موقف مصر من الحرب فى أوكرانيا توازن صعب

قد يبدو موقف الإدارة السياسية من الحرب الروسية الأوكرانية غير واضح للبعض خاصة حينما يلتبس الأمر بذكر : “مع روسيا لكن ضد الحرب  ” القاهرة تراهن على كسب ودّ كل من المعسكرين الغربي والروسي في ذات الوقت، لكن هذه السياسة محفوفة بالمخاطر ويمكن أن تؤدي إلى خسارتهما عندما ينقشع ضباب الحرب المتراكم بسبب أزمة أوكرانيا.

مع روسيا لكن ضد الحرب علي أوكرانيا“،  نعم تُعبر هذه الجملة عن موقف النظام المصري من الأزمة الأوكرانية الروسية، حيث إن موقف القاهرة كان محل تساؤلات في إدانة الغزو الروسي، فقد حاولت مصر إمساك العصا من المنتصف.

ولعل هذا ما حدا بإدارة البيت الأبيض الأمريكي، بذل مساعي دبلوماسية لحث القاهرة على تسمية الحرب الدائرة بـ العدوان الروسي علي أوكرانيا  كما ان”سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية :أرادوا ضم صمر لموقفهم بقول: ( يتعين علينا أن نقف بجوار أوكرانيا ) “ومُطالبة القاهرة بالانحياز إلي ما أطلقوا عليه الشرعية الدولية؛ القائمة علي مبادئ الأمم المتحدة، وتقديم إدانة [واضحة] للعدوان الروسي علي أوكرانيا. لدرجة استخدام لغة التخويف بعلانهم ان القاهرة ليست بعيدة عن الضرر الناجم عن ذلك الاعتداء الروسي علي أوكرانيا، لأن آثار ذلك العدوان ستتخطى أوروبا وستصل إلي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد استجابت مصر الرسمية لرسالة الغرب وصوتت بالفعل  علي قرار الأمم المتحدة بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنها قبل التصويت أرادت عم إغضاب الجانب الروسي وشرحت له دوافع وأسباب تصويتها الناتج عن الضغوط التي مورست عليها.

وواقعيا الموقف المصري من الحرب الروسية له دوافعه، فهناك علاقات متشابكة علي مستويات متعددة تربط مصر مع روسيا. فروسيا بالنسبة لمصر هي حليف استراتيجي يظهر خلال الأزمات مع الولايات المتحدة، لكن هذا لا يلغي حقيقة أن الولايات المتحدة هي الحليف الرئيسي لمصر، وقد تبلور ذلك بعد أن تحولت مصر من المعسكر الشرقي إلي المعسكر الغربي بعد انتهاء حرب أكتوبر 73. وقد عبر الرئيس السادات في حينه أن 99 بالمائة من أوراق اللعبة في يد الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا هو السبب الرئيس لتحوله إلي المعسكر الغربي.

لكن رغم ذلك بقيت العلاقات  بين مصر وروسيا وطيدة وقوية، وقد لعبت روسيا دور الظهير لمصر إذا ما برزت أزمات مع الولايات المتحدة، خاصة في الفترة الأخيرة فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان.

منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قيادة بلاده عام 2013 بدأت الادارة السياسية استخدام أساليب وأدوات الحرب الباردة التي كانت تتبعها مصر في تلك الفترة، من أجل محاولة الحفاظ علي مسافة واحدة من الجميع، لكن وضع مصر الاقليمي الحالي وكذلك تطورات الأحداث علي الساحتين الاقليمية والدولية يجعل من تنفيذ هذه السياسية أمرًا محفوفا بالمخاطر، فقد يغضب الأطراف المختلفة من القاهرة ،وقد يعطل العديد من الصفقات خاصة صفقات الأسلحة، وهو ما يمثل ضغطا كبيرا علي القاهرة التى تسعى بجهود ملموسة رعاية مصالح البلاد الوطنية دون اثارة غضب أطراف الصراع فى الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية.

مصادر السلاح لمصر من الشرق والغرب 

كما هو معروف فإن تسليح الجيش المصري هو أمريكي، وهذا الأمر مرتبط بالمعونة الأمريكية التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار يورو، والتي تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بدفعها لمصر بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979 وهي عبارة عن جزء مادي وآخر متعلق بالتسليح.

على الرغم ان سلاح الجيش المصري كله أمريكي الا ان هذا لا يعني موافقة الولايات المتحدة الأمريكية علي إعطاء جميع الأسلحة للقاهرة، فهناك عدد من الأسلحة وعلي رأسها طائرات F15 رفضت الولايات المتحدة الموافقة علي إعطائها لمصر، هذا الأمر جعل القاهرة تفكر جليا في تنويع مصادر السلاح، وهو النهج الذي انتهجته حكومة مصر بعقد صفقات مختلفة مع روسيا.

كان الهدف من عملية شراء أسلحة من روسيا هو رغبة مصرية في إعادة بناء الثقة على مختلف الأصعدة ، وليس فقط في المجالات التي تظهر العلاقات معها تطورا واستقرارا في المستقبل ، كملف مشروع الضبعة النووية وعودة السياحة والطيران الروسي، خاصة في ظل التهديدات الأميركية لمصر وتحذيراتها بعدم التوسع في شراء الأسلحة الروسية، وهو الملف الذي يثير قلق وغضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا سيما مع توسع مصر في شراء النظائر الأوروبية.

وقد استطاعت القاهرة الاتفاق مع الجانب الروسي علي عقد صفقة المقاتلات الروسية “سوخوي 35″، والتي كانت قد عُقدت مبدئياً عام 2018، ووصلت منها فقط خمس طائرات إلى مصر، وتم تدريب أقل من عشرة طيارين مصريين عليها في العامين الماضيين. وتضمن الاتفاق الإسراع بوصول 12 طائرة خلال العام الحالي 2022، ثم بحث وصول 12 أخرى العام المُقبل 2023، ليكون الإجمالي 24 طائرة، بالإضافة إلى الخمس المسلمة قبل ذلك، وهو ما يعتبر رقماً كبيراً بالنسبة لمبيعات المقاتلة الروسية التي تواجه تضييقاً شديداً من الولايات المتحدة منذ بضعة أعوام، وتجد صعوبة في الوصول للأسواق العالمية بسبب تهديدات واشنطن.

في ذات الوقت فإن مصر طلبت منذ عامين من روسيا إمدادها بالمزيد من الصواريخ الجوية قصيرة ومتوسطة المدى التي تستخدم في المعارك قريبة المدى. وهذان النوعان لا تشتريهما مصر من الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، وسبق أن تلقت بالفعل نحو 600 منها خلال العام الماضي.

هذه التوازنات العسكرية هي أحد الجوانب الحاكمة لطبيعة العلاقة بين مصر وروسيا، وبالتالي فخسارتها يعني خسارة شريك استراتيجي مثل ولازال يمثل للقاهرة ملاذا وظهيرا عند تأزم العلاقات مع واشنطن. لكن في خطوة جديدة من قبل واشنطن وفي إطار الإجراءات الأمريكية لمحاصرة موسكو قامت واشنطن بتغيير موقفها الرافض لتسليم مصر طائرات F15، وهذا الموقف له دوافعه من حيث محاولات الولايات المتحدة إبعاد مصر عن روسيا، وأيضا وضع مصر الجديد في إطار التحالفات الجديدة التي يتم صياغتها في المنطقة، والتي تشمل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات وإسرائيل في مواجهة إيران، وفي هذه النقطة بالتحديد قد يكون التقارب المصري الإسرائيلي لعب دورا في تغيير موقف واشنطن بخصوص هذه الطائرات. لكن هذا لا يعني أن مصر قد تتخذ موقفا يكون ضد روسيا أو يتقاطع ضد مصالحها الاستراتيجية معها.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

المرء سيد نفسه..

تايم نيوز أوروبا بالعربي|شوقي سراج الدين يتمنى المرء  يوصل لمرحلة يكون فيها سيد نفسه وقوي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *