الكاتبة سماح مبارك

الابتزاز الإلكتروني وضحايا بالجُملة | بالألوان

بقلم | سماح مبارك

من جديد تطفو إلى السطح قضية من قضايا الابتزاز الإلكتروني للنساء وهذه المرة في اليمن، حيث أطلقت إحدى الناشطات اليمنيات المعروفة بعملها الإنساني التطوعي النار على نفسها في محاولة للانتحار نتيجة تعرضها للابتزاز الإلكتروني والتهديد على مدى شهور طويلة.

الناشطة سارة علوان كانت ولعدة أشهر ضحية لابتزاز مقيت وتهديدات بنشر صور خاصة لها تمت سرقتها من منزلها عن طريق الحيلة، وعلى الرغم من ذلك، تعاملت سارة بمنتهى الشجاعة مع الموقف حيث لجأت للشرطة وطلبت المساعدة لإيقاف المبتزين عند حدهم، وهو أمر لا تستطيع أن تفعله الكثير من النساء في المجتمعات المحافظة بسبب القيود المجتمعية الموجودة في محيطهن، ولكن ومع الأسف لم تتعاون معها السلطات الأمنية بالسرعة المطلوبة، وظلت تعاني من تهديدات المبتزين وملاحقتهم المستمرة، حتى قررت وضع حد لحياتها خوفا من الفضيحة في مجتمع لا يرحم ويلقي دائماً باللوم على الضحية الأنثى لا الجاني.

قضية سارة ليست هي الأولى في اليمن، فبحسب نشطاء يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي، هناك أكثر من ست حالات لفتيات يمنيات كُن ضحايا للابتزاز الإلكتروني أقدمن على الانتحار خلال الشهور القليلة الماضية، وسط تعتيم من قبل عائلاتهن ورفض تام لفتح بلاغات ضد المبتزين خوفاً من الفضيحة!

يُعد الابتزاز الإلكتروني أحد أهم أسباب انتحار النساء في الوطن العربي، ففي مطلع العام الجاري حدثت فاجعة انتحار الشابة المصرية بسنت خالد إحدى ضحايا الابتزاز الإلكتروني في مصر، والتي انتشرت لها رسالة مكتوبة لوالدتها تؤكد فيها أن الصور التي تم ابتزازها بها ثم نشرها في قريتهم هي صور غير حقيقية و”مفبركة”.

بسنت لم تكن أيضاً الضحية الأولى ولا الأخيرة التي تواجه الابتزاز الالكتروني بالانتحار في مصر أو غيرها من الدول العربية، فمجتمعاتنا المحافظة تدين النساء على طول الخط، فتجد الضحية نفسها أمام خطر العار والفضيحة وغالباً ما تخشى اللجوء لأهلها، لأنهم أول من سيجلدها بدل الوقوف معها أو مساندتها تماماً كما حدث مع بسنت.

لقد أدى تطور التكنلوجيا وانتشار التطبيقات المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي إلى ظهور نوع جديد من “اللصوص” الذين يقومون باختراق الحسابات وسرقة الصور  والمعلومات الشخصية للضحية، حيث يتضمن الابتزاز الإلكتروني أي عملية تهديد  بنشر صور خاصة أو تسجيلات أو تسريب معلومات سرية لشخص ما، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلاله للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين،  وعلى الرغم من أن الرجال والأطفال أيضاً يتعرضون وبشكل كبير لأنواع مختلفة من الابتزاز الإلكتروني، إلا أن معظم الإحصائيات الموثقة تشير إلى أن عدد الضحايا من النساء هي الأكبر بينهم.

أثناء كتابتي لهذا المقال قمت ببحث صغير عن نسب الابتزاز الإلكتروني في العالم العربي فأصيبت بالذعر من الأرقام المذكورة ففي العراق وحدها تم تسجيل (2452) حالة في المحاكم العراقية خلال مدة تصل الى ثلاثة أشهر فقط من العام ٢٠٢٢جل ضحاياها من النساء، أما في سوريا فقد ارتفعت جرائم الابتزاز الإلكتروني خلال فترة الحرب إلى ٣٠٪ وفي الأردن، فقد تم رصد 9275 حالة ابتزاز الكتروني خلال عام ٢٠٢١ تشكل الإناث 70% منها.

ساره علوان

توضح هذه الإحصائيات كيف ساهمت النظرة الدونية للمرأة في مجتمعاتنا على انتشار هذا النوع من الجرائم، وعلى الرغم من أن عقوبة الابتزاز الإلكتروني في معظم الدول العربية لا تقل عن عامين مع غرامة مادية كبيرة، إلا أنها تعتبر غير رادعة بالشكل الكافي، خصوصاً مع عدم وصول معظم الحالات إلى الجهات الأمنية بسبب خوف الضحايا من كيفية تعاملهم معها، ان جريمة الابتزاز الإلكتروني هي جريمة خطيرة تفتك بالمجتمعات يختار فيها المبتز ضحيته الأنثى بعناية، ولأن النساء في مجتمعاتنا يُعتبرن الحلقة الأضعف فالكثيرات من ضحاياه يجهلن الطريقة الصحيحة لمواجهته ويخشين الإفصاح عن تعرضهن له، كما أن المماطلة أحياناً من قبل جهات مكافحة الجرائم الإلكترونية في إثبات وضبط الحالة، تُعد من الأسباب المهمة التي تتردد بسببها النساء للجوء إلى القانون. في الحقيقة هناك تواطؤ خفي بين المجتمع ذو الأحكام المسبقة على النساء، وأهالي الضحايا الخائفين من “الفضيحة” وجهات الأمن المتخاذلة، على دفن أو طمس الكثير من قضايا الابتزاز الإلكتروني التي يتعرضن لها.

إن نشر الوعي في قضايا الابتزاز الإلكتروني في مجتمعاتنا هو أمر مهم جداً، فمن الضروري جداً إدخال مواد تعليمية في المدارس والمعاهد عن ماهية التحرش والابتزاز الإلكتروني وعن كيفية مواجهته، وكيفية التواصل مع الجهات الآمنة التي بإمكانها مساعدة الضحايا في سرية تامة وتحري الدقة في مدى مصداقيتها من عدمه، نحن أيضاً في حاجة ماسة إلى تكاتف القانونيين والحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني، للضغط على الحكومات والبرلمانات العربية لسن قوانين أكثر صرامة تجاه جريمة الابتزاز الإلكتروني.

لحسن الحظ أن الناشطة سارة علوان لم تمت، ولكنها بمحاولتها اليائسة وجهت صفعة جديدة لضمائرنا المتخاذلة أمام قضايا العنف المختلفة ضد النساء، نعم، لم تُصبها الرصاصة التي أطلقتها على نفسها في مقتل ولكنها أصابت مجتمعاتنا المتخاذلة في القلب، مجتمعاتنا التي تُعهر وتُجرم النساء بسبب صورالتقطنها لأنفسهن في لحظات سعادة وصفاء، يسرقها مُبتز فيحول تلك اللحظات إلى شهور من الترهيب والرعب الذي يقودها إلى الموت. فإلى كل امرأة تتعرض للابتزاز الإلكتروني: كوني قوية وابحثي عن المساعدة لأن حياتك ثمينة ولأن المبتز جبان لن يردعه إلا القانون، وتذكري دائماً أنتِ لست وحدك، فجميعنا معك.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

تذكروا أن يران غير عربية

كتبت | بلقيس حسن ليس دفاعا عن إيران فأنا اختلف معها في كثير من المواقف، …

تعليق واحد

  1. “ولكن ومع الأسف لم تتعاون معها السلطات الأمنية” أكيد لم تتعاون لأن معظهم أو ربما جميعهم ( رجال ) ، وأكيد سيلقون باللوم عليها . يوجد الآلاف من النساء في مجتمعاتنا وبلدانا العربية وأيضاً فى بلدان العالم يعانون من : التحرش ، الإبتزاز ، العنف المنزلى ، العنصرية ، الأغتصاب. هذا ظلم كبير . قهر . غير إنسانى. المرأة هى الأم .. الأخت .. الإبنة .. الزوجة والحبيبة . أيها الرجال: رفقاً بالنساء، أنهم يستحقون كل إحترام..كل تقدير ..كل حب .. إتقوا الله فيهم .. ارحموهم يرحمكم رب العالمين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *