القائمة

تأملات في المرآة

غرفة الأخبار أسبوعين مضت 0 10.8 ألف

بقلم : ضحى أحمد الباسوسي

كانت تقف أمام المرآة، تراقب انعكاسها بصمت. ببطء، مدت يدها نحو صورتها لتلامسها برفق، كأنها تتفقد شبحاً غريباً تقف أمامه. خانتها عيناها، وتسربت منها دمعة دافئة لم تشعر بها إلا عندما لامست خدها الذي صار يحمل تجاعيد الزمن، تلك التجاعيد التي تسرد قصة الأيام التي مرت بسرعة البرق دون أن تنتبه لها. نظرت إلى نفسها بحسرة، وبتنهيدة تفيض من قلب مثقل بالأسى قالت: “هذه ليست أنا. هذا ليس جسدي، ولا هذه صورتي وملامحي الحقيقية. أين ذهبت تلك النفس التي كنت أراها في المرآة؟ كنت أعتقد أنني أعيش الحياة، ولكن يبدو أن الحياة هي من عاشتني وسرقت من شبابي دون أن أشعر. هذه الصورة التي أراها الآن لا تعكس حقيقتي.

كانت روحي يوماً ما كالشمس التي تتألق في السماء، تملأ الكون بنورها وتنثر الحياة في كل من يقترب منها، لكن تلك الشمس غابت في أفق بعيد، تاركة خلفها سماءً خالية من النجوم، وكأن النجوم أبت الظهور، خائفة من ليلٍ بلا قمر، ليلٍ تاه في متاهات الظلام الذي لا نهاية له. استمرت في الجلوس أمام مرآتها بضعة دقائق أخرى، لتغوص في أعماق تلك العيون التي لمعت يوماً بالأمل، والآن تعكس وجهاً أثقله الزمن بالعجز. بصرها لا يغادر انعكاسها الضعيف وهي تهمس بصوت يحمل في طياته ألف حزن: “كنتُ أعيش في جنة من الألوان الزاهية، حيث كان قلبي يعزف أنغام الفرح ويعانق دفء الحب. لم يكن للألم طريق إلى أبوابه، ولا للهموم موطئ قدم بين أركانه. كان قلبًا ينبض بالحياة والشغف، ممتلئًا بثقةٍ في الناس لم تلوثها خيبات الأمل.
كنت أظن أن العمر أمامي يمتد كالأفق، يتسع لكل أحلامي، يرحب بفرحي وحياتي التي رسمتها بألوان التفاؤل.
لكن.. الآن، صرت كمن أُغلقت أمامه أبواب الكلام، وتحطمت داخله كل جسور التبرير، التضحية، والحب، حتى جفت الدموع بداخلي. لقد أُفرغت روحي حتى آخر قطرة، تم استنزافي حتى رمقي الاخير، وصرتُ أتقدم في أيامي بلا شعور وبدون مبالاة، أتجاوز حزني، وأطوي أحلامي كما يُطوى كتاب لم يعد أحد يهتم بقراءته، حتى حاجتي إلى الكلام ذبلت، كغصن جاف نسيته الحياة، لم يعد فيه أي روح.

لا أُنكر إنني أحياناً أشتاق إلى تلك الطاقة التي كانت تجري في عروقي، وإلى تلك الخفة التي كانت ترفعني إلى فضاءات الحرية، وكأنني أطير بلا قيود، بعيداً عن كل ما يثقلني الآن.

ولكن، ما أنا الآن إلا ظل باهت لإنسان كان يوماً مشعاً بالنور. أتنقل بين الأيام وكأنني أجر خلفي عبء الزمن، أسير بلا وجهة سوى النجاة من يوم يلاحقني بيوم آخر. أعيش الحياة كمن يمر بها دون أن يلمسها، يرتدي عباءة من الصمت الثقيل، تخفي تحتها شوقاً عميقاً لتلك النسخة القديمة مني، تلك التي ضاعت في متاهات السنين. لقد أصبحنا غرباء، أنا وذاتي القديمة، لا هي تعرفني، ولا أنا أستطيع أن أتعرف على ملامحها التي تلاشت في غبار الذكريات.

كتب بواسطة

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

اترك تعليق

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *