مصر السيسي | عبء الديون خراب على البلاد والعباد!

مصر السيسي | عبء الديون خراب على البلاد والعباد!

كتب رئيس تحرير تايم نيوز أوروبا بالعربي | سعيد السبكي

حالة إغراق  مصر في الديون خلال عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتشابه نسبيًا مع وضعٍ كانت عليه في عهد ” الخديوي إسماعيل “، حينما اقترض في (الثمانية) عشر عامًا التي تولى فيها الحُكم نحو ثلاثة مليارات فرنك “120 مليون جنيه تقريبًا في عصره”! فما أشبه اليوم بالأمس؛ حيث إن ديون مصر في عهد الخديوي إسماعيل، التي استدانها  خلال مدّة حكمه؛ كانت الفائدة الاسمية للقروض آنذاك تتراوح بين 6 و 7%، ولكن فائدتها الحقيقية تصل في الواقع إلى: 12، و 18، و26، و27%؛ فقد كان الخديوي كلما أعوزه المال يستدين بفوائد باهظة جالبة للخراب، وزادت هذه الفوائد الربوية في أواخر سنة 1875 وأوائل سنة 1876؛ لاضطرار الحكومة إلى أداء أقساط الديون المُتراكمة وفوائدها، فكانت تتحايل للحصول على المال بأية وسيلة، ومنها الاستدانة بواسطة السندات على الخزانة بفوائد فاحشة، بالغة مهما بلغت، فكانت سائرة في سبيل الخراب لا محالة!! .

ولم تكن قيمة القروض تصل كاملة إلى الخزانة، بل كان أصحاب البيوت المالية والمرابون يخصمون منها مبالغ طائلة لحساب المصاريف، والسمسرة، والفوائد، وما إلى ذلك، ولم يكن” إسماعيل” يُدقق أو يُعارض في الحسابات التي يقدمها له الماليّون والسماسرة؛ فالقرض المشؤوم الذي عُقد سنة 1873 بلغ مقداره الأسمى 32 مليون جنيه، ولم يدخل منه الخزانة سوى 20,700,000 جنيه، منها أحد عشر مليونًا من الجنيهات “نقدياً” والتسعة ملايين “سندات”؛ بل ولم يتسلم من القرض الذي عقده سنة 1870 سوى خمسة ملايين فقط، وكان أصله سبعة ملايين، وقس على ذلك باقي القروض!! .

أتذكر كلمات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى بداية هذا العام؛ بقوله: “الأشقاء والأصدقاء؛ أصبحت لديهم قناعة بأن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى، وأن الدعم والمساندة عبر السنوات شكَّل ثقافة الاعتماد عليها لحل الأزمات والمشاكل” جاء ذلك خلال مؤتمر اقتصادي كانت قد عقدته السلطات المصرية، وأتذكر أيضًا أن تلك الكلمات أثارت الكثير من الجدل حول ما تَعنيه، والتساؤلات عما إذا كانت الدول الخليجية تخلَّت عن مصر في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تشهدها مصر حالياً، وتوقفت عن تقديم الدعم الذي اعتادته منها مصر خلال السنوات الماضية! الى متي تستمر كارثة الاستدانة..

يا سيادة الرئيس. الواقع كارثي!! ‏

لقد وعدتَ الشعب المصري بالازدهار،  لكن واقع الحال الآن في الشارع المصري يؤكد أن البلاد مُمزقة تمامًا . . انأ كنت أشعر بالأمل يا سيادة الرئيس لدرجة أن الزميلة ” إيمان الحصري” على “قناة المحور” اتهمتني بالانحياز لك أثناء حوار لي حول تحليل لغة الجسد خلال فترة ترشحك لرئاسة الجمهورية بداية عام 2014 أنت ومُنافسك فى حينه “حمدين صباحي”، الآن بعد مرور عقد من الزمن على حُكمك للبلاد لم يتحقق الازدهار؛ بل غرقت مصر في الديون الخارجية!! .

أثناء مُعظم شهور صيف عام 2013، كانت لدينا آمال كبيرة بعد الإطاحة بحكم ألإخوان المسلمين، وازاحة رئيسهم محمد مرسي، وكان المشهد في الشارع المصري مُبهج لدرجة كبيرة  بالتدخل العسكري ضد جماعة الإخوان المسلمين بعد الانتفاضة الشعبية ضد الزعيم القديم حسني مبارك في أواخر يناير 2011. ومع سجن مرسي واعتقال وهروب قادة جماعة ألإخوان المسلمين، وعدتَ سيادتك المصريين بقدوم أيام أفضل، لكن تفاقمت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وزادت تعقيدًا، وأنتجت حُكماً سياسياً أشد قسوة من فترة مبارك الذى انتفض الشعب غاضبًا، وأجبره على التنحي من الحُكم.

وكنت يا سيادة الرئيس تُطالب الشعب المصري بالصبر مرات، ومرات، مع تأرجح مصر من أزمة إلى أخرى؛ لكن بعد عقد من الزمن، لم تُكافئ المصريين على صبرهم، بل على العكس تمامًا؛ إذ كان من المفترض أن تنقذ مصر من وضع اقتصادي متردٍي! لكن بالله عليك يا سيادة الرئيس أسألك بأمانة: كيف تُقيم الوضع  الاجتماعي الاقتصادي في البلاد الآن؟!!!

لقد وعدت الشعب المصري بالازدهار، ولكن الأرقام الاقتصادية تشير إلى أن مصر تقترب من الإفلاس؛ فالإحصاءات مُخيفة، وقد بلغ معدل التضخم 37 ٪، ودولار واحد بات يساوي الآن 30 جنيها مصريًا (بينما كانت قيمته حوالي 7 جنيهات عندما توليت السلطة يا سيادة الرئيس). ويبلغ الدين الدولي للبلاد ما يقرُب من 163 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إجمالي ديون مصر إلى ما يقرب من 93 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في العام الحالي 2023. لقد صارت مالية مصر مثل لعبة وهمية، وتحريك الأموال بات واقعًا في محاولة عبثية لإخفاء الظروف الاقتصادية غير المستقرة في البلاد.

لقد ظل الرئيس السيسي يؤكد أن المحن الاقتصادية في البلاد هي نتيجة قضايا خارجة عن إرادته، لا سيما جائحة COVID-19، وغزو روسيا لأوكرانيا؛ ولا شك أن هذه الأزمات خلقت تحديات اقتصادية كبيرة واجهت صعوبة في إدارة بلدان كثيرة – بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية – ومع ذلك، من الواضح أن ما يحتج به السيسي بات “استراتيجية استطرادية” للتقليل من مسئوليته في المزيد من الفقر المدقع في مصر!

الديمقراطية لازمة.. لإصلاح الاقتصاد!

لقد انخرطت يا سيادة الرئيس في فورة إنفاق تغذيها الديون على مشروعات عملاقة، ليس لها سوى القليل من المبررات الاقتصادية، أكثرها فُحشًا هي العاصمة الإدارية الجديدة، والتي مازالت في مرحلتها الأولى فقط؛ ومع ذلك بلغت تكلفتها حتى الآن أكثر من 45 مليار دولار؛ عندما انسحبت الإمارات العربية المتحدة والصين من المشروع، اضطر المصريون لدفع الفاتورة عن طريق إضافة مبالغ ضخمة من الديون إلى الميزانية العمومية للبلاد. وبالإضافة  إلى “العاصمة الصيفية” الجديدة على الساحل الشمالي، ومحطة الطاقة النووية (في بلد مثل مصر بها فائض من الطاقة الكهربائية)، ومدينة مستدامة في دلتا النيل، وإحياء مشروع ضخم فاشل في عهد مبارك في المنطقة العليا، أُطلق عليه اسم: “توشكى”؛ ليأتي بعد ذلك افتتاح الطريق الالتفافي لقناة السويس – الذي أُطلق عليه اسم “قناة السويس الجديدة” – في عام 2015.

معظم هذه المشاريع ذات قيمة اقتصادية مشكوك فيها لكنها (لو كانت) مهمة من الناحية السياسية؛ لكان من المفترض أن تكون ذات مظاهر ملموسة لإعادة إحياء مصر تحت اليد الثابتة للنظام الجديد بعد الإطاحة برئيس ألإخوان “محمد مرسي “، ولكنا قد صدقنا الرسالة القائلة إن مصر لا يزال بإمكانها القيام بأشياء عظيمة، ولكن هذه المشاريع الضخمة قد أصبحت أعباء اقتصادية غير مستدامة على البلاد!! .

لا ينكر أحد أن كثيرين من المصريين كانوا يعملون في بناء هذه المشروعات، كما لا ننكر أن هذا عادل بما فيه الكفاية – ولكن بأي ثمن؟ تتحمل الحكومات مسئولية بناء البنية التحتية، ولكن بدا أن الفوائد طويلة الأجل باتت تفوق التكاليف قصيرة الأجل؛ لكلٍّ من الجسور الجديدة، والطرق، والتقاطعات، وتحديثات المطارات، ومترو الأنفاق! ربما كانت هذه المشروعات تستحق العناء – وقد فعلت مصر بعضًا من ذلك – بسبب العائد على هذه المشروعات؛ لما يُتوقع أن يؤدي إليه ذلك من ازدهار للنشاط الاقتصادي الأكبر والأكثر كفاءة. صحيح، قد يتناسب مع هذه الفئة من المشروعات طريق قناة السويس الالتفافي؛ ولكن العاصمة الصيفية (العلمين الجديدة)، والعاصمة الإدارية الجديدة عبارة عن” حُفر هائلة” من المال لا تملكها مصر!! .

ومن الصعب فهم أنه في غضون عقد من الزمن ، وفى ظل حكم الرئيس السيسي- الذي قام رعاته في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بإعادة تعويم الاقتصاد المصري بتحويلات نقدية مباشرة، والذي حصل على قروض من صندوق النقد الدولي بشروط ميسرة، والذي تمتع بسمعة طيبة بين حكومات غربية؛ استولت على دولة فقيرة، فجعلتها أكثر فقراً! وفي أحدث اتفاق لمصر مع صندوق النقد الدولي، وافقت الحكومة المصرية على بيع أصول الدولة، بما في ذلك الأصول التي يمتلكها الجيش، ومع ذلك كان هناك عدد قليل من المشترين، لأن هذه الأصول إما لا تساوي شيئًا، ولا أحد يعرف كيفية تحديد قيمة لها، أو أن المشترين المحتملين يجلسون في انتظار تخفيض آخر لقيمة الجنيه المصري؛ حتى يتمكنوا من الحصول على أي شركات عالية الجودة بأسعار أرخص،كما أنه في الآونة الأخيرة؛ أعلنت الحكومة عن مبيعات بقيمة 1.9 مليار دولار لأصول الدولة، وهو أمر إيجابي لكنه لا يفعل الكثير لتخفيف المعاناة الاقتصادية الواسعة الانتشار.

لقد انتفض المصريون عام 2011 لأنهم أرادوا: «عيش – حرية – كرامة – عدالة اجتماعية»، الأمر الذي لم يتحقق!! وبدلاً من الاستمرار في انتظار الازدهار الذي وعدت به حكومات الرئيس السيسي؛ يُهاجر المصريون بأعداد متزايدة؛ فكثير من التقارير  أكدت غرق قوارب الصيد المتهالكة  التي كانت تحمل حمولة زائدة قبالة سواحل اليونان، صحيح ربما كان هناك 300 إلى 350 مصريًا على متنها، إلا أنه على الرغم من زيادة عدد المصريين الذين يهاجرون إلى أوروبا عن طريق القوارب بعد انتفاضة يناير 2011؛ فإن العدد ظلَّ مُرشَّحاً للزيادة، وبشكل أكبر؛ في السنوات الأخيرة، ومنذ بداية عام 2023؛حاول أكثر من 6000 مصري الوصول إلى إيطاليا عن طريق البحر، فكانوا يشكلون ثاني أكبر مجموعة من المهاجرين الذين يأملون في الوصول إلى الشواطئ الإيطالية؛ وفي عام 2022 بلغ عدد المصريين حوالي 22000 مصري ممن يسعون إلى حياة أفضل عبر البحر الأبيض المتوسط، ومن المنطقي، بالطبع؛ أن تغادر أعداد أكبر من المصريين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهونها!! .

عبء الديون. خراب على البلاد والعباد!

يبدو أن حكومة مصر مستمرة في فتح باب الاستدانة، وهي استدانة لتسديد الديون، وهذه بحد ذاتها كارثة اقتصادية تدمر الوضع الراهن، وتهدد مستقبل البلاد والعباد، وللأسف الشديد تجعله مظلمًا، في ظل الإصرار على استمرار الاستدانة، وتوجيه نسبة كبيرة من الدخل القومي لتسديد الديون وفوائدها! وقد كشفت مصادر وثيقة الاطلاع أن حكومة القاهرة تستعد للحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي قبل نهاية العام الحالي بقيمة إجمالية تصل إلى 1.3 مليار دولار في إطار برنامج “الصلابة والاستدامة” الذي أطلقه الصندوق الدُّوَليّ لدعم نحو 70 بلدًا حول العالم تعاني حالة عجز في النقد الأجنبي!.

فقد أكد رئيس لجنة الخِطَّة والموازنة في مجلس النواب المصري ” فخري الفقي ” في حديثه لصحيفة “إندبندنت عربية” : إن “القاهرة طلبت من صندوق النقد الدُّوَليّ إرجاء المراجعة الأولى لبرنامج القاهرة مع الصندوق لتكون في موعد المراجعة الثانية في منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل”، مضيفًا أن “المجلس التنفيذي وافق على طلب مصر”.

وأشار إلى أن مصر ستحصل على نحو 700 مليون دولار كشريحة ثانية وثالثة من القرض بعد الانتهاء من المراجعة الثانية الشهر المقبل”!!

  • حاشية | كاتب التقرير لا ينتمي لأي جماعة أو مؤسسة سياسية ضد الوطن ولا يدعم أو يؤيد النيل من مصرنا لأنها أغلى وأثمن من أى شخص . . فقط نريد للوطن التقدم والازدهار . . نريد تحقيق الديمقراطية التي حلمنا بها فى 25 يناير 2011 . . تحيا مصر . . ونبقى نردد : عيش حُرية عدالة اجتماعية.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

سعيد السبكي حصل على وشاح ملكي بدرجة فارس من ملك هولندا

كتبت | هبه الابياري هي ليست قصة نجاح مصرية فقط بقدر ما هي تكريم وتقدير …

3 تعليقات

  1. شوقى سراج الدين

    راىع كالعادة

  2. بعد 30 سنة من إدارة تحتاج إلى إدارة جعلت من مصر هيكل عظمي ، وبعد غضب الشعب وعدم الرضاء بالاخوانجية لان الشعب رجال قبل النساء لا يريد ان يلبس الطرحة سواء تحت قناع الدين أو حيلة لسرقة الدولة جاء اردت أم لم ترد من سيقوم باعمال الترميم والصيانة وازالت الزبالة. ربما ظنت حكومة السيسي أن خزانة الخليج والسعودية والكويت مفتوحة على مصراعيها لمصر لأنهم يقضون امتع الأوقات بها الا أن الدين العربي اقذر ما تدان به.
    عبارة السلف تلف والرد خسارة التي تربينا عليها جميعا لم يضعها السيسي بالاعتبار. مصر اصبحت دولة عديمة الانتاجية وعديمة الشفافية في دخلها القومي.
    لن تتمكن مصرنا للأسف من اللحاق بموكب الازدهار والرفاهية ناهيك عن الديمقراطية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *