النساء وكرة القدم : العشق الممنوع | بالألوان

كتبت | سماح مبارك

يتجمع الملايين من البشر حول العالم هذا العام خلف الشاشات لمتابعة مباريات كأس العالم لكرة القدم ٢٠٢٢ المقام في قطر، ولا يستطيع أحد إنكار أن هذه النسخة من تنظيم المباريات هي نسخة استثنائية كثر فيها الجدل وتباينت حولها الآراء والتوقعات.

بالنسبة لي وللكثيرين أعتبر أن هذا الحدث الكروي هذا العام فريد من نوعه،لأنه ولأول مرة منذ تاريخ قيام مباريات كأس العالم عام ١٩٣٠ تشارك ثلاث سيدات كحكام لمباريات الرجال، المميز أيضاً في هذه النسخة من المونديال، أن المشاركة النسائية في مدرجات الملاعب كانت ملفتة بشكل كبير، ولربما كان التركيز على مشاركتهن أكبر من أي وقت مضى،كونه حدث يقام على أرض عربية محافظة،لم تتعود فيها النساء على الحضور بكثافة عالية لمدرجات ملاعب كرة القدم او أي رياضة أخرى ولكن، لم تسلم النساء بالطبع من الانتقادات الذكورية اللاذعة،فعلى الرغم من الاهتمام النسائي الكبير لحضورالمباريات،والمشاركة في التحليل الكروي أثناء وعقب المباريات،والتصريحبآرائهن وتحليلاتهن على منصات التواصل الاجتماعي،واختيارهن للفرق التي يشجعنها اعتماداً على قوة الفريق وقدرات لاعبيه وليس “لوسامتهم” كما يدعي الرجال، إلاأنهن لم يَسلمن من الانتقادات الذكورية اللاذعة والاستنكار الشديد لوجودهن في المدرجات وحرصهن على تشجيع الفرق المتنافسة.

لقد انتشرت المقاطع والمنشورات التي تُسخف وتُحقر من مشاركة النساء عند مشاهدتهن لمباريات كأس العالم والتفاعل معها بأي طريقة، فالرجل العربي يعتقد أن الرياضات المختلفة خصوصاً كرة القدم،لا تناسب النساء، وأنها وُجدت لتكون حكراً على الرجل، وأن مهام النساءواهتماماتهن لا يجب أن تتعدى نطاق الخياطة والطبخ وأعمال الكروشيه والاهتمام بالمنزل وتربية الأطفال!

إن هذا “التنمر” من قبل الرجال اتجاهالسيدات الشرقيات خلال أحداث المونديال يجعلنا نتساءل هل تُعتبرُ كرة القدم رياضة خاصة بالرجال فعلاً أم أن الوعي الجمعي المحافظ هو من يستنكر على نسائنا ممارستها وحصد الألقاب فيها أسوة بقريناتهن الأوربيات؟

ففي شهر يوليو من هذا العام انطلقت  بطولة أمم أوروبا للسيدات لكرة القدم،والذي فازت به إنجلترا للمرة الأولى في تاريخها على أرضها، إثر فوزها على ألمانيا الحاصلة على اللقب ثماني مرات، نعم إن هدا الحدث الكروي النسائي يعتبر حدثاً عادياً في أوروبا، لا تتشنج له حلوق وأقلام الرجال استخفافاً وسخرية منه ومن لاعباته، بل إن المباراة الأخيرة بين الفريقين الإنجليزي والألماني حضرها أكثر من 87000 متفرج في المدرجات، وهو رقم ضخم بالنسبة لبطولة كأس أمم أوروبا لكرة القدم سواء للرجال أو النساء، بينماوفي بلداننا يعتبر مجرد الحماس وتشجيعاللعبة من قبل النساء، ووجودهن في المدرجات سواء كن  في بلدانهن أو في مدرجات المونديال، مادة خصبة للتقليل والتحقير منهن.

عندما نقارن تربية البنات المحافظة جداً بتربية الأولاد المنفتحة على كل شيء في بلداننا، نعرف أن الخلل يكمن في منع الفتيات من ممارسة أي نوع من أنواع الرياضات التي تتطلب الكثير من الحركة والركض والتفاعل مع الآخرين منذ نعومة أظافرهن لأسباب دينية واجتماعية، ففيالوقت الذي كان فيه الطفل الذكر يلعب في الشارع أو في الميدان مع أصدقائه الذكور كرة القدم وغيرها من الرياضات،ويُلَقنُقوانين كل لعبةٍ وشروطها، كانت الطفلة الأنثى داخل المنزل، تلعب بعرائسها وتسرح لهن شعورهن، في قولبةمجتمعيةمُبكرة لدور كل واحد منهم، وعندما يكبران يكون هو أمام الشاشة في منزله أو على القهوة يتابع أشهر الأندية ويحفظ أسماء اللاعبين بينما تكون هي في المطبخ تُعد له الطعام،فيكبر الطفل الذكر وهو على دراية كاملة بأسرار اللعبة، ثم يتساءل بكل بلاهة: كيف للمرأة ان تفهمها وتشجعها؟

الغريب في الأمر أن هذه السخرية لا تحدث مع الرجل الذي لا يهتم لكرة القدم ولا يفقه في قوانينها شيئاً،ولكنها تحدث مع أي امرأة تهتم بها حتىوإن بدت معلوماتها عن اللعبة وقوانينها ممتازة!

لقد وجه كأس العالم هذه السنة الأنظار نحو المرأة العربيةتحديداً والتي تهتم للأحداث الرياضية العالمية، وأصبح من المعتاد أن تتواجد الأسرمع نسائها في الأماكن العامةالتي تُعرض فيها المباريات على شاشات ضخمة أو في المقاهي والمطاعم، يُتابعن ويتفاعلن ويشجعن بكل شغفرغم استنكار السواد الأعظم من الرجال لذلك،وشنهمللهجمات والحملات ضد هؤلاء النساء بإعتبار أن في ذلك خرق للعادات والتقاليد، ومزاحمة للرجال في أمر يخصهم وحدهم، وصورةً لا يجب تصديرها للعالم عن المرأة العربية والمسلمة. بل وصل الأمر بالبعض منهم إلى إصدار “فتوى” تحريم مشاهدة مباريات النساء لكرة القدم! هؤلاء الرجال أنفسهم لا يخجلون ولا يجدون غضاضة في مشاركة صور المشجعات من الدول الأخرى ومدح جمالهن وتشجيعهن للاعبين وفرقهم ومعلوماتهن الرياضية في ازدواجية معايير واضحة.

يتزامن مونديال قطر مع حملة مناهضة العُنف ضد المرأة التي تستمر لـ ١٦ يوماًحتى العاشر من ديسمبر، أتمنى أن يزيد الوعي فيها بأهمية إيقاف العنف اللفظي والتنمر على النساء في منطقتنا بسبب اهتمامهن وشغفهن برياضة كرة القدم وغيرها من الرياضات، وأن تصبح المرأة قادرة على ممارسة أي رياضة دون الخوف من الإقصاء أو الوصم المجتمعي. وأن يكونهذا العرس الكروي العالمي باباً جديداً تتغير عبره المفاهيم المغلوطة عن قدرات واهتمامات النساء بالرياضة وكرة القدم.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

تذكروا أن يران غير عربية

كتبت | بلقيس حسن ليس دفاعا عن إيران فأنا اختلف معها في كثير من المواقف، …

تعليق واحد

  1. فابيولا بدوي

    بصدق مقال اكثر من رائع وينطلق من حدث مثير للجدل الى ما هو ابعد منه واكثر واقعية واستمرارا ألا وهو التهميش الممنهج للمرأة في مجتمعاتنا وهو ما يطول الرياضة سواء لعبا او تشجيعا
    دمتي كاتبة متألقة متسقة مع قضاياكي … شكرا لك ولقلمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *