بقلم | د. محمد العبد
لنتكلم بواقعية عن التظاهر في الوطن العربي بشكل عام وفي سورية بشكل خاص، نحن لا نعرف فلسفة التظاهر، ولا نعرف كيف نتظاهر إذ قليلاً ما نتظاهر، وأحياناً عندما نتظاهر نجد أنفسنا متظاهرين وقوات الأمن وجهاً لوجه في الشارع، وحينها قد تحدث أخطاء قاتلة، لأن المتظاهرين لا يعرفون آداب وكيفية التظاهر، وقوات الأمن لا تعرف كيف تتعامل مع التظاهر ودعاته. وباعتبار أن التظاهر حق للمواطنين، وهناك قوانين تنص على السماح بالتظاهر السلمي وحمايته، لذا كي نتظاهر بشكل سلمي وحضاري يجب علينا مراعاة مكونات مشهد التظاهر السلمي الذي يتألف من المكونات التالية:
1. المتظاهرون: عليهم قبل كل شيء اختيار قادتهم وممثليهم وتحديد شعاراتهم التي سيطرحونها بكل وضوح وإيجاز بحيث تكون شعارات تخدم مصالحهم التي لا تتعارض مع مصلحة وأمن الوطن والمواطن الآخر، ثم عليهم تحديد مكان وزمان التظاهر، وأن يتعهدوا بعدم وجود عناصر مسلحة أو مخربة بينهم، بعد ذلك عليهم أن يحصلوا على موافقة الدولة لأخذ العلم و تأمين الحماية اللازمة للمتظاهرين أثناء التظاهر. وعلى المتظاهرين بعد تظاهرهم السلمي وتقديم مطالبهم التريث و إعطاء الجهات المعنية الوقت الكافي للنظر في المطالب و شرعيتها.
2. الممتلكات العامة والخاصة: على المتظاهرين النظر إليها بأنها ممتلكاتهم سواء كانت عامة أم خاصة، ويجب عدم التعدي عليها بأي حال من الأحوال، و أن التعدي لا يجوز منطقاً و لا أخلاقاً ولا شرعاً، و أن التعدي عليها بالتكسير والتحريق يترتب عليه تدخل قوى الأمن لفض التظاهر، كما يستوجب المحاسبة القانونية لكل من يتعدى على هذه الممتلكات.
3. قوات حفظ الأمن: على قوات الأمن التعامل مع المتظاهرين على أنهم أبناء جلدتهم، وأنهم غير متآمرين ينفذون أجندات خارجية، بل يجب عليهم متابعة مسيرة المتظاهرين خطوة خطوة لتأمين حمايتهم، والاطمئنان على عدم دخول عناصر مخّربة بين المتظاهرين، ومنع الاعتداء عليهم من قبل الآخرين الذين قد يعارضون مطالبهم، و الحرص على أن المظاهرة تسير وفق برنامجها وما ألزمت نفسها به من شعارات و ضمانات وتعهدات بحماية الأرواح والممتلكات.
4. المواطنون غير المتظاهرين: على المواطنين من غير أولئك الذين يشاركون في المظاهرات عدم النظر إلى المظاهرات السلمية على أنها مصدر خطر على حياتهم و ممتلكاتهم، وأن المتظاهرين مرتزقة ومأجورين يجب على قوات الأمن قمعهم بأية طريقة. بل يجب النظر إليهم أنهم مثلهم في الوطنية لهم مطالب و حقوق قد تكون منسية و مغيبة، وأنهم تظاهروا لتحقيقها.
5. الإعلام: يجب على وسائل الإعلام المرئية والمقروءة و المسموعة عدم التعامل مع المتظاهرين على أنهم من كوكب آخر، وأنهم ظاهرة لحظية عابرة لا تستدعي الانتباه و التغطية الإعلامية وإن قلت أعدادهم، بل يجب على وسائل الإعلام التعامل مع التظاهر السلمي على أنه ظاهرة فعالة قادرة على التغيير الإيجابي، ويتحتم عليها تغطية التظاهر بشفافية و موضوعية.
إذا تمت مراعاة مكونات مشهد التظاهر هذه، فإننا نضمن تظاهراً حضارياً بكل معنى الكلمة، تظاهراً يحقق المطالب دون حدوث عنف أو شغب أو تعدي على الممتلكات أو نزف في الدماء والأرواح. وأعتقد أننا في وطننا أصبح لزاماً علينا تقبل التظاهر السلمي والتعايش مع هذا المولود الجديد، وأيضاً بات يتحتم علينا استثمار وتطبيق التظاهر بشكل إيجابي وفعال، إذ أنه في الدول المتقدمة ينظر إلى هذا النوع من التظاهر على أنه مستشار مجاني يقدم استشارة مجانية للحكومات، ولا ينظر إليه على أنه ظاهرة سلبية مرضية يجب استئصالها.