديق الوحيد لعبهادي هو علواني (الفلاح المتشرد) والذي يري في عبهادي مثله الأعلي وقد إستغل عبهادي هذه الصداقة في فرض نظرياته وفلسفته علي هذا الفلاح المتشرد الجاهل الساذج .
والخلاصة أن الرسالة الغير مباشرة التي قدمها يوسف شاهين من خلال شخصية عبهادي أن الجيل التالي لأبو سويلم لايمكن ان يكون امتدادا له فعبهادي إنتهازي لايفكر إلا في مصلحته الشخصية ويتعامل بالقوة والعنف وهو كاره للعلم والمتعلمين وكاره للتجارة (الرأسمالية الوطنية) ومتعاطف مع من باع القضية وهرب من المواجهة والأهم من ذلك كله أنه قرب إليه المتشرد عديم الأرض والنسب واتخذه خليلا وسميرا ومنادما له.
ليتضح أن يوسف شاهين أراد أن يقول أن عبهادي باختصار تعبيرا عن فكرة وعن مرحلة وممكن أن نري نموذج عبهادي في كثير من الانتهازيين الذين يتشدقون بالمبادئ ويصلون إلي أعلي المناصب السياسية أو النقابية ولعل نهاية الفيلم المفتوحة (بسحل محمد أبوسويلم) ونظرة عبهادي توضح فكرة وفلسفة المخرج ورؤيته التي تتواري خلف الكاميرا.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

فَيِنْ يُوجِعُكَ ؟ ! | يَا وَاشٍ يَا وَاشٍ يَا حُكُومَةُ

وَكْرِ اَلَأْ چنَدَّاَتُ . . مَضَامِين عَنْكَبُوتِيَّةٍ . . كَوْكَبَ اَلدُّفُوفِ لَا أَمْلِكُ أَدَوَاتٌ اَلْمَطَبَلَاتِيَّة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *