حرر عقلك | الدوغمائية و وجهة النظر

تحرير التوجهات الفكرية و النفسية و أثرها في تحقيق الذات الانسانية

تايم نيوز أوروبا بالعربي | خولة قريبي:

تعتبر الايدولوجيا منظومة متماسكة من الأفكار الحرة و الغير مقيدة, ففلسفة الحوار أو فن التحاور أو كما يعرف بالدياليكتيك هو من أساسيات التعرف على ما يجول في عقل الإنسان من أفكار و إبداعات فكرية، غير أن انغلاق بوابة تشارك الآراء و الأخذ و الرد في مصير أمر ما يعتبر من جهل الشخص و تحجر فكره, لان التمسك الذي يكون في الحوار و فرض الرأي من دون مناقشة لا يعتبر في الأساس حوارا, لان الشخص المحاور يكون في حالة فقدان لحاسة السمع و أخذا بدوغمائية الفكر و واقف على ناصيتها, و هنا لا استطيع إلا أن أقول بان العقل الحانق, الواعي, الراشد, لا يعطي لنفسه الأحقية المطلقة في التفكير وإنما التشاور في الأمور و التقصي الجيد لها تكون من أولى اهتمامات تفكيره لتوصله في النهاية إلى محك الوعي و التصرف الجيد, أما إذا اخذ فكره على انه هو أسمى فكر وبقي على ما يجول فيه دون إسقاطه على أمور و تجارب أخرى فحتما سيقع في فخ الدوغمائية المفرطة…

أما عن فئة أخرى التي تعتبر نفسها مناقشة و محاورة و تكتفي بتفسيراتها و لكن في النهاية تصل إلى القول بان كلامها وجهة نظر و فقط, فهذه الفئة اعتبرها أصعب و اعنت من ذي قبل فالأولى تدجج كلامها دججا و تذهب, أما هذه الأخيرة تكون واعية لما تقول جيدا, هدفها المراوغة فقط أو بتعبير أخر أرى بان تحجر الفكر قد يكون من عدم الفهم و الوعي و لكن وجهة النظر تكون من فهم و وعي, حينها يتحول التحجر إلى تصلب وتمسك مطلق من غير إفلات, فكيف لنا التعامل هنا مع أصحاب وجهة النظر أو التصلب الفكري؟ يبدأ حديثهم عادة بـ  “أقول قولي هذا ولا رجعة فيه”, هكذا تتم معالجتهم للمواضيع عامة كانت ام في مجالات مختلفة, بعد الاستماع لهم و لأحاديثهم المطولة عن “وجهة نظرهم” يكتفون بما قالو و يصدون باب النقاش ولا حديث بعده, الطرف الثاني هنا إن كان من أهل الثقة بالنفس و الحكمة يأخذ حديثه على كف الكلام و كفى, أما إن كان ذو حرارة و طاقة و مواجهة, فان الحديث يطور بعدها إلى مناظرة معقدة تشبه إلى حد ما مناظرات ذاكر نايك, حيث من الصعب هنا أن يتحول الفكر البشري إلى إرهاب أو يتحول إلى مرض نفسي لا علاج له, فالقفل الذي يغلق على مصراعيه على أمر ما يتعرض مع الزمن إلى الصدد و بعد ذلك إلى الصعوبة في الحل و الفك…

وبالرجوع إلى الفكر العربي الغابر, نجد أن للجدال فتوة في عصر الحجاج, فحسب بعض الأقاويل عن هذا المدخل فانه تميز بكثرة الحقول التي تتناوله كالفلسفة و المنطق و ألسانيات و نظرية التواصل و القانون و حديثا امتد الأمر إلى علم النفس وهذا ما أعطى له تسمية الجزمية (الدوغمائية). كيف لا والدراسات أثبتت بان الحجاج هو فعالية لغوية اجتماعية و عقلية غايتها إقناع المعترض “العاقل” بمقبولية رأي من الآراء و ذلك عن طريق تقديم له مجموعة من الأقاويل المثبتة بغرض فرض عليه الإقناع حتى و إن كان لا يتطابق مع فكره…

أعود أنا أدراجي إلى ما هو حكيم و بصير, و استدعي إن تطلب الأمر المخادعات العقلية, لان السحر في الكلام له هدفه و منحاه فالذي يغلبك بحكمته و نضرته الثاقبة سواء من الجانب الحياتي أو من الجانب الثقافي, كيف علينا هنا أن نصد له كلامه و هو كله درر, أو أن نفتح معه نقاشا إن كان مستوانا لا يتطلع و مستواه المعرفي… هنا نعتبر نحن إن لم نقل عن أنفسنا قليلي الفهم, نقل بأننا جلاء لا محال ولا نصح بان نناقش, و الغريب في الأمر أن هذه الأسطر التي استنتجتها عندما عدت أدراجي لا تتطابق و الفكر الدوغمائي, فهو رغم جهله يفتح نقاش مطول ولا يخرج منه حتى يتسلط على فكر من يبدوا لنا صاحب فكر…
لما لا نقول في النهاية كاستنتاج بان الدوغمائيين تسكنهم فكرة إثبات الذات و تحقيق اللذة و تعبيد طريق لفكرهم حتى يعمم و يؤخذ كقاعدة أو كنمط تفكير ألا يكون هذا وارد؟…

حرر نفسك… البراغماتية و التوجه الرأسمالي:
ينتقل فك القيود من العقل إلى الروح و النفس, فالحاجات السيكولوجية التي تدفع الإنسان إلى أن يكمكم على نفسه أحاسيسه الداخلية, و أن يمشي وفق مبدأ عدم المشاركة, فهذا يعتبر اختلال في التوازن النفسي, فكما تصد الدوغمائية الباب على أفكار الغير, تصد البراغماتية هي الأخرى طريق تبادل المنفعة العامة, و ترحب بالمنفعة الخاصة أو حب الذات, حيث تعتبر سلطة ثابتة على من تستهويهم الأعمال والمشاريع بهدف تحقيق الفعل على أسس منتظمة و مضبوطة, ليجد البراغماتيون أنفسهم بين زنزانة العمل الشاق طوال الوقت, لإنتاج ما يحتمل أن ينتج و ذلك لخدمة مطالب الحياة الخاصة.

أما عن منظوري الخاص فانا أرى بان هذا المذهب يدحض الشباب لهاوية التعذيب النفس و الذات, فالحياة لا تتطلب من الإنسان أن يكون عبدا لها, خلقنا فيها لكي نعيش لا لكي نعمل بشقاء و فناء أي “العمل من اجل العيش و ليس العيش لكي العمل”, أنا أقول قولي هذا ليس من باب النقيض أي الفكر (الوجودي) و إنما من باب الإنسانية فقط, فالبيئة لكي تثمر عليها بشباب منطقيين في تفكيرهم و في تحركاتهم العملية, لا تحتاج إلى روبوتات تسير وفق مبدأ ذرائعي معين,ووفق ما تقتضيه الخبرة أو التجربة, فحسبهم الإنسان يجب أن يكون دائم العمل و الحركة لكي تكون لديه الخبرة و الحنكة في عمله, و لكي يعرف مخابئ و دسائس كل شاردة و واردة فيه, و الخبرة هنا أساسها “التجربة” بما فيها السقوط و لوقوف مجددا على قدم و ساق من دون تذمر ولا كلل وملل و هذا كله لكي تكون حياتنا مبنية وفق مبدأ إجهاد الذات وتحقيق المنفعة الخاصة…

وحسب ذات الموضوع و تماشيا مع ما سبق ارتأيت بسط الموضوع أكثر و عرض صورته بشكل أوضح, فمن منا لا يعرف المذهب الرأسمالي الاقتصادي الذي ينادي بالعمل تحت شعار “دعه يعمل اتركه يمر”, و كان الطريق ملغمة بالمطبات حتى ينشئ هذا المذهب هكذا شعار و هذا إن دل على شيء فانه يدل على التوافق الفكري مع المذهب البراغماتي كيف ذلك؟ أقول و بكل بساطة و اندفاع بان الملكية الرأسمالية هي ملكية وسائل الإنتاج و رؤوس الأموال و هنا محط الفرس, حيث يعمل الشغيل أو العامل وفق مبدأ تحقيق المنفعة الذاتية و الدخل الفردي الخاص, متناسيا بذلك كل حقوقه في العلاج و التامين, منغمسا في روتين المصانع و المعامل الخاصة لذوي الشأن بشكل متواصل و حتى في أيام العطل, و ذلك لكي يحقق من خلالهم الربح و الدخل الخاص, لكي يستمر المصنع على حالته اولما لا يتطور أكثر فأكثر.

والمهم في الأمر أن لا يتعرض للإفلاس و السقوط, لان الأضرار بعدها تكون وخيمة و تتزايد على عاتقها مشكلة البطالة, و منه نلاحظ بان المنفعة هنا مزدوجة النظير فان طبقنا عليها الاستقراء المؤسساتي التي يعبر عن تدرج المهام من الرئيس إلى المرؤوس و العكس صحيح,وحقق هذا الانعكاس المنظم التوافق و الرضا فحتما ستكون المؤسسة الخاصة في تطور ملحوظ, أما إذا أهمل احد الأطراف عمله فستسود البيروقراطية داخل المؤسسة ليعمها التباطؤ في التنفيذ, و عرقلة الإجراءات, و يكون نهايتها الإفلاس… و تخوفا من هذا الكابوس المرعب يضاعف أصحابها العمل و لكن بطريقة ذاتية نوعا ما لان العملية هنا لا تكمن في التشارك بقدر ما تكمن في إثبات الذات و البقاء, فالعامل في الشركة الخاصة تتزايد في ذهنه فكرة الاستمرارية و عدم الوقوف, فيعطي أكثر وأكثر حتى و إن كان على حساب صحته و طاقته, ليعبد بذلك الطريق لمستقبل أفضل تحت جهود مضاعفة… هي إسقاطات لا غير حاولت أن أوضح من خلالها بان الإنسان قبل كل شيء يخمن في نفسه, فهو في الأخير غير منزل و هذا هو طبع بني البشر براغماتيين إلى ابعد حدود.

عن admin1

شاهد أيضاً

تذكروا أن يران غير عربية

كتبت | بلقيس حسن ليس دفاعا عن إيران فأنا اختلف معها في كثير من المواقف، …

تعليق واحد

  1. نسيمة طايلب

    أحسنت خولة … مزيدا من الإبداع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *