جرائم مصرية تستغلها وسائل إعلامية

تايم نيوز أوروبا بالعربي | القاهرة – عباس الصهبي

 لا توجد في العالم دولة واحدة مثالية؛ خالية من الجرائم، وبصفة يومية؛ ولكن الكثيرين من المهاجرين الذين زاروا مصر خلال الفترة الأخيرة، أو تابعوا أخبار وطنهم الأم في الخارج؛ قد لاحظوا مدى الكثرة البالغة، أو ربما المبالغ فيها؛ لعدد «الجرائم» المنشورة، وبتفاصيلها الدموية الدقيقة، والمتوحشة، بل والمرعبة، وبشكل غير طبيعي! ‏وقد أصبحوا، في رعب؛ يتساءلون: ماذا حدث في المجتمع المصري المعروف عالمياً بهدوئه ووداعته، وطيبته الشديدة، وعلى مدى سنوات طويلة مضت؟ وماذا «شَيْطَن» الناس، أخيراً؛ في مصر؟! ‏

 تبدو مرعبة جداً جرائم القتل، وجنايات هتك العرض، وغيرها من أنواع الجريمة المتعمدة؛ في الصحف المصرية الورقية والإلكترونية. ‏ وحتى المواقع الإخبارية المصرية والعالمية لم تعد تخلو منها الآن، بل وأصبح صحفيو الحوادث ومحرروها يتفننون في صياغة محتواها الإخباري، لتبلغ الإثارة مداها؛ متصورين أن ما يفعلونه وبحد ذاته فيه تحقيق «كسب صحفي» لجرائدهم ومجلاتهم، بل ولهم شخصياً؛ كلما بالغو في وصف الجريمة وتوصيفها جنائياً، حتى من قبل العرض على النيابة، ومن قبل حتى اكتشاف الجناة الحقيقيين وبدء محاكمتهم؛ لتعمل وبسرعة معهم، وفي أحيان كثيرة قبلهم؛ عدسات التصوير عن بعد وقرب، لالتقاط صور لبشاعة ما حدث!

‏ فقراء.. مرفهون جداً!

‏لا يختلف أحد مع ما يذكره، وبشكل شبه يومي، على شاشات التليفزيون في مصر؛ خبراء الجريمة، وصحفيوها، وعلماء النفس، والتربية، والدين؛ عن تزايد الضغوط على أفراد المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، وتحديداً بعد ما أُطلق عليه ثورة يناير/ كانون الثاني، 2011! ‏ولكن قبل الثورة: ألم تكن توجد ضغوط المفترض أنها كانت أشد؟ وإلا: فلماذا قامت الثورة الشعبية في وقتها،إذن؟!

‏هذا بالضبط ما يسأله كثيرون زاروا مصر مؤخراً، وهم وإن كانوا لا يقللون من تزايد حجم الضغوط، وبالذات الاقتصادية منها على المصريين في وقتنا الحالي؛ إلا أنهم بمقارنة كثير من الضغوط الاقتصادية التي يواجهها المصريون بما واجهوه هم كمغتربين ومهاجرين بالخارج في أمريكا وأوروبا؛ فإن المصريين وعلى حد ما ذكرته إحدى المغتربات في أمريكا، وبالحرف الواحد: – نعم، الأسعار عندكم أصبحت «نار»، ولكن حتى لو كنتم فقراء في مصر، وهو ما من أجله سافرت وأسرتي واغتربنا في أمريكا بحثاً عن الرفاهية في تصورنا؛ فإنكم وبالمقارنة بما يوجد في أمريكا تُعتبرون «فقراء مرفهون جداً»!!

وأضافت نفس السيدة المصرية المغتربة في أمريكا، والتي حصلت على ال«جرين كارت» الأمريكي، بصعوبة بالغة انتظاراً للحصول على الجنسية الأمريكية؛ لتتمكن من البقاء، ولأطول وقت ممكن؛ مع ابنها وابنتها المتزوجيْن هناك، واللذين سبقاها في الحصول على الجنسية الأمريكية: ‏- نعم، أنتم مرفهون جداً في مصر، فزوج ابنتي، وابنتي، وابني، في أمريكا؛ يكونون من أجل العمل المتواصل، في الشارع؛ من قبل السابعة صباحاً، ليصلوا إلى أعمالهم قبل تمام الثامنة، ولا يعودون للبيت قبل السابعة مساء، إذا لم يكن يوجد في العمل أصلاً ما يؤخرهم، أو إذا كان لا يوجد ما يستدعي منهم الذهاب لشرائه من احتياجات البيت!

‏وبسرعة، أكملت: ‏- نعم، كل وسائل الرفاهية متوافرة، وأكثر مما يوجد بالطبع في مصر؛ ولكن كل شيء هنا ب«الدولار»، والذي لا نشعر أبداً بأهمية ورفاهية حمله؛ إلا فقط عندما نأتي لزيارة مصر؛ حيث الدولار قيمته أضعاف مضاعفة من الجنيه المصري، أما في أمريكا فمجرد السعي للحصول عليه – أي: الدولار – فأمر مرهق جداً أمام التزامات باهظة جداً كإيجار المنزل، والغاز، والتكييف، والتأمين الصحي، والتأمين الذي يطال أشياء أخرى كثيرة في قائمة طويلة عريضة من اللوازم الضرورية جداً للحياة العادية غير المرفهة في أمريكا، وكل هذا ولم نتحدث عن الطعام وصناديق المياه المعدنية اللازمة! ‏واستطردت، قائلة: ‏- ضغوط إيه التي تتحدثون عنها في مصر!! ‏

 هل انخفضت..الجريمة؟!

‏وعندما نطالع بيانات الداخلية المصرية عن أحوال الجريمة نجدها كلها تشير إلى تغير كمي ونوعي في معدلات ونوعيات الجرائم خلال السنوات الإخيرة، وأن هذا المعدل يميل للانخفاض، بل إن معدل الجريمة في مصر أقل من مثيله في بعص الدول الأوروبية الأكثر تقدماً اقتصادياً واجتماعياً؛ حتى أنه يمثل المعدل «المتوسط» بين دول الشرق الأوسط وأفريقيا. ‏وكان مصدر أمني مصري قد كذّب، في أبريل/ نيسان الماضي، 2021؛ ماكانت قد أذاعته مصادر إعلامية تنتمي لجماعة الإخوان المحظورة في مصر؛ حيث زعمت ارتفاع معدلات الجريمة في مصر بسبب ارتفاع غلاء المعيشة في مصر؛ وأكد المصدر أن ما أذاعته الأبواق الإعلامية المأجورة، والمنتمية للجماعة الإرهابية؛ هدفها من وراء بث تلك الشائعات تأليب «الرأي العام» للشعب المصري ضد الحكومة. ‏وقد أكدت وزارة الداخلية في بيانها الذي أدلى به مصدرها الأمني إلى أن الإحصائيات الأمنية بالوزارة تؤكد انخفاض معدل الجريمة في مصر، وبنسبة 17 ٪ في عام 2020- العام الماضي- عن العام الذي سبقه، عام 2019. ‏

‏المؤشر الدولي.. يحدد!

‏وكان لا بد من التأكد والبحث عن موقع مصر في ترتيب دول العالم،في هذا العام؛ من خلال ما يٕطلق عليه مؤشر الجريمة الدولي في العالم، وبالاطلاع على أحدث بيان ل«مؤشر الجريمة حسب الدولة»،للنصف الأول من العام الحالي، 2021؛ قد أكد أن مصر تحتل المركز «التاسع والخمسين»، بين «137» رصدها المؤشر الدولي، وذلك بمعدل جريمة قدره «46.83»، وتسبقها في ذلك«غانا»، وقبلها «أوكرانيا»، وقبلهما الولايات المتحدة الأمريكية، والتي احتلت المركز «56» في ترتيب تصنيف الدول «المتدرج من الأعلى في معدل الجرائم إلى الأقل»، حيث بلغ مؤشر معدل الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر من مصر؛ فكان «47.81»، أما فرنسا، والتي تحتل المركز الرابع والأربعين بهذا التصنيف الدولي لمؤشرات الجريمة في العالم فبلغ مؤشر الجريمة بها «51.99»! ‏وتجدر الإشارة إلى أن مؤشر الجريمة يتم حسابه بقسمة «عدد الجرائم المبلغ عنها» على «عدد السكان» ثم يتم ضرب الناتج في العدد «100000»، وهو ما يمكن تبسيطه بالمعادلة التالية؛ لهواة الأرقام:

مؤشر الجريمة=(عدد الجرائم المبلغ عنها ÷ عدد السكان) × 100000. ‏ ‏وطبقاً لهذا المؤشر العالمي المعروف باسم ال«نيمبو» NEMBO، فإن «فنزويلا» تعتبر الدولة الأولى والمتصدرة للمؤشر، بمعدل جريمة يبلغ 83.76، تليها «بابوا غينيا الجديدة» في المركز الثاني، بمعدل جريمة بلغ 80.79، ثم جنوب أفريقيا في المركز الثالث، بمعدل جرائم قدره 79.89، بينما تحل «البرازيل» في المركز الرابع، أما «سوريا» فتحتل آخر مركز في الدول العشر الأوائل! ‏ ويؤكد الخبراء الذين وضعوا هذا المؤشر الدولي للجريمة، أنه وإن كان الفقر وعدم وجود وظائف للعمل من أهم الأسباب الداعية للجريمة إلا أن تطبيق الشرطة الصارم وتوقيع العقوبات القاسية تميل إلى تقليل معدلات الجريمة، وأنه توجد علاقة بين العمر وجرائم العنف؛ حيث تتراوح أعمار مرتكبي جرائم العنف بين عمر 20-30 عاماً. ‏ كما أوضح هؤلاء الخبراء الدوليون أن الدول الأقل في معدلات الجريمة، مثل:«سويسرا»، و«الدنمارك»، و«النرويج»، و«اليابان»، و«نيوزيلاندا»؛ لديها تطبيق قانون فعَّال للغاية، كما تعد «اليابان»، و«النرويج»، و«الدانمارك» من أكثر دول العالم تقييداً لحرية حمل وترخيص اقتناء الأسلحة في العالم,

‏ ‏ وباعتبار شبكة «تايم نيوز وراديو أوروبا بالعربي»، والتي نصدر من خلالها في لاهاي، بهولندا؛ فقد يكون من المهم أن نؤكد أن موقع «هولندا» في التصنيف الدولي لمؤشرات الجريمة، ولحسن الحظ؛ إنما يقع في المركز «116»، وبمؤشر للجريمة يبلغ معدله «27.16» فقط!‏

‏  هذه الصورة الحقيقية.. بحياد!

‏ من كل ما سبق يتضح أن تناول مراكز الأخبار للجرائم في مصر لا يخلو من كثير من المبالغات! ‏ إذ ليست مصر، مثلاً؛ من الدول «العشر» الأولى، في المعدلات والمؤشرات الدولية للجريمة بين دول العالم، ولا في الدول «العشر» الثانية، ولا حتى في الدول«العشر» الثالثة؛ ومع ذلك تبدو «مصر» في «الميديا» العالمية، وقد سبقتها في ذلك «الميديا» المحلية، مؤكدة نفس الخبر، لتضاعف تلقائياً من مصداقيته، وكأن «أم الدنيا» المسالمة والمتسامحة عبر تاريخها الطويل كله؛ دولة عظمى في إرهاب وعنف الجرائم، وهو ما ينبغي الحذر منه لأنه ينعكس على صورة «مصر العالمية» في الخارج، وهو وإن كان «يُقلق» أبناءها المهاجرين، والعرب، وكل المغتربين خارجها؛ فإنه يعود بالسعادة والانشراح على أعدائها الذين يسرهم كثيراً أن يقل عدد الأفواج السياحية التي بدأت تتدفق عليها في الآونة الأخيرة كثيراً من الخارج، فضلاً عن إحراج حكومتها في اللقاءات والمنتديات الدولية.

ولا يبقى مطلوباَ من كل الزملاء بأقسام الحوادث؛ وبكل الصحف المصرية؛ إلا الرجاء: لا داعي لكل هذا الحماس و «العنترية» المخجلة يا.. سادة!

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

المرء سيد نفسه..

تايم نيوز أوروبا بالعربي|شوقي سراج الدين يتمنى المرء  يوصل لمرحلة يكون فيها سيد نفسه وقوي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *