أحد مشاهد الزحام بمصر
أحد مشاهد الزحام بمصر

كورونا | مناعة القطيع في مهب “التقارب الإجتماعي” بمصر

كتب – عباس الصهبي | القاهرة:

ثبت وبما لا يدع مجالاً للشك؛ أن المصريين يحبون «الزحمة» جداً، فهم «يعشقونها» ليس فقط في حفلاتهم «الصاخبة» بقدر ما هي «مزدحمة»، وإنما في كل مكان يتطلب وجودهم فيه بكثافة؛ وبغض النظر عما إذا كان هذا المكان  يمكنه أن يستوعبهم جميعًا أم لا.

ويبدو أن عراقتهم التاريخية الطويلة علمتهم أن الازدحام، وبشكل مكثَّف، يكسبهم قوة روحية أكبر،  وشجاعة جماعية أكثر؛ و«المثل» الشهير عندهم في هذا الأمر معروف: «ضع رأسك بين الرؤوس وقل يا مُقطٌع الرؤوس قطًع».

مقاومة القطيع ليست.. الحل!

وإذا كان المثل المصري الطريف الأخير يذكرنا، وبشكل صار أيضاً هو «الأقرب للطرافة الآن»؛ فيما كان قد ورد من تصريح لرئيس أمريكا السابق «دونالد ترامب»، وفي بدايات أزمة «الكورونا»؛ من إمكانية اللجوء إلى ما ثبت ضعف أساسه العلمي بعد ذلك؛ وأطلق هو – ترامب – عليه: «مقاومة القطيع»؛ فإن الشواهد العلمية الآن تؤكد أنه في حالة «الكورونا»، سواء في المثل المصري؛ أو حتى في تمثيلية «ترامب»؛ ينبغي عدم الارتكان عليهما أبدًا،  في التعاطي مع أخطار «كورونا».

زحام المترو
زحام المترو

فعندما يكون «مُقطِّع الرؤوس» هذه المرة هو الوافد الحضاري الجديد؛ والخطير جدًا «كورونا»؛ فإنه كان  يجب تعطيل هذا المثل السائر، وفورًا، وبشكل طوعي، وعدم التعامل به إطلاقًا، وبالذات في محطات المترو.

‏فما أن تصل إلى أي محطة من محطات المترو الكثيرة، في القاهرة والجيزة؛ والبالغ عددها الذي تمَّ تنفيذه حالياً، وحتى المرحلة الخامسة الحالية «20» محطة، منها«16» محطة نفقية، و«2» سطحية، و«2» علوية؛ فإن أول ما يثير انتباهك هو صوت «الإذاعة الداخلية» بكل محطة تعلنها سمَّاعات «المايكات» العالية؛ تحذر المواطنين من التكدس خلال ركوب قطارات المترو بلا مبرر، وتعد المواطنين بالانتظار حتى مجيء القطار التالي للركوب فيه، بدلًا من الازدحام في التكالب على الركوب، دون الاحتياط من «كورونا».

‏وبالفعل، لا تكاد تمر غير دقائق قليلة العدد، حتى يأتي القطار التالي، ثم الذي يليه؛ وفي كل مرة يرتفع صوت الإذاعة الداخلية،  وبنفس التحذير الشديد القوة.

دهشة..لها ما يبرها!

‏ولكن، مع تعاقب القطارات، وتقليل زمن التقاطر فيما بينها، كمطلب شعبي وإعلامي وبرلماني، تم الإسراع بتنفيذه حكوميًا، وبسرعة ملحوظة خلال الشهور الأخيرة، ومع استمرار تكرار نفس التحذيرات «الميكروفونية» بأصواتها الجهورية القوية المنذرة والمحذِّرة، وفي كل محطات المترو؛ يندهش المراقب المحايد، بسبب استمرار الازدحام والتكالب على ركوب كل قطار وبمجرد ظهوره على رصيف المحطة.

ولا يجد المراقب أمامه سوى أن يتساءل في نفسه، وبمنتهى الدهشة؛ قائلاً:‏ “كثيرون من المصريين يعطون، وعلى طريقتهم الخاصة؛ أذنًا من «طين» وأخرى من «عجين»، للتعليمات الحكومية الواضحة والصريحة”.

كورونا في مصر
مصريون يرتدون الكمامة

وواقع الأمر، وللإنصاف؛ فإن الحكومة قد أثبتت جاهزيتها، وحرصها الشديد على مواطنيها، وصحتهم، وفي كل المناسبات، وبالذات خلال السنوات الست الأخيرة، ومنذ نجاحها في القضاء  على ڤيروس «سي»، وحتى الڤيروس المستجد «كورونا».

وكان من ضمن إجراءاتها الاحترازية الكثيرة، والمستمرة؛ توقيعها غرامة قدرها «4000» جنيه – تُعتبر غرامة كببرة نسبيًا بين جميع الغرامات المعتادة – على كل من يُضبط متلبسًا بعدم ارتداء «الكمامة» الطبية في وسائل النقل العامة أو الخاصة أو في الأماكن العامة المغلقة.

فما الذي كان ينبغي أن تفعله أكثر من ذلك؛ لإزالة هذا «الطين» من أذن، وذلك «العجين» من الأذن الأخرى؟!.

الوعي الشعبي.. «الحل»!

 وقد يكون في تحليل الخبرة الثقافية الشعبية الجماعية للمثل القائل: «أعطوا لهذا الأمر أذنًا من طين وأخرى من عجين»؛ نوع من الاجتهاد في الاقتراب من حل هذا اللغز الشعبي المحيِّر، والذي ينعكس بآثاره السلبية المدمرة على الكثير في الواقع من الخطوات والمبادرات التنفيذية التي تهدف لحماية مصالح المواطنين، سواء فيما يتعلق بـ«كورونا»، أو فيما قد يستجد – لا قدر الله – من مخاطر طارئة.

التدابير الوقائية لمواجهة كورونا
التدابير الوقائية لمواجهة كورونا

‏فهذه الخبرة الثقافية الشعبية الجماعية، وبوجهها السلبي الذي يطل علينا في هذا المثل، وفي مثل هذه الظروف المرضية الخطيرة؛ لن تفلح مواجهتها بـ«الميكروفونات» فقط، ولا بتقليل زمن التقاطر وحده؛ وإنما بـ«وعي شعبي»، يتم من خلال جميع  استراتيچيات التثقيف العام الممنهجة، وعلى المدى الطويل؛ لإيقاظ وعي الأمة، ومن أصغرها لأكبرها؛ لإدراك أن «التجاهل»، ومهما كان السبب فيه، وبالذات فيما يتعلق بالأمور الصحية والمصيرية؛ في غاية الضرر والخطورة على كل الأفراد، ومهما كانت درجة الاختلافات أو حتى الخلافات بين اتجاهات انتماءاتهم الوطنية؛ لأنه ضرر خطير، ويعم على الجميع، بل ويستدعي وضع مزيد من سماعات الأذن، لمن لا يسمعون، وبالذات لمن لا يريدون أن يسمعوا؛ صوت المنطق السليم من أجل سلامتهم وسلامة كل من يحبونهم ويتمنون لهم عدم الوقوع في أضرار ومضاعفات الكارثة الڤيروسية الجديدة.

عن زوايا الأخبار

شاهد أيضاً

«حسام هيبة».. هل يخلف د. «مدبولي» في رئاسة مجلس وزراء مصر ؟!

شهدت بورصة توقعات المرشحين لرئاسة مجلس وزراء مصر الجديد، مؤخرًا؛ صعود عدة أسماء تصدرها اسم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *