المفكر الإسلامي الدكتور محمد أبو ليلة
المفكر الإسلامي الدكتور محمد أبو ليلة

محمد أبو ليلة | أسرار الحُزن لرحيل مُفكر وعالم اسلامي جليل

تقرير – عباس الصهبي | القاهرة

لم تتوقف التساؤلات خلال الأيام القليلة الماضية عن السر وراء عواصف الحزن والأسى، والمتنامي بقوة، في مصر والعالم العربي والإسلامي؛ إثر رحيل الدكتور محمد أبو ليلة يوم الأحد الماضي.
وكعادة «شبكة تايم نيوز وراديو أوروبا بالعربي»، كان لا بد من رصد كل ما يتعلق بهذه التساؤلات، ورصد أهم ملامح مشوار الرجل، وكشف حقيقة كل هذا الحزن على فقده؛ والإجابة على سر كل هذا الإهتمام بحياة هذا الرجل بالذات.

‏بالرغم من زهده في حياته الشخصية، وتفضيله البعد عن الأضواء، إلا إذا دعته الضرورة لذلك؛ فإن الدكتور العلامة محمد أبوليلة كان صاحب شخصية استثنائية، ومتفردة؛ وبالذات خلال أعوامه الخمسين الأخيرة من عمره الذي امتد إلى ثمانين عاماً أمضاها، وبمنتهى البساطة والتواضع في خدمة الإسلام، وقضاياه المعاصرة.
‏فقد كان في وقتٍ واحد داعية، ومفكرًا، وأستاذًا جامعيًا بجامعة «الأزهر الشريف»، ومترجمًا ليس له مثيل بمجال تخصصه في العلوم الدينية ومقارنة الأديان، والإعلام الديني، والحوار بين الأديان، والمناظرات العلمية.
‏فكيف كان يجد الوقت لكل ذلك؟ خاصة وأنه شغل رئاسة قسم اللغة الإنجليزية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، وبكل ما يستلزمه ذلك من الإشراف على العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه، كما حاز عضوية المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وفوق كل ذلك كان عميد أكاديمية أهل الصُفَّة لدراسات التصوف وعلوم التراث، بل ونجح، وبشهادة كبار علماء الأزهر، في كل ذلك وبقدرات تعتبر فذة!

جامعة الأزهر الشريف
جامعة الأزهر الشريف

‏قرية «أبو الغيط».. البداية

‏ولد الدكتور محمد أبوليلة بقرية «أبو الغيط» التابعة لمركز «شبين القناطر» بمحافظة القليوبية؛ في أول يوم من شهر سبتمبر/أيلول، عام 1942، وقد عرف الصغير النشأة الجادة منذ طفولته، فحفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة، وأكمل دراسته بعد ذلك في التعليم الأزهري؛ فحصل على درجة الليسانس من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1970، وبعدها بثلاث سنوات حصل على درجة الماجستير عام 1973، أما الدكتوراه فحصل عليها عام 1984، من كلية الدراسات الإنسانية، قسم الدراسات اللاهوتية، بجامعة «إكستر»، بالمملكة المتحدة؛ وكانت الدكتوراه الحاصل عليها في مجال مقارنة الأديان؛ وموضوعها «النصرانية من وجهة نظر الإسلام».

جامعة إكستر بالمملكة المتحدة
جامعة إكستر بالمملكة المتحدة

‏ جديته..لم تفارق شبابه

‏وقد تميزت مراحل شبابه الأولى بجدية متزايدة، فكان دائم البحث والإطلاع على أمهات الكتب الإسلامية، كما ظهرت موهبته في كتابة الشعر وإلقائه بطريقته المتميزة، حتى أُطلق عليه في منتصف الستينات من القرن الماضي لقب «شاعر الأزهر».
‏غير أنه، وقبل ذلك بسنوات قليلة، وبالتحديد ومنذ عام 1961؛ ظل ملازمًا لندوة المفكر والرائد التنويري الراحل الكبير عباس محمود العقاد الأسبوعية، وحتى رحيل الأخير بعد ذلك بما يقرب من أربع سنوات؛ وبالتحديد في مارس/ آذار عام 1964، فكان في تلك المرحلة المبكرة من عشرينيات حياته يعتبر من تلاميذ «العقاد».
‏ولم تكن تلمذته وبنوته الفكرية والعقلية التمحيصية للعقاد هي البنوة الأولى في حياته؛ حيث جمعته بعد ذلك «بنوة» أخرى، كانت روحية هذه المرة؛ ربطته بالإمام الرائد محمد زكي إبراهيم، وأصبح من خلالها من أقرب تلاميذه الذين حملوا راية «الدعوة المحمدية» على عاتقهم.

‏بموسوعية ثقافته..قاوم الضلال!

‏وهكذا تكونت لدى الدكتور محمد أبو ليلة حصيلة معرفية وثقافية ودينية مستنيرة وزاخرة، وقد تمكن من خلال إلمامه المتميز باللغة الإنجليزية؛ أن يكون محاضرًا إسلاميًا عالميًا؛ حيث حاضر في العديد من الجامعات والمنظمات والهيئات والمراكز الإسلامية بأوروبا وأمريكا وبالعالمين الإسلامي والعربي، مما أهَّله دائمًا لتمثيل الأزهر الشريف في الكثير من المؤتمرات والندوات العلمية والأكاديمية.

‏ويعد الراحل العظيم من أشهر المدافعين عالميًا عن المنهج الوسطي للأزهر الشريف، كما استطاع بعلمه وثقافته الموسوعية أن يدفع الكثير من ضلالات المستشرقين، ليكشف تعنتهم مع الإسلام، كما كانت له العديد من المناظرات الدولية الناجحة.

‏عطاء زاخر تجاوز.. الحدود!
يزخر رصيد عطاء العلامة الدكتور محمد أبو ليلة بالعديد من المؤلفات والكتب والدراسات العلمية الإسلامية، ومن أهم ما قدمه للمكتبة العالمية كتابه الثمين: «المنقذ من الضلال» للإمام أبي حامد الغزالي؛ حيث قام بترجمته للغة الإنجليزية مع دراسة وتحقيق للكتاب ومؤلفه.
‏ومن أهم ماتناوله في مؤلفاته: أزمة الخطاب.. اللغة والهوية والتيارات المناوئة.. والدعوة الإسلامية والقضايا المعاصرة.
‏وفوق كل ذلك لا يمكن أن تُنسى جهوده الدؤوبة، وغير المسبوقة؛ في مراجعة العديد من ترجمات معاني القرآن الكريم، سواء من خلال المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أو من خلال مجمع البحوث الإسلامية.
‏وهكذا ودّع العالم العربي والإسلامي واحداً من عظماء الفكر الإسلامي المستنير في قرننا الحادي والعشرين؛ ممن لا يجود الزمان كثيراً بمثله، وكانت قد شيعت جنازته عقب صلاة العصر يوم الأحد الثلاثين من مايو/ آيار الماضي، من مسجد السيدة زينب، رضي الله عنها، ليدفن بمقابر عائلته بقريته «أبو الغيط»،بالقليوبية، ولا يزال عطاؤه الفكري والديني المترجم المتفرد لكل هذه الأسباب؛ يثير الكثير من الدهشة الممزوجة بالحزن والأسى.

عن زوايا الأخبار

شاهد أيضاً

هل السيئة تهدم جبال الحسنات؟!

تايم نيوز أوروبا بالعربي | ليندا سليم  ولي في قصة الدكتور موافي وجهة نظر سأقص …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *