محمد خليفة يكتب: “الطبري”عمدة المؤرخين يخدعنا!

قد لا يكون العيب فينا أو فى التأريخ نفسه وحسب، بل هناك خطأ من المؤرخ نفسه الذى سطرالكٌتب، وهذا الخطأ ليس عن عمد أوقصد ولكن قد يكون عن حٌسن النية أو سوء الفهم والتقدير من المؤرخ سبباً في الإساءة إلى الإسلام من حيث لا يعلم أو يدرى ، ومن ذلك نجد مؤرخاً كبيراً مثل “ابن جرير الطبري” فهو على جلالة قدره في عالم التأريخ حتى أنَّ البعض اعتبره عُمدة المؤرخين في التاريخ الإسلامي، إلاَّ أنٌّه روى روايات أسئ فهمها فيما بعد ، فهو لم يكن يعلم أنَّ تلك الروايات التي ملأت كتبه ، ولم يدر بخلده أنَّ هناك مستشرقين سيستغلون كتبٌه وما ورد فيها من روايات ساذجة ليس فيها أدنى فكر أو تمحيص منه ، ولعل الطبري لم يعمل حساباً للشيعة الذين روَّجوا لكل الروايات الخاطئة في كتبه وأنزلوها منزلة الحقائق التاريخية، وعلى الرغم أنَّه برَّأ نفسه فى مُقدمة كتابه ” تاريخ الرسل والملوك ” أو ” تاريخ الرسل والأمم ” بأن ما أورده من روايات إنما نقلها عن الآخرين ، فهو أداها كما أديت إليه .

لم ينظر الطبرى رحمه الله، إلى تلك الروايات نظرة الناقد البصير ، فينتقد هذه الروايات ويقارنها بغيرها ويدرس حياة رواتها ، لم يُكلف خاطره بهذا،  فهو ينقل إلينا ما وقعت عليه يده، فتارة ينقل الغث وأخرى ينقل السمين، تاركاً هذا العمل للقارئ، ولعله أيضاً كان يعتبر أنَّ كل قارئ من القرآء وصل إلى مرتبة الإجتهاد بحيث يستطيع أن يحكم على الروايات أن كانت ضعيفة أو صحيحة أو مكذوبة أوموضوعة.

 الامام الطبري خدع القارئ البسيط 

إنَّ الخطأ الذى وقع فيه “الطبري” أنَّه نقل إلينا التاريخ مغلوطاً أو لنقل أنٌّه نقل إلينا تاريخ ملئ بالخرافات الفكرية التي دسها أعداء الإسلام في صورة روايات ، وبدون شك فإنَّ الإمام الطبري خدع القارئ البسيط بتدوين أسانيد لكل الروايات ، وهو ليس خائناً أو مزوراً في تدوين هذه الأسانيد، ولكنٌّه ترك الفرصة تلعب دورها في خداع القارئ غير المتخصص، هذا فضلاً عن أنَّ كثيرا من الناس يقدسون الروايات التاريخية لقداستهم للمؤرخ نفسه.

إنَّ الطبري وغيره من المؤرخين القدامى ليس لديهم نية خبيثة لتزوير التاريخ ولكن كان لديهم ضيق أفق، فهم يروون في كتبهم روايات استغلت اليوم ضد الإسلام ، فقد روى الطبري ـ عدداً كبيراً من الروايات عن الذبيح، هل هو نبى الله إسحاق أم النبى إسماعيل عليهما السلام ، وانتهى به البحث أن الذبيح هو إسحاق ، وفعل نفس الفعل في أنَّ إسحاق عليه السلام شارك إسماعيل فى بناء الكعبة، وهذا مخالف للواقع والتاريخ والروايات التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونسى الطبري أن هذا يخدم التاريخ اليهودي وليس التاريخ الإسلامي،  ولا أدرى على أى أساس رجَّح الطبري أن الذبيح هوالنبى إسحاق وليس نبى الله  إسماعيل عليهما السلام، على الرغم أنَّ القرآن الكريم جاء فيه بأن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق ، فترجيح الطبرى مخالف لنص القرآن .

إن المستشرقين اليوم يستغلون روايات “الطبري” وأمثاله من المؤرخين الإسلاميين ويضربون بها الإسلام ، ومن تلك الروايات الساذجة التي أتى بها الطبري ، ضارباً بعقله عرض الحائط أنه صدق بعض الروايات الكاذبة ، فقد روى حكاية الغرانيق التي استغلها أعداء الإسلام على أنها حقائق رواها عالم مسلم، وتجاهل أنَّ تلك الرواية لا تمس الرسول نفسه بل إنها تضرب الوحي القرآني في الصميم ، ومن ثم استغلها “ أحمد سلمان رشدى ” روائي وكاتب مقالات بريطانى من أصل هندى كشميرى وألَّف كتابه “آيات شيطانية” ، وكان الأحرى بالإمام الطبري ومن نقلوا عنه لو دققوا النظر في تلك الروايات فلم ينشروا أوعلى الأقل ينقدوها ليبينوا أنَّها لا تتفق مع سياق الإسلام  أوأنْ يظهروها للناس على أنها غير صحيحة .

كذلك تكلم الطبري بتفاصيل غير مسبوقة عن زواج النبي عليه الصلاة السلام من السيدة عائشة رضى الله عنها على أنَّ النبي تزوَّجها وعندها من العمر تسع سنوات وقيل سبع سنوات ، ولو دقق “الطبري” قليلاً لكان أصوب أن يبين أنها تزوجت وكانت عندها من العمر تسعة عشر عاماً  كما ورد على لسان الكثير من علماء المسلمين، ولكن المستشرقين والعلمانيين والملحدين من أعداء الإسلام استغلوا تلك الروايات أسوأ استغلال ، فقد بينوا أن النبي تزوج من طفلة وهى السيدة عائشة وأنَّ الإسلام يغتصب الأطفال، بينما الحقيقة بخلاف هذا ، والسبب أنَّ المؤرخين ألغوا عقولهم ونسوا أنَّ تلك الروايات ستكون شوكة في ظهر الإسلام .

ولا يتصور القارئ ماذا كتب الطبري ـ بحسن نية عن زواج النبي عليه الصلاة والسلام من السيدة زينب بنت جحش أم المؤمنين، فقد وردت الروايات وكأنَّ النبي عليه الصلاة  السلام شاب متصابي وقع في غرام فتاة جميلة.

وها هي رواية من روايات الطبري وهى تصف النبي وصفاً غير لائقاً ولم  يدرك الطبري أنه أساء للنبي بتلك الروايات دون قصد منه ، فيقول : حدثنى يونس، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ، ابنة عمته ، فخرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يومًا يريده وعلى الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر فانكشف ـ أي السيدة زينب ـ وهي في حجرتها حاسرة ، فوقع إعجابها في قلب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما وقع ذلك كرِّهت إلى الآخر، فجاء فقال : يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي ، قال : ما ذاك ، أرابك منها شيء؟ “قال: لا والله ما رابني منها شيء يا رسول الله ، ولا رأيت إلا خيرًا ، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أمسك عليك زوجك واتق الله، فذلك قول الله تعالى “وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ” تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها. ” تفسير الطبري ، جـ 20 ص 274″ .

ولقد قرأت كتاباً بعنوان ” الرسول: حياة محمد ” لمؤلف غربى اسمه ” رونالد فيكتور كورتيناى بودلى” ويُعرف إختصارا بـ “ر.ف. س. بودلى ” كاتب صحفى ومستشرق فأخذا هذا المؤلف روايات الطبري وغيره وصاغها في أسلوب روائي مستغلاً أنَّها وردت فى كتب علماء الإسلام ،  وقد صوَّر هذا المؤلف النبي عليه الصلاة  السلام بصورة لا تليق بخاتم المرسلين الذى يأتيه الوحى من السماء، ناهيك عمن استغل تلك الروايات من المستشرقين للطعن في حياة الرسول واتهامه بأنه عاشق للنساء حتى أنه طلَّق زينب بنت حجش رضى الله عنها وتزوجها .

ومن المعروف أن السيدة زينب رضي الله عنها لم تكن على قدر من الجمال في الشكل حتى يفتن بها النبي عليه  الصلاة والسلام ، ولم تكن صعبة المنال على رسول الله لو أرادها ، فهى ابنة عمته وهو الذى زوَّجها لزيد بن حارثة ، ألم يراها النبي من قبل؟ ولكن رواية الطبري تصوَّر النبي عليه الصلاة  السلام وكأنَّه لم ير السيدة زينب إلاَّ فى هذه اللحظات، ولو أجهد الطبري نفسه قليلاً وقرأ عن حياة السيدة زينب لكان هو أولى بالرد على تلك الروايات ، وهكذا من الروايات التي أخذناها من الطبري وغيره مأخذ المسلمات ، ولذلك يجب أن ندقق النظر طويلاً في كتب مؤرخي الإسلام أكثر مما ندقق النظر في كتب أعداء الإسلام ، فهناك من المؤرخين المسلمين من زوروا تاريخ الإسلام بغير قصد أو بحسن نية، بينما أعداء الإسلام زوروا تاريخ الإسلام عن عمد وقصد.

ولعل أحد القرآء يقول أنَّ الطبري اعتمد على كتب سابقة عليه من كتب السيرة كابن إسحاق وغيره ، فلِمَ نلوم الطبري ؟

أرى هنا  أنَّ اللوم على الإمام الطبرى رحمه الله كان لابد أن نؤكده من خلال هذه السطور لأنَّه كرر رواية هذه القضايا غير الصحيحة من خلال نقلها دون فحص أو تدقيق، ولم يتعرض لها بالنفي أو النقد ، وليس القصد من كلامى أن نصادر تلك المؤلفات أو نمحوها من قائمة تراثنا الإسلامى، ولكن يجب أن نأخذ منها وبحذر شديد بشرط موافقتها للاصول الصحيحة وفقا لما جاء فى القرآن الكريم والسنة .

mohammedahmedkhalifa58@gmail.com

عن admin1

شاهد أيضاً

سعيد السبكي أضاف لموهبته في الصحافة والأدب مجال «الإرشاد النفسي»؟!

سعيد السبكي.. لماذا أضاف لموهبته في الصحافة والأدب إضافة جديدة بمجال «الإرشاد النفسي»؟! “سعادته الخاصة” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *