بقلم – محمود الشربيني:
“سأقدم له عرضًا لن يستطيع أن يرفضه!”
ماريو بوزو مؤلف رائعة “العراب” في نسختها الأصلية المعروضة باسم: ( God Father – لعب الشخصية مارلون براندو – ثم آل باتشينو- ثم آندي جارسيا .. وفي الخلفية الممثل الكبير روبرت دينيرو وأخرجه فرانسيس فورد كوبولا) – هو صائغ هذه العبارة المبتكرة.
تذكرتها وأنا أفكر في مدخل هذا المقال الذي أظنه قد يلقى بعض الاستغراب! فساقدم عرضًا لن تستطيع رفضه..وان كان مختلفًا تمامًا، عن عرض ماريو بوزو، الذي يقوم على فكرة “إفعل كذا أو تَلّقى رصاصة في الرأس”! أما عرضي فيشبه ذهابك إلى طبيب يصف لك الدواء المر، وبالقطع لاتستطيع أن ترفضه !
فى هذا العصر أنت وحدك..كمريض معزول فى غرفتك..لا مستشفى يقبلك، ولا سريرًا خاصًا بك..ولا طبيب يقترب منك ولا ممرضة تلمسك..انت محاصر..لا تدعمك أسرتك أو حكومتك أو يسأل عنك برلمان بلادك! لايمكنك حتى طلب مساعدة صديق.
الدولة سحبت نفسها من الموضوع ، وانشغلت بفوادح أمور آخرى..بالرسوم تجبيها منك كل لحظة: عبور الطريق، الغاز، الكهرباء، المياه ،الزواج، الطلاق ، المواليد، الوفاة، المرور، والتراخيص وربما على الهواء..باستثناء الحب فقط..لأنه بالأساس خرج ولم يعد..ذهب مع الريح..بات تراثًا لا ينقب عنه أحد!
الدواء المر أو العرض الذي أقدمه ولا يمكنك أن ترفضه يعني قبولك لفكرة أنك “مالكش حد..وعليك تغيير أساليبك المعيشية بنفسك، والتعايش مع الغلاء الفاحش، حتي تنجو..تبحث عن الستر، ولاتريد أن تصبح مكشوفًا، ولا أن تُرّد يدك مغلولة إلى عنقك، عندما تمدها عن آخرها لصديق، فيردها عليك مقطوعة الكبرياء..عليك أن تتخلى عن كثير من الأمور..وتقبع في غرفتك، لاتشتري كتبًا، ابحث بمكتبتك القديمة عن بقايا مجلات سمير وميكي والشاطر حسن وصراع المماليك على الحكم، ومذبحة القلعة..وقصة القبض على سيد قطب منظر الاخوان وإحضاره للنيابة في شوال يشبه “شوال الرز” الذي نعرفه!
ويعني أن تحاول إصلاح “دِشَك ودُشَك بنفسك من دون الاعتماد على السباك، وأن تنتبه بكل حواسك لما يجري في بيتك: راقب تقشير البطاطس والبطاطا بحنكة..وعملية نزع القشرة الخارجية بنسبة فاقد قليلة..تابع مقادير الأرز بحكمة قبل طهيها منعًا لهدرها، اختر بحكمه نوع المعكرونة..لاداعى للكاتشب، استخدم معجون الصلصة، وحينما تنخفض أسعار الطماطم قم بشراء ٢٠” عداية قوطة “واعصرهم وكَيِّسهم ..لا تذهب للجزار وانما لكلية الزراعه واشتري اللحم السوداني بحوالي ٩٠ج للكيلو..يمكنك اللجوء للخبير محمود العسقلاني لأي استفسارات.
اختر الزيت والسمن الأجود والأرخص..زيت الزيتون الطلياني نار والمحلي يؤدي الغرض.
إشتري مقصاتك وبيض عجل عربيتك إستيراد..التوكيل يخدعك بقوله “لدينا الاوريجينال يابيه بتاع بلاده ويركب الصيني المكسح.
تابع أولادك من غرفة لغرفة..واغلق مفاتيح الكهرباء بنفسك.
اشتري كرنبك وقرنبيطك وفلفلك الأخضر من السوق وفاصل..لا داعى للزعتر على الجبنة..وتذكر أن قطعة صغيرة تباع بـ٤٠ج.
و..متاكلش سمك ولا بيض! وجرب خبز العيش البيتي، فأنت لوحدك كليًا..حرفيًا لاأحد معك! لا صديق ولا جار ولا حبيبة ولا حتى حكومة !
هذا عرضي للتعايش مع الغلاء الفاحش، و أرحب بأي مقترحات أخرى.