صحافة الواقع الإفتراضي إلى أين

تايم نيوز هولندا|د. نهاد فوزي

أثارت تقنية الواقع الافتراضي نقلة نوعية في تناول القصص الخبرية وكشفت عن فصل جديد من تفاعل الجمهور مع الأخبار بزاوية 360 درجة، ليطوف المتلقي بين عناصر الخبر وكأنه جزء من الحدث فيما يعرف بصحافة الواقع الافتراضي.
ويبرز هذا النوع من الصحافة كأحدث أساليب تقديم المادة الخبرية بأسلوب تقني شيق واحترافي ينقل المتلقي من مجرد القراءة أو المشاهدة إلى “معايشة الخبر” وهو ما أكده تقرير لوكالة رويترز حول نمو الاعتماد على تكنولوجيا الواقع الافتراضي، وقدرتها على إثارة شعور بالارتباط بين المتلقي والأشخاص والأحداث في القصة الخبرية.
وأطلقت صحيفة «نيويورك تايمز» أول محتوى صحافي معزز بالواقع الافتراضي في فيلم «النازحون»، عام ٢٠١٥ وهو فيلم وثائقي يصور حياة ثلاثة أطفال صغار لاجئين ..وفي لقطة من فيلم يسمى «مشروع سوريا» يجد المتلقي نفسه مع طفلة سورية تغني، وإذا بقنبلة تنفجر بجوارها فيشعر بحجم الفزع ذاته الذي شعرت به.
ورغم ما حققته صحافة الواقع الافتراضي من قفزات كبيرة في وسائل الإعلام الغربية لا تزال هذه التقنية في بداية عهدها عند الجمهور العربي. ولا ينفي ذلك أن هناك كثُر يرغبون بتطوير وإدخال هذه التقنية لمحتواهم الصحفي ولكن يبقى السؤال، هل المشكلة في كيفية إدخال هذه التقنية أم في المحتوى العربي الذي لا يزال المتلقي يشعر معه بفقدان الثقة فيما يتناوله من موضوعات وقضايا لا تمس حياته اليومية واهتماماته الملحة، فضلا عن هيمنة التحيز وغياب الموضوعية في تناول المادة الخبرية وتفضيل السرعة على الدقة وتناول قضايا ثانوية لمجرد انتشارها على وسائل التواصل الاجتماعي دون تحقق من مصادرها الموثوقة.
وبالنظر إلى نصف الكوب الملآن، فإن إدخال تقنية الواقع الافتراضي في الصحافة سيرفع من قدرتها على إيصال محتوى أكثر ارتباطًا وجذبًا وتفاعلًا مع القارئ الذي عزف عنها خاصة الورقية منها بعد ثورة الهواتف المحمولة التي جعلت الأرض على اتساعها في حجم راحة اليد.

وربما تكون هذه التقنيات الحديثة طوق نجاة لإعادة الصحافة إلى مكانتها التي تراجعت في عصر وسائل التواصل الاجتماعي الغارقة في الأخبار الزائفة والمفبركة، والموضوعات التافهة عديمة المصدر والقيمة.
وعلينا الانتباه إلى أن إدخال تقنية الواقع الافتراضي في الصحافة، يتطلب تطوير الصحفيين لأدواتهم، لأنهم لن يتعاملوا مع قصص خبرية باعتبارها نص فقط، بل نص وصورة وصوت وفيديو ورسوم وإنفو جرافيك وخرائط تفاعليه وكلها في رابط واحد، وضرورة معرفة كيفية التخطيط لإعداد قصة متعددة الوسائط والتدقيق والتفكير بالأبعاد المتعددة مرئيًا وخبريًا. ولا يمكن إغفال تطوير منظومة التعليم الإعلامي ليس في كليات الإعلام فقط بل على مستوى المدارس بمختلف مستوياتها وخلق جيل جديد قادر على الاستخدام التكنولوجي الأمثل وفهم التقنيات الحديثة.
والأهم من ذلك أيضا تطوير البنية التحتية للإنترنت فائق السرعة ليستوعب هذه التقنيات بسلاسة تدعم استخدامها والإقبال عليها فلن ينتظر المتلقي تحميل قصة خبرية يتقطع بثها كل لحظة، فلا شيء يرغمه على ذلك في ظل وجود ملايين الأنشطة التي يمكن أن يتحول اليها بلمسة واحدة على شاشة المحمول.
ما زال أمامنا طريق طويل، ولكن لابد من وضع رؤية متنامية لكيفية استخدام هذه التقنية المهمة لتناول وعرض قصص العالم العربي بفعالية أكثر، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة وقد حققنا بالفعل خطوات مهمة في تطوير المحتوى الخبري في زمن وسائل التواصل، وعلينا البناء على الإيجابيات التي تحققت ومعالجة القصور نحو مزيد من التطور والإنجاز في قادم الأيام.

عن admin1

شاهد أيضاً

فَيِنْ يُوجِعُكَ ؟ ! | يَا وَاشٍ يَا وَاشٍ يَا حُكُومَةُ

وَكْرِ اَلَأْ چنَدَّاَتُ . . مَضَامِين عَنْكَبُوتِيَّةٍ . . كَوْكَبَ اَلدُّفُوفِ لَا أَمْلِكُ أَدَوَاتٌ اَلْمَطَبَلَاتِيَّة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *