السقا مات

بقلم : يحي سلامة
يعتبر فيلم السقا مات هو الفيلم الوحيد الذي عالج فكرة الموت وقدمها علي شاشة السينما ولم يكتف صلاح ابو سيف مخرج الفيلم بإبراز الموت كفكرة فلسفية ودينية وإنما خاض في تفاصيل الجنازات والاستعداد لدفن الموتي في المجتمع القاهري أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وذلك من خلال شخصية (شحاتة) صبي الحانوتي التي أداها بإقتدار الفنان الكبير فريد شوقي الذي إمتهن مهنة التشريفاتي وهو أن يرتدي بدلة كاملة هو وزملاءه ويسيرون أمام الجنازة في إيحاء أن المتوفي كان من علية القوم وأن تلك المجموعة من أصحاب البدلات السوداء هم أصدقاء وزملاء المتوفي والذي في الغالب أي المتوفي يكون من أبناء الطبقات الشعبية الفقيرة .

ومع دخولنا للربع الأول من القرن الحادي والعشرين نجد أن شخصية (شحاتة) أصبحت فكرة وليست مهنة فأصحابها وإن كانوا لا يتقاضون أجرا علي حضور الجنازات وسرادقات العزاء إلا أنهم يسارعون نحو الكاميرات لأخذ اللقطة والإدلاء بعبارات الثناء والمديح علي الراحل وتوعد المتسبب في وفاته (سواء كان الطبيب المعالج أو الزوجة أو الأبناء ) بالمُلاحقات الأمنية والقضائية وأن دم المتوفي الذي بالمناسبة ليس قتيلا لن يذهب هدرا ولا يجد شحاتة (المودرن ) حرجا في أن يتلفظ بألفاظ نابية أو يتشاجر بالأيدي مع أقارب المتوفي .

ولأن شحاتة ذو حمية وشهامة فهو يدلي بدلوه وحديثه لبرامج التوك شو من داخل سرادق العزاء في أثناء تلاوة القرآن الكريم فالأمر عظيم ولا يحتمل الإنتظار وشحاتة في أرض المعركة وعلي خط المواجهة للثأر من زوجة الصديق الراحل أو أبناءه أو أشقائه وشقيقاته والطبيب المعالج فالجميع في قفص الإتهام وفي مرمي النيران لأنهم حرموا الإنسانية من الفقيد وتسببوا في موته كمدا وحزنا ولأن فترات الحرب تحتاج أحيانا للترويح ورفع المعنويات فلا مانع أن يتبادل شحاتة القبلات مع أصدقاءه وصديقاته والتصوير السيلفي والسؤال عن الصحة وتتعالي الضحكات والنكات والقفشات بين الأصدقاء والصديقات وبمناسبة الصديقات فلا مانع من تبادل الأحاديث حول أحدث عمليات التجميل وأحدث خطوط الموضة وأحدث حالات الزواج وأحدث حالات الطلاق فهم ربما لا يلتقون إلا في الجنازات وسرادقات العزاء.

وبعد إنتهاء التصوير يذهب كل إلي حال سبيله ويمارس حياته المعتادة تماما كما مارسها شحاتة (فريد شوقي) في الفيلم الذي يفرغ من الجنازة ويتقاضى أجره فيذهب علي الفور لشراء وجبة سمك أو لحمة رأس وزجاجة نبيذ رخيصة وخلطة عطارة بها جوزة الطيب ليقضي ليلته مع إحدي بائعات الهوى وهكذا كان يفعل بعد كل جنازة .

ومن الإنصاف قول أن شحاتة في الفيلم لم يكن يعرف الفقيد أو تربطه به صداقة أو قرابة أما شحاتة القرن الواحد والعشرين فهو في الغالب صديق أو قريب للفقيد والطريف أن الفقيد قبيل وفاته كان يشكو الوحدة والجحود وأن لا شحاتة أو غيره ممن ازدحمت بهم الجنازة وسرادق العزاء لم يزوروه في مرضه أو وحدته ولم تصله منهم مكالمة واحدة حتي يوم وفاته

هكذا تم إعادة إنتاج فيلم (السقا مات ) بنسخته المعاصرة في جنازات وسرادقات عزاء المشاهير في القرن الواحد والعشرين .

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

الإفلاس الإبداعي للإعلانات التجارية في اختزال الشعور بالسعادة بالرقص

بقلم | عنتر المصيلحي تعتبر الإعلانات واحدة من أهم سائل التسويق التى يعتمد عليها وتستخدمها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *