كتبت د.نهاد ابراهيم|مسجونة من منازلهم

 بقلم د. نهاد إبراهيم
زمان.. فى الماضى القريب كان الأطباء يشتكون من مشقة علاج مدمنى التدخين والكحول والمخدرات وغيرهم، أما الآن فقد زادت على مجلدات كتب الإدمان صفحة إضافية بعنوان “إدمان الفيس بوك”!
إدمان رسمى مرفوع منصوب مجرور لا محل له من الإعراب.. وأنا هنا أتحدث إليكم لا من موقع الناصح الأمين لا سمح الله ولا من زاوية الطبيب لا قدر الله، وإنما من وجهة نظر أحد أسوأ مدمنى اختراع الفيس توك حتى أصبح علاجى ولله الحمد ميئوسا منه تقريبا بنسبة ألف بالمائة. وأخيرا طلب منى طبيبى اليائس أن أكتب حكايتى لعل وعسى أكتشف مخزون المشاعر البريئة الحية داخلى قبل أن تجف إلى الأبد.

أمرى إلى الله
كان ياما كان.. فى سالف العصر والأزمان.. منذ حوالى عام.. كنت ألعب على صفحتى على الفيس بوك أشكو من الوحدة الشنيعه التى تكاد تفتك بى بعد أن أعود من العمل وأجدنى بلا أنيس ولا جليس. فزوجى الله يسامحه يعود من عمله فى الليل المتأخر. إبنى المراهق اعتاد أن يقضى حياته دروسا خصوصية عند أصحابه شتاء أو ينسى نفسه فى ألعاب الكمبيوتر معهم صيفا ليهرب من بيت دراكيولا ويعود قبل والده ولو بلحظات، وهذا يعنى أننى أنا شخصيا – والله أعلم – قد حولنى المفعوص إلى مصاصة دماء وأنا لا أدرى!
ابن ال…………………………………………………………………………
اعتدت على الدوران فى الشقة فى خطوط مستقيمة وأحيانا زجزاج أتوسل إلى عقارب الساعة اللئيمة لتمر لكنها لا تمر، حتى وجدت قدماى تقودنى إلى اللاب توب وأنشأت صفحة على الفيس بوك لعل وعسى أتكعبل فى إنسان ذوق يتعطف ويتكرم ويوافق أن يدردش معى قليلا لأتأكد أننى مازلت على قيد الحياة.

بالصدفه البحته بحثت عن اسم صديقة قديمة لى، فإذا بالفانوس السحرى يفرقع بها وبكل شلة المدرسة القديمة بقدرة قادر، واكتشفت أنهم يعيشون داخل الشات بالساعات وأنا نسخة دراكيولا المنزلية منتهية الصلاحية آخر من يعلم!!!!!!
سنة بحالها وأنا لا أفعل فى حياتى إلا الشات مع الشله فى أى مكان، هذا بخلاف الشات بالتليفون المحمول أثناء قيادة السيارة كلما تتوقف الإشارة، وما أكثر وأطول إشارات القاهرة العامرة وربنا يزيد ويبارك..
مع الفيس بوك نسيت هموم نفسى واختلط علىّ الأمر فى شكل زوجى وطردت مشاكل ابنى من رأسى شر طرده.
وفجأة انقطع التيار الكهربائى وأنا وحدى فى البيت. بطارية اللاب توب المؤذية مش مشحونة، والتليفون شرحه انكتم بعدما تبخرت آخر شَرطة وبقللت فى الهواء.
كل شىء صمت من حولى.
أين شلة أصحابى؟
أين صوت ضحكاتى؟؟
لماذا أتصلب على الكرسى بهذا الشكل الكارتونى المضحك؟؟؟

فجأه أدركت أننى وحيدة.. مازلت وحيدة.. حتى شلة أصحابى الذى يسكن بعضهم بجوارى لم أهتم برؤيتهم وجها لوجه بقدر اهتمامى بالشات المكتوب معهم ليملأ فراغى بالوهم الجميل. لحظتها اكتشفت أننى حولت نفسى وأنا بكامل قواى العقلية إلى مسجونة من منازلهم متجردة من أى مشاعر بريئة حقيقية.

أغلقت الكمبيوتر وتعطرت وذهبت لمقابلة الشله لأخذهم فى أحضانى وألمسهم بيدى. شكرا لجناب الفيس توك الذى أدركت أخيرا أنه مجرد وسيلة وقارب إنقاذ لكنه ليس آخر شواطىء الدنيا!

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

المرء سيد نفسه..

تايم نيوز أوروبا بالعربي|شوقي سراج الدين يتمنى المرء  يوصل لمرحلة يكون فيها سيد نفسه وقوي …

تعليق واحد

  1. جميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *