محمد خليفة يكتب: الغابة المتحجَّرة بالمعادى .. أشجار تحمل أسرار الماضي!

ترجع بنا عجلة الزمن للخلف بعد مرور اكثر من ثلاثة عقود مضت، والتحديد فى عام 1989م منذ أن كنت أول من كتب عن الغابة المتحجّرة بالمعادى على صفحات ” جريدة الوفد”، وكان معى الزميل الكاتب الصحفى الصديق مصطفى عبد الرازق  والمرحوم المصوّر الصحفى مجدى حنا، بعد أنْ تعرضت الغابة للسرقات والأهمال على يد بعض سكان منطقة البساتين، فبعد حملتى الصحفية أصدر مجلس الوزراء وقتها قراراً باعتبارها محمية طبيعية عام 1989 بقرار”رقم 944″

 وبعد سنوات طويلة نشرت الجريدة الرسمية في عددها رقم “25 مكرر أ”، الصادر في 28 يونيو سنة 2017، قرار رقم 1441 لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام القرار رقم 944 لسنة 1989 بإنشاء محمية طبيعية بمنطقة الغابة المتحجرة بالمعادى بمحافظة القاهرة.

واليوم تعود الكرّة ونحاول أن ننقذ هذا الكنز الذى يعود الى ملايين السنين من الضياع ونفس الاهمال التى طالها قبل ذلك.ونعود لنتعرف عن هذه المحمية القديمة والتى لا يوجد مثيل لها فى العالم..

تقع المحمية على بعد حوالي 18 كيلو متراً شرق حي المعادى بمحافظة القاهرة  وبالتحديد في مدينة القاهرة الجديدة “التجمع الخامس “شمال طريق القطامية – العين السخنة حيث تبلغ مساحتها حوالي 7 كم2 .

وتعدّ هذه المنطقة أثراً “جيولوجياً” نادراً لا يوجد له مثيل في العالم من حيث مساحتها..

ويعد دراسة الخشب المتحجر فيها عاملاً مساعداً على دراسة وتسجيل الحياة القديمة للارض .

تعرضت هذه الغابة لإستيلاء جزء كبير منها عن طريق وزارة الإسكان والتعمير والمرافق قديما، وبات الأمر صراعاً بين وزارة البيئة والإسكان، حتى تم الفصل بينهما وأعادة تبعيتها لوزارة البيئة ، إلاَّ أنّ الغابة تتعرض للإهمال حالياً، ورغم أن الحكومة أكدت أنّهٌ

لا مساس بمحمية الغابة المتحجرة.

وهذا قول عارِ تماماً من الصحة، فالغابة يتم الاعتداء يومياً على رمالها النادرة، فالشركة المسئولة التى تقوم باعمال إنشائية تم  اتخاذ كافة الإجراءات القانونية  ضدها لمخالفتها للقانون خاصة أن الشركة تقدمت بدراسة تقييم الأثر البيئي شأنها شأن الشركات الأخرى وحصلت على هذه الموافقة وفقا لاشتراطات بيئية محددة وبما يضمن عدم تأثيرها على المحمية خاصة أن الأعمال التي تتم في هذه المنطقة هي ملك وزارة الإسكان، إلاَّ أنَّ المخالفات مستمرة ..

الغريب أنَّ وزارة البيئة أكدت أنه لم يتم المساس بالحدود الحالية للمحمية  و الصادرة بقرار رئيس الوزراء رقم 1441 لسنة 2017 ومحدد به أبعاد وحدود المحمية  و تقع  أعمال البنية التحتية التي تتم حاليا بالمنطقة الواقعة شمال حدود المحمية هي خارج الحدود المُعلنة  كما  أن الحد الفاصل بين حدود المحمية والمنطقة المخصصة لوزارة الإسكان محدد بعلامات حدودية واضحة! ولست أدرى لماذا تقوم الحكومة بالتنازل على مساحات من الغابة لصالح وزارة الاسكان ؟!

الغريب فى الامر ان مجلس الوزراء فى عهد المهندس شريف اسماعيل رئيس الوزراء السابق قد اصدر قرارا بتعديل حدود محميتى وادي دجلة والغابة المتحجرة، وتقليص مساحتهما وبيعهما، وفقا للقرار 1441 بتاريخ 28 يونيو 2017.

وكان الدكتور خالد فهمي وزير البيئة  السابق قدعدل حدود محمية الغابة المتحجرة لمصلحة بيع الأراضي التي سوف يتم إخراجها من المحمية للعاملين بالخارج، وذلك نظير 50 مليون جنيه بحسب ما أعلنته وزارة البيئة وقتها .

والأغرب لماذا عدلت وزارة البيئة حدودالغابة  لمصلحة مشروع محمية “دجلة الجديد”، وإهدار 89 مليون جنيه سنوياً، مقابل مبنى إداري تم تخصيصه من الشركة للوزارة بمنطقة الفسطاط، بإيجار شهري جنيه واحد.

يُذكر أن الجزء الذي تم اقتطاعه من المحمية مقابل المناطق السكنية الجديدة بالتجمع الخامس، غير محدد الولاية، وهو ما يقتضى قرارًا لرئيس الجمهورية الذى يحدد بدوره الجهة التى ستشرف على المنطقة الجديدة.

وكان جهاز معلومات مجلس الوزراء قد افاد وقت أن قامت وسائل الإعلام باثارة القضية على صفحات الصحف فبراير عام 2018 أن الجزء الذى تم استبعاده من الغابة المتحجرة قد فقد التنوع البيولوجى ولا يوجد به أى أشجار متحجرة وأن الهدف الأساسى من استبعاده هو الحفاظ على الخشب المتحجر الموجود فى الجزء الجنوبى، وأن الجزء الذى تم اقتطاعه من المحمية عاد إلى الدولة والمركز الوطنى لاستخدامات الأراضى هو المسئول عنه.

والخطير ما نراه حالياً فى اسواق البساتين بالمعادى، يقوم بعض السارقين على مواقع الانترنت بعرض اجزاء كبير من اشجار الغابة للبيع  لهواه الاشياء النادرة كما يقولون فى اعلاناتهم وهى قطع من جذوع اشجار متحجرة رائعة الجمال، هذه القطع مستخرجه من الغابة المتحجرة ثمن القطعه  يصل الى 1600 جنية مصري وتتراوح وزنها من 10 كجم الي 45 كجم تستخدم بالديكور والحدائق الراقية و كقطع نادرة ولدي  البائعين كتالوجات بها صور لكل قطعه. وهناك منتجعات احتوت على هذه الاشجار تم وضعها على مداخلها ، وأيضاً تم وضع هذه الأشجار النادرة بحدائق “الفيلات” وأمام العمارات الجديدة !

ومن المعروف أنَّ الغابة تعود الى الزمن الثالث لحقب “الكاينوزوي” وتكوّنت الغابة الحجرية قبل عصور ما قبل التاريخ، حيث اجتاحت الأشجار نهر النيل إلى أن استقرت في المنطقة الحالية، وتتميز بتراكم طبقات سمكها 6 أمتار من الحجر الجيرى الرملى الغنى بالحفريات، تكونت نتيجة بيئة بحرية في العصر “الأيوسيني”، وتصل طول جذوع الاشجار فيها إلي أكثر من 25 مترًا.

كما كانت ولا تزال مصدر اهتمام الباحثين بأقسام الجيولوجيا والنباتات بكليات العلوم فى الجامعات المصرية والعالمية، والمهتمين بتاريخ الأرض.

كما تحتوي على الرواسب الفقارية والحفريات التي ترتبط دراستها بالكيمياء والفيزياء الجيولوجية، ومن ثم تعد أثرًا جيولوجيًا نادرًا لا مثيل له.

تؤكد الدراسات الجيولولجية أنَّ الغابة المتحجرة تعد مدرسة في عالم الحفريات والتراكيب الجيولوجية المهمة, فهي تضم غابة من الأشجار الخشبية المتحجرة ترجع لعصر الأليجوسين, أي منذ أكثر من 60مليون سنة, إضافة إلى حفريات لحيوانات أخري, كما تتميز بوجود أكثر من 15 نوعا من النباتات النادرة والتي لا يوجد بعضها سوي بالمحمية، وهي أيضا ما زالت بيئة طبيعية لكائنات تنمو وتتكاثر كل يوم.

وتحتوى على أشجار متحجرة تأخذ أشكال قطع صخرية.

معظم أجزاء تكوين جبل الخشب تعود لعصر “الأوليجوسين”، وهي فترة جيولوجية امتدت بين 34 مليون سنة و 23 مليون سنة ماضية، وتمثل المحمية بيئة الصحراء الشرقية المتحجرة.

توجد داخل المحمية أنواع من “البوم الأبيض” من الحجم الضخم يصل طوله لمتر ونصف المتر وطول جناحيه إلى حوالى 2 متر ونصف المتر، مما يرعب العرب والمتواجدين داخل المحمية أثناء السير ليلاً ورؤية تلك البومة وهى أمامهم، حيث تنعكس عليها أضواء القمر فتظهر بمنظر مرعب ليلاً.

المراجع:

1-  قاموس المورد الحديث والدكتور رمزي البعلبكيان دار العلم للملايين بيروت لبنان طبعة 2013 ص 793

2- منشورات وزارة البيئة المصرية

3- الهيئة العامة للإستعلامات

4- الجمعية الجغرافية

5- ارشيف الوفد

عن admin1

شاهد أيضاً

سراج الدين يكتب|مُنخفض القطارة

تايم نيوز أوروبا بالعربي|شوقي سراج الدين  اعتقد ان كل ما تم كتابته عن هذا المشروع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *