بقلم – محمود الشربيني:
– شعبية الرئيس السادات ارتفعت بعد انتصار اكتوبر .. تغني به المصريون، ورفعوا صوره فى الميادين، وأطلقوا اسمه على الكثير من الاشياء..وليس وحده، وانما هو وزوجته وحتى شقيقة الطيار عاطف الذي استشهد فى المعارك.
كان طياراً شابًا وشارك فى الضربة الجوية، ورغم أنه لم يكن من أبرز رموز الشهداء، إلا أن المسئولين وجدوا أنه من اللائق – ربما تقديرًا لمنصب شقيقه الرئيس- إطلاق اسمه على ميدان رئيس في مدينة شبين الكوم، إحدى أكبر مدن ومراكز المنوفية، وزادوا على ذلك بأن صنعوا تمثالًا لعاطف السادات!
بصرف النظر عن أي ملابسات أخرى تتعلق بأفضلية شهيد على آخر، فإن المكان ظل لعقود شاهدا على البطولة المصرية، وقدم الميدان والتمثال صورة ذهنية لأبناء المحافظة وزوارها عن معاني البطولة والتضحية وانتصارات اكتوبر المجيدة.
لاشك أن موضوعات تعبير تناولت سيرة الشهيد البطل، كتبها تلاميذ وطلاب كانوا يمرون من أمامه ويستذكرون اسم الطيار الشهيد، وزملائه، ويتذكرون بالحتم النضال ضد المستعمرين، ووقائع الصراع العربي – الإسرائيلي والحروب التي خاضتها مصر ضد الكيان الصهيوني، ومجازر صابرا وشاتيلا وبحر البقر وضرب مصانع ابى زعبل بالنابالم..الخ.
كل البطولات المصرية والتضحيات كانت حاضرة فى تلك السنوات البعيدة، قبل ان ينهار التعليم في المدارس، مثلما انهار كل شيء متماسك قبل الحرب، من انتاج الابرة إلى الصواريخ وما بينهما من صناعات ثقيلة فى المجالات كافة.
بعد أن أبرم السادات صلحًا منفردًا مع اسرائيل سار الرئيس السادات “براحته” على مسار الرئيس عبد الناصر بأستيكة!
مسح ما أتيح له ان يمسح، وإن لم يتمكن من إزالة أنجازات عظيمة، بقيت تحمي الوطن حتى اليوم، درتها السد العالي وبحيرة ناصر، ومنها مصانع ضخمة وشركات متنوعة، لا تزال تمتلك أصولا بالمليارات، وتبيع منها الدولة ماتشاء بحسب خططها في البيع والشراء!
سياسات السادات الماحية لانجازات عبد الناصر اختزلت في ذلك التعبير العبقري للأستاذ بهاء “الانفتاح السداح مداح”.
فمنذ ان اتجه غربًا صوب الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وهو يغير وجه مصر، فخلع المصريون “الأوفرول الكاكي”.. وسهر الفلاحون حتى الصباح امام جهاز الفيديو، وانفتحت الشهية على ماك بيرجر ومكدونالدز والشيبس والكولا، وأصبحت الأولوية لتصنيع المنتجات الاستهلاكية، مثل اللبان والشمعدان..الخ.
ثقافة الاستهلاك انعكست على مختلف المجالات، في الفنون والتعليم وكل ما ينمي الذائقة الانسانية والوطنية للأجيال المتعاقبة ، وتمكن تجار الخيش والخردة من تسيد الأسواق، فأنتجوا الأغاني والأفلام الهابطة فخربوا الذوق العام، وغيروا القيم وخلخلوا الذاكرة الوطنية وباتت قيم البطولة والتضحية والفداء مجرد كليشيهات عديمة المردود فى نفوس التلاميذ والطلاب فى مختلف المراحل، ولم يعد التعليم والتعلم قيم يسعى اليها الا من رحم ربي.
حتى الاستشهاد والبطولات – التي استعادت ألقها وبريقها في السنوات الاخيرة، بفعل معاركنا مع الارهاب وضد قوي الشر والعدوان – تراجعت في سنوات السادات ومابعده.
الانتماء والوطنية وبذل الجهود لزيادة الانتاج كل هذا لم يعد يمثل شيئا فى الوجدان الجمعي..حتى جاء الدور على السادات نفسه ليدفع الثمن!
المسئولون فى المنوفية، قرروا إزالة نصب الشهيد عاطف السادات من الميدان، ومحو اسمه، والمفاجأه أنهم أطلقوا عليه ميدان باريس!
عادة مصرية قديمة كلما أتى فرعون محا اعمال سلفه المنحوتة تمجده ومازلت مستمرة.