قرار محكمة «لاهاي».. و«ابتسامة تُبلِّلها الدموع»!! 

كتب مدير مكتب القاهرة | عباس الصهبي

وضع” الشعب الفلسطيني والعربي “أعلى سقف كان مأمولاً ” من محكمة العدل الدولية؛ للإسراع بإنقاذ أطفال ونساء وشيوخ “غزة” من المذابح والقنص العشوائي للبشر مع عدم توفير أدنى احتياجاتهم من ماء وغذاء ودواء وقد أصبحوا جميعاً- أصلاً!!- بلا مأوى!! .

كان المطلوب إنهاء “الرعونة” السياسية ليمين كيان صهيوني متطرف؛ باعتباره “دولة” مارقة تتحدَّى القانون “الدَّوْليّ” في كل المناسبات، وعلى مدى ما زاد الآن على ثلاثة أرباع القرن؛ ومنذ عام نكبة 1948!! فقد كان “الحلم العربي”، وباختصار؛ يريد أن يكون الحكم “المبدئي” للمحكمة منتصف نهار الجمعة الماضي، 26 يناير/كانون ثاني، 2024؛ أكثر قوةً في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها “جنوب أفريقيا”- شكرًا لشجاعتها النبيلة- ضد إسرائيل، بشأن حرب غزة!! .

غير أن المحكمة اكتفت باتخاذ إجراءات لمنع إسرائيل من الإبادة الجماعية، والتحريض المباشر عليها؛ فقد رفضت الطلب الإسرائيلي برفض دعوى جنوب أفريقيا؛ حين “صوتت” أغلبية كبيرة من أعضاء لجنة المحكمة- المؤلَّفة من 17 قاضيًا (فيما عدا اثنين فقط)- لصالح اتخاذ إجراءات عاجلة تُلبي معظم ما طلبته جنوب أفريقيا؛ باستثناء توجيه الأمر بوقف الحرب على غزة! .

أكدت المحكمة في نصٍّ تلاه القضاة أن على إسرائيل أن تتخذ “كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية”؛ وأن المحكمة تقرُّ بحق الفلسطينيين- بـغزة- في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية، مؤكدة أن الشروط متوافرة لفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل! وأن على إسرائيل الالتزام بتجنب كل ما يتعلق بالقتل والاعتداء والتدمير بحق السكان، وتضمن توفير الاحتياجات الإنسانية الملحّة في القطاع بشكل فوري! .

وبموجب الحكم أيضًا يتعيَّن على إسرائيل أن ترفع “تقريراً” إلى المحكمة في غضون “شهر” بشأن كل التدابير المؤقتة؛ وعليها أن تتأكد فورًا أن جيشها لا يرتكب الانتهاكات المذكورة سابقًا في الدعوى!! كل ما سبق، وبحد ذاته؛ “قد يكون جيدًا”؛ لكنَّه “لا يكفي”!!! فعلى أرص الواقع، وما نراه كلنا؛ مازال مسلسل الموت والدمار مستمرًا؛ وما زال تعنّت “اليمين المتطرف”- للدولة العبرية- “يبرر رفضه” الامتثال للقانون الدولي؛ على المستوي “السياسي”؛ فمثلاً: انتقد وزير الأمن القومي الإسرائيلي-إيتمار بن غفير- محكمة العدل الدولية واصفًا الهيئة الدولية بـأنها “معادية للسامية!! “؛ مؤكداً، وبالحرف الواحد: “إن قرار المحكمة” المعادية للسامية” في “لاهاي” يثبت ما كان معروفًا بالفعل: هذه المحكمة لا تسعى إلى العدالة، بل إلى اضطهاد الشعب اليهودي”؛ والسؤال له ولأمثاله المتطرفين إلى حد الإجرام: “مَنْ” يضطهد “مَنْ” الآن؛ وأمام أنظار كل العالم؟!؟!! .

ولن يرتدع- بن غفير وأمثاله- حتى لو كانوا قد “قرأوا” تحذير الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك”- “عامي أيالون”- إثْر إعلان قرار محكمة “لاهاي”- من إمكانية اندلاع “انتفاضة جديدة” في الضفة الغربية، مؤكدًا أن إسرائيل ينتظرها “ما هو أسوأ” من 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؛ إذا رفضت السلام؛ حين أكد- في مقابلة أجراها مؤخرًا مع صحيفة “لوموند” الفرنسية- أن الحرب في غزة “لا يمكن الانتصار فيها”، مشيرًا لعدم وجود “خطط لليوم التالي” للحرب؛ وأن “حماس” لن تنتهي حتى وإن نجحت إسرائيل في قتل كل قياداتها، مؤكداً أنه يوجد فلسطينيون يؤيدون “حماس” لا لأنهم ملتزمون بأيديولوچيتها، بل لأنهم يرونها المنظمة الوحيدة التي تناضل من أجل حريتهم وإنهاء الاحتلال!! .

أما على المستوى “الشعبي” للكيان الصهيوني، وعلى حدّ وصف المراقبين؛ فقد “عمَّت الفرحة”؛ لأن من كانوا يتوقعون من “الحَكَم” منح “بطاقة حمراء” فرحوا باكتفائه بــ”بطاقة صفراء”، وكأنها كانت “مباراة”، وليست “أرواح ناس” يا ناس!! وإذا كان على المستوى “السياسي” الفلسطيني والعربي (منظمة التحرير وحتى حماس وعدة حكومات عربية) قد تمّ ترحيبها بـ”القرار المبدئي” لمحكمة العدل الدولية؛ باعتباره وضع “رأس” الكيان الصهيوني، ولأول مرة في تاريخه؛ تحت “حكم القانون الدولي”؛ فإنه على المستوى الشعبي فلسطينياً وعربياً يشتعل “غضب” متزايد الإحباط؛ من عدم استجابة المحكمة، بقرارها المبدئي؛ لطلب جنوب أفريقيا بـ”وقف فوري”؛ كـ”إنقاذٍ سريع” لشعب غزة، وسوف يطول عليهم “صبر الانتظار” شهرًا آخر، فوق الـ”3″شهور ونصف؛ التي “صبروها” على مآسي المذابح الدموية وقد أحاطهم مع أطفالهم الدمار بكل مكان شمالًا وجنوبًا؛ وإلى أن يتعطَّف “المجرم” بتقديم “تقريره” بنفسه عن ممارساته “غير السوية” في كل تاريخ الإنسانية!!.

إن “ابتسامة” المتفائلين بقرار المحكمة، وباعتباره أفضل ماكان ممكنًا؛ إنما هي- في الواقع- لدى العرب في كل أرجاء العالم ليست أكثر من: “ابتسامة تبللها الدموع”؛ والتشبيه هنا لـ”هوميروس”(شاعر الإغريق العظيم) في “الإلياذة”؛ حين وصف شعور وداع زوجة قائد شجاع خلوق خرج يدافع عن عرش أبيه المغتصب؛ فقال تشبيهه البليغ، لكل الأجيال؛ على لسانها: “لقد ودَّعته بابتسامة تبللها الدموع”!! ولكنْ؛ “لا وقت للدموع”، وإلى أن تتحقق “العدالة الناجزة الكاملة”؛ ليس أمام كل العرب، وأصدقائهم المستنيرين المتبرئين من تهمة “مساندة العدوان الوحشي” إلا بـ”مساندة المقاومة بكل صورها الأخلاقية شعبياً، وسياسياً، وكذلك عبر الدبلوماسية الدولية؛ مثلما فعلت الجزائر مؤخرًا، بطلب عقد مجلس الأمن الدولي الأربعاء القادم للنظر في قرار محكمة العدل الدولية الذي دعا إسرائيل إلى منع أي عمل يُحتمل أن يؤدي إلى”إبادة جماعية” في قطاع غزة، وفق ما أعلنت الرئاسة الفرنسية للمجلس مؤخراً؛ لعل وعسى!!

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

سعيد السبكي أضاف لموهبته في الصحافة والأدب مجال «الإرشاد النفسي»؟!

سعيد السبكي.. لماذا أضاف لموهبته في الصحافة والأدب إضافة جديدة بمجال «الإرشاد النفسي»؟! “سعادته الخاصة” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *