الكاتب الصحفي محمود الشربيني
الكاتب الصحفي محمود الشربيني

سؤال التقدم : الحوار الوطني والفصام الديمقراطي

بقلم: محمود الشربيني

 فى مصر – وبلادنا العربية والإسلامية -“خيبة الشيزوفرينيا بالويبة” ! تعرفون معني الشيزوفرينيا جيدًا، لكن المصريون العاديون أضافوا للصورة بعدًا آخر..عندما تباروا فى وصف تناقضاتهم وسخروا من أنفسهم – وحتي من وطنهم نفسه .. مصر .. مع شديد المحبة والاحترام والتقديس لها ولاسمها ولرسمها – فقالوا بدعاباتهم هم وخفة دمهم إنها “مصر كل حاجة وعكسها” .. حتى أن مطربة – أظنها ريهام عبدالحكيم – غنت مقطعًا كانت هذه الجملة تمثل كلماته نصًا .

مصر بلد كل حاجة وعكسها فعلا ..فمثلًا تجد الناس مشغولين بالدين جدًا .. الحجاب والنقاب والجيب والميكروجيب والميني ميكرو، والإسدال والكعب المتحني – وفستان رانيا من غير البطانة – ومشغولين بالروچ وأنواع أحمر الشفاة وكريمات تأسيس الوجوه وكيفية تورد الخدود .. والأظافر الطويلة التركيب بألوانها الفسفورية المضيئة، وفتحة صدر الفستان والشعر إن كان ملون بخصلات حمراء أو شقراء “مييش أو ماش معرفش الأصح تتكتب الزاي”.

وينتقدون كل وسائل الجمال والتجمل والموضة “ويلَسِنوا “على أصحابها ويتهموا نسائها فى شرفهم وإيمانهم .. ويصفوا أصحاب الشعر الطويل بالمخنثين رغم أنهم يحبون محمدا صلى الله عليه وسلم، ويعرفون أن شعره كان طويلًا وقدميه كذلك. لكنهم يسخرون منك حينما يجدون حذاءك مقاس ٤٧، ويضحكون على “المركب اللي أنت حاطه ف رجلك “! تجد الناس متدينين جدًا ويحبون الدين جدًا جدًا، لكنهم لا يؤمنون مثلا في الواقع بأن “الدين المعاملة”..فطبيعي جدًا أن محالًا كثيرة تفتح أبوابها على محطة القرآن الكريم وتغلقها عليها، وطوال النهار قراء القرآن يتناوبون على الميكروفون من كل حنجرة وصوت، وبعزم ما فيهم من قوة الحنجرة، ويفتحون الميكروفون على هذا الصوت، حتي وإن انفصلوا عنه كليًا، ،ومع هذا فهذا المحل لايتورع – إذا كان مطعمًا – عن أن يبيع لحوم الحمير، وإذا كان محل كبده أن يقدمها فاسدة، أما السجق فمنتهي الصلاحية، والبقالة تبيع البيفي واللانشون الذي جلبته من المصنع الذي يستخدم اللحوم الفاسدة ويكسبها مذاقات جديدة ويعيد تدوير منتجاته من الصناعات الغذائية الفاسدة ويقدمها كمنتجات جديدة للناس.

قال الله وقال الرسول تسود فى الجلسات العرفية، وفى مكلمات الناس اليومية، وبين كل جملة والأخرى يقوي الناس إيمانهم الزائف بكلمات “إن شاء الله وبسم الله ولاحول ولاقوة إلا بالله، صلى عالرسول، بينما الكذب والخداع لا ينتهي والجدال العقيم والتلفيق وكل شيء مستمر بقدرة تحسدهم عليها!
بلد الشيزوفرينيا الملىء بالتناقضات الصارخة وكل حاجة وعكسها والإيمان الذي ينتهي إلى أفعال الكفر .. وهكذا تكون “خيبة الشيزوفرينيا بالويبة”.

و”الويبة” هنا كانت من المكاييل والأوزان المستخدمة في الأزمنة القديمة، مثل الأوقية والرطل، وهو ما لم يعد مستخدمًا اليوم في ظل الربع والكيلو والطن، ونحو ذلك من مكاييل وأوزان.
تتوق مصر للعدالة والحرية واحترام حقوق الانسان، وتنادي بالديمقراطية وتفرح بالإنتخابات النيابية والمحلية ومع هذا لم تكن تنتفض ضد التزوير وتزييف إرادة الأمة. بل بالعكس كثيرًا ما كان البسطاء يبيعون أصواتهم لمن يدفع لهم خمسين جنيهًا أيام السادات ومبارك ثمنًا للصوت الإنتخابي، أو مقابل كراتين كاملة من السكر والزيت التي كان ينفقها الإخوان من أجل أن يكون لهم تمثيل كبير في البرلمان..آخر تمثيل لهم جلب اكثر من ٨٨ عضوًا في جولة أولى من إنتخابات ٢٠١٠ فما كان منه إلا أن قام “بتأميم بقية اللجان واستولى لحزبه بالتزييف والتزوير على كل الأصوات وجيرها لصالح الحزن الوطنى أو “حزن وداد” لافرق.

ومن ثم خرج بعد ذلك يتنطع ويقول على منتقديه “خليهم يتسلوا”، وتلك كانت المرة الوحيدة التى تسلى الناس فيها عليه رافضين تصرفه، وثاروا عليه في  ٢٥يناير المجيدة وأسقطوه، لكنهم بعد ذلك سلموا رقابهم للقوي الفاشية!
غريب جدًا أن المصريين الذين حلموا بعد إنتخابات ٢٠١٣ لم يحصلوا على ديمقراطية مختلفة، فنحن أمام غرفتين برلمانيتين لا لون لهما ولا طعم ولارائحة! لا يذكر أحد أن هناك إستجوابًا له قيمة قدم للبرلمان، أو سمح بمناقشته أو إذاعته على الهواء.

الإستجوابات النيابية عرفتها مصر قبل ثورة يناير وأسقطت وزراء وحكومات وربما مجالس شعب، يحدث هذا فى الديمقراطية الكويتية بامتياز، فرغم أن الكويت الغنية جدًا لا تختلف عن مصر الفقيرة – فى دخل مواطنيها – إلا أن الشعب الكويتي يعاني من ظاهرة شراء الأصوات، وهناك قبائل كاملة تبيع أصواتها لمرشح بعينة. وذات يوم كنت فى بيت مرشح كانت النقود مجهزة وتخرج على هيئة سلال من الشيكولاته أعطني صوتًا وتلق ظرفًا!
– بعد مبارك إنتخبت مصر مجلس نواب لا تخشاه الحكومة ولا تسأل أمامه ولاتناقش ميزانيتها أمامه ولاتحاسب من قبل نوابه  مجلس لا يهتم بالإستجوابات ولاتثمر الأسئلة ولا طلبات الإحاطة ! لماذا إنتخبتموه إذا؟!
-الرئيس يطلب أثناء “مائدة إفطار” إجراء حوار وطني بين الأحزاب و القوي السياسية ومكونات المجتمع المدني بعد أن وصل الوضع السياسي والاقتصادي إلى حد الاختناق! فعل الرئيس ذلك ووجه الطلب من مائدة إفطار وليس من مائدة الشعب (يعني بافتراض أن النواب هم ممثلي الشعب).

 لم تكن لتلك المنصة (غرفتي البرلمان المفترض أنهما تمثلان الشعب) أي قيمة وبالتالى لم يذهب اليهما الرئيس ولم يفكر بهما أبدًا. ومع هذا لم ينتبه أحد أي أحد إلى أن البلد الذي يتأبط الديمقراطية شكلًا لم يستخدمها حتى ظاهريًا فى مسألة الحوار الوطني.

كان واجبًا وقد وصلت البلاد إلى هذا الحد من الإعتلال والفشل أن الرئيس إذا كان يبحث عن حل لما وصلنا إليه ويخشى منه، أن يذهب إلى تلك المنصة، وأن يكون ذلك الذهاب وذلك الإعلان عن الحوار الوطني مرحلة بين مرحلتين!

كان عليه أن يصارح الشعب من أمام ممثلي الشعب – أيًا ما كان نوعهم بقى – بأننا وصلنا الى هنا إلى الحافة .. كان على الرئيس أن يذهب إلى الشعب ليتحدث إليه، ولكنه لم يره يومًا برلمان الأمة المصرية فعلًا..حتي الناس لم ينتبهوا .. لقد ذهبوا إلى اللجان واختاروا مجلسي نواب وشيوخ وعمليًا لايعترفون بهم .. إنها عودة إلى حالة الفصام المذكورة أعلاه، كان واجبًا الذهاب إلى المجلس وطلب إقامة الحوار الوطني المشار اليه كإعلان عن مرحلة بين مرحلتين. وأن المرحلة السابقة فشلت فيها – أو تكاد – السياسات القائمة والمتبعة حاليًا والتى أوصلتنا إلى ما نحن فيه .

– هذا الخطاب كان يجب أن يكون فاصلًا بين المرحلتين السابقة واللاحقة، فبين المرحلتين متغير جديد هو هذا الإعتراف الضمني – وكنت أرجوه صريحًا جدًا وواضحًا – بخطأ الأولويات القائمة .. وأن الهدف الإلتفاء حول سياسات جديدة الغرض منها فك الاختناق وإزالة الاحتقان القائم والسائد، وضخ دماء جديدة في شرايين الدولة لإحداث الاصلاح السياسي والإقتصادي الحقيقي .. وكان يتعين مطالبة الحكومة منذ البداية بأن ترد على إنتقادات القوي السياسية وأن تذهب للمجلس تطلب منه الثقة مجددا ولو ظاهريا!

– وكان على رئيس الحكومة أن يحترم الدستور والقانون ويذهب إلى مجلس النواب و الإدلاء ببيان بهذا المعني يشرح فيه ما وصلنا إليه، وكان عليه أن يضع إستقالته والحكومة أمامه وأمام الرئيس!

– ولأن أصعب مراحل الحوار الوطني كانت حول قضايا الحقوق والحريات والمعتقلين والمعتقلات، فقد كان من مقتضيات الإنصاف أن يذهب وزير الداخلية للإدلاء ببيان للتاريخ حول أوضاع السجون وأعداد المساجين السياسيين ومعتقلي الرأي ومن يوصفون بالمختفين قسريا فوحده يعلم الإجابات عن هذه الاسئلة.

– كان على الحكومة أن تحترم كل صغيرة وكبيرة فى المسرح السياسي، فكان على وزير البحث العلمي القائم بعمل وزيرة الصحة أن يقدم استقالته بعد السماح بهذا الظهور المفاجيء للوزيرة “المركونه” أو ” المجمدة” منذ ٧ أشهر ، لتملأ الدنيا صخبًا، بالتقاء أركان وزارتها فى روف منزلها وكأنها كانت متوعكة صحيا فقط، ولم تجلس في البيت فى أعقاب اندلاع فضيحة رشوة طالت طليقها وسكرتيرها .. وقيادات أخري من الوزارة!

كيف يسمح الرئيس بوجود وزيرين لوزارة فى وقت واحد.. وأحدهما يعمل والآخر…….؟ وزيران يمارسان العمل في وزارة واحدة أحدهما آصلي مركون عالرف، والآخر قائم بأعماله ولا يحق لأحد الاعتداء على حقوقه!
ثم هذا السكرتير المحظوظ فى الوزارة الذي أقام حفل زفاف تكلف ١٠ مليون جنيه .. هو مجرد موظف عام.. لكن من أين جاء بهذا المبلغ وهو خريج عام ٨٦ ولم يحدث أن كان له خال في البرازيل يرسل له نقودًا أو يرث عنه أموال!
وكله “كوم” – أو حمادة – وظهور الوزيرة المركونه هالة – والمرشح الرئاسي الممنوع من الترشح – أحمد شفيق في نفس حفل الزفاف، لنفس هذا السكرتير للوزيرة سابقًا كوم تاني.. أو حمادة تاني خالص .. هذا بجانب طليق الوزيرة الذي اتهم في قضية رشوة وفساد فى الوزارة.. ده حمادة تالت خالص!
– السؤال الأهم هنا.. هل نحن أمام حوار وطني أم فصام سياسي؟

عن زوايا الأخبار

شاهد أيضاً

سعيد السبكي أضاف لموهبته في الصحافة والأدب مجال «الإرشاد النفسي»؟!

سعيد السبكي.. لماذا أضاف لموهبته في الصحافة والأدب إضافة جديدة بمجال «الإرشاد النفسي»؟! “سعادته الخاصة” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *