الكاتب أحمد يدك
الكاتب أحمد يدك

أحمد يدك يكتب | سر الطبخة

تايم نيوز أوروبا بالعربي – القاهرة | أحمد يدك:

ربما قديمًا كان أكثر ما يميز عالم الطهي، ذلك الأمر المتعلق بمستوي الكفاءة الذي يصل إليه الطهاة، والذي يُمكنهم من استخلاص السر الذي يحوي خبرة حياتهم المهنية، ثم لا يكون منهم بعد ذلك غير سعي كل منهم علي الحفاظ على هذا السر لأنفسهم، من أجل ضمان التميز والأفضلية لكل طاهٍ، كل في جانب خبرته.

ظل الأمر هكذا حتي جاء الوقت الذي شهدنا فيه التدفق المعلوماتي الكبير عن صيحات الطبخ وعن آخر ما توصل إليه الطهاة في فنون تحضير الأطعمة، فضلًا عن الشروحات المقدمة من مختلف المصادر المعنية بتناول هذا الأمر، من كتب ومجلات وقنوات تليفزيونية، إضافة لوسائل ووسائط التواصل الإجتماعي، بالشكل الذي أضحى معه مصطلح “سر الطبخة” من موروثات الماضي أمام كل ما سبق.

ورغم عدم اعتماد طهاة اليوم على هذا المفهوم، إلا أننا قد تأثرنا بشكل أو بآخر بأساليب الطهاة فيما بيننا، إذ يحاول كُلٌ منا بشكل حثيث استخلاص سر تميزه، أملًا في بلوغ مرتبة لا ينازعنا في بلوغها أحد! وما أن تطأها أقدامنا تخالجنا مشاعر الريبة والخوف من احتمالية مجاراة غيرنا لنا فيما وصلنا إليه!

ربما أتذكر على وقع هذا الحديث، قصة طاهٍ ذاع صيته في أحد البلاد، بفضل براعته في إعداد ألذ الأطباق وأطيب أنواع الطعام، وفي ظل حيطته الشديدة من تسرب سر إعداده للطعام وحيلته في الإحتفاظ بهذا السر لنفسه فقط، فقد فشل الطهاة الآخرين في مجاراة مهاراته الفريدة، إلى أن انتشرت أخبار هذا الطاهِ وأصبح اسمه مرادفًا للطعام الفاخر، حتى وصل الأمر إلى حاكم البلاد الذي أمر حاشيته بإحضار هذا الطاهِ إلي قصره، ومن وقتها باتت توكل إليه مهمة إعداد الطعام الملكي، وتم منحه لقب “كبير الطُهاة”، تكريمًا له خصوصًا بعد التحسن الكبير الذي طرأ على السُفرة الملكية من بعد الإعتماد عليه؛ حتى هذا الوقت الذي قرر فيه الملك تفقد رعيته للإطلاع على أحوالهم، وكان سوق المدينة أولى محطات جولته!

في أثناء الجولة داعبت أنف الملك رائحة زكية تُشي بأن هناك ثمة طعامًا شهيًا يتم إعداده، ومع تتبع مصدر الرائحة وجد الملك نفسه على رأس صاحب أحد المطاعم المتواضعة بأحد أزقة السوق، خلال قيامه بإعداد الطعام الذي سيبتاعه مرتادي السوق لقاء ما تجود به أنفسهم على صاحب المطعم؛ وما أن رأى الرجل مليكه واقفًا وسط حاشيته على ناصية مطعمه البسيط، سيطرت عليه حالة مشاعر الفرحة المختلطة باندهاش شديد من هول المفاجأة، للدرجة التي دفعته إلى توزيع كل كمية الطعام التي بحوزته على الملك وحاشيته وحراسته، وأبدى الملك في المقابل ترحيبه بمبادرة صاحب المطعم من باب المجاملة، وأخذ الملك يتفحص الطعام بحذر خشية وجود ما يلوثه، حتى قرر أن يأكل منه على سبيل التواضع، ولم يكد الملك يُنهِ ما يأكله إلًا وصدرت الأوامر بإحضار صاحب المطعم البسيط إلي القصر الملكي، بعد أن وقع أسيرًا لطيب مذاق صنيعه.

وقام الملك لاحقًا بتقليده منصب “كبير الطُهاة” بدلًا من الطاهِ سالف الذكر، بعد أن تمت تنحيته عن منصبه لصالح صاحب المطعم، وأصبح دوره مقتصرًا على إعداد الأطباق الجانبية، بعدما أصبحت مهمة صاحب المطعم في المُقابل تحضير الأطباق الرئيسية بالموائد الأساسية للملك وحاشيته.

الشاهد هنا..أن القاعدة الحاكمة للأشياء ليست بالتأكيد كم نحن بارعون وكم لدينا من الحيل التي نخفي بها أسرار براعتنا، بل هناك سر الأسرار الذي لا يُمنح سوى لهؤلاء الذين تنطبق عليهم علامات التوفيق الإلهي، والتي لا يعلمها سوي الله عز وجل! فإذا مُنح لأحدهم وُجهت له قلوب الملوك وطويت من أجلهم الأرض، ثم يصبح الكون بأسره خادمًا للإرادة الربانية في نزول نسائم الكرم وسحب الرحمة على هؤلاء من ليس لديهم أي سر من أسرار الطبخة!

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

تذكروا أن يران غير عربية

كتبت | بلقيس حسن ليس دفاعا عن إيران فأنا اختلف معها في كثير من المواقف، …

تعليق واحد

  1. امل عبدالحميد

    دايما فيه حاجة بين العبد وربه، الكرم من الله اولا واخيرا ودائما ما شاء الله نتيجة للجهد الى العبد بيعمله..ربنا يوفق الجميع امين يارب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *