بقلم | محمود الشربيني:
هي لحظة خطر حقيقية، لا أظن- وبعض الظن ليس إثما كبيرًا- أن أحدًا لايشعر بها أو يخشاها! تأتي في ظل متغيرات هائلة، خاصة مع انسحاب الدولة من غالبية أشكال الرعاية التي كانت توليها للمواطنين.
حكومات ما قبل ثورة يناير كانت ترعى المواطن – أو تخشاه- بدرجات متفاوته، وفي زمن عبد الناصر امتدت الرعاية من المهد إلى اللحد.
اليوم لم تعد هناك خدمات مجانية، بل ترك الناس يخوضون معاركهم اليومية مع الغذاء والدواء والكساء والمواصلات والتعليم..الخ بمفردهم.
بحسب مااستقرت عليه “تقاليد الجباية” فإنه لا يحق لأحد التمتع بأي خدمات مالم يدفع ثمنها، ربما من دون أن تسأل الدولة نفسها: هل يحق لمواطنيها العاملين لديها أن يتعاملوا معها بنفس أسلوبها، فلا يقدمون لها الخدمات مالم تدفع لهم مقابلها ما يكفي احتياجاتهم؟
باحث اجتماعي نابه قرر أن يتابع حياة وأحوال الناس عن كثب وكأنه يتمثل الجبرتي العظيم مؤرخ مصر زمن الحملة الفرنسية (1798) كى يكتب عن أحوال الناس، أو ربما يتمثل المقريزى والسيوطي زمن العصر المملوكي، ومقارنة نظم الضرائب الحالية بنظام الالتزام في العهد العثماني.
نزل إلى أرض الواقع، ووفر ثمن البنزين – المتصاعد في الارتفاع – لسيارته المتهالكة، بفعل سوء الطرق الداخلية في المحافظات، فركب الاتوبيسات، والمترو، والميكروباص والقطارات، وأنصت إلى كلام الناس، من الدرجة الاولى إلى السبنسة!
تأكد أنه لاحديث للناس سوى عن هذه السياسات الممعنة في الايذاء، والانسحاب من أي مظهر من مظاهر رعاية المواطنين. حكومة فرائضها غائبة من الأسواق إلى الطريق العامة!
ولا حضور لها إلا فى مواقع جباية الأموال: الشهر العقاري، المرور، المصالح الحكومية لجمع الرسوم والدمغات، أما الشارع بكل مايجري فيه من موبقات فتركته للبلطجية وشاغلي الطريق الذي ضاق على العابرين، كما غابت عن المدارس والجامعات التي تستنفد الميزانيات، وعن محال بيع الغذاء، من الماركت الذي تنعدم فيه المعايير الصحية، إلى مطاعم ترتع فيها القذارة والمكونات الفاسدة، والأسعار الخيالية الحارقة الخارقة، حتى ضج الجميع بالشكوى.
لاحظ الباحث أن الناس باتت تحسب كلفة المصروفات اليومية من طعام وكهرباء وغاز ومواصلات وعلاج، وتبين أنه في ظل الحد الأدنى للمرتبات والذي يتراوح بين ٢٠٠٠ و ١٤٠٠ جنيه،يتأكد أن رب الأسرة يعاني عجزًا شهريا يبلغ ٢٨٠٠ جنيه، لأسرة من خمسة أفراد، بإجمالي نفقات أساسية لاتقل عن ٤٨٠٠ج.
وسأل نفسه بحسرة: من أين يغطون هذا العجز الرهيب في ميزانية تخلو من أي بنود للترفيه أو النزهة أو شراء الملابس أو العلاج أو حتى الطوارئ؟
تكمن لحظة الخطر هنا في أن الأفق مسدود، والأسعار تقفز بشكل مريع، في ظل الحرص المستمر على إلغاء الدعم، رغم أن سعر اللحم يقارب المائتي جنيه (بلغ ١٧٠ و ١٨٠ في بعض المحافظات) بينما لا نزال في بدايات الحرب الروسية الأوكرانية الأوربية، والتي يتوقع أن تستنزفنا إلى حد الاختناق!
وهكذا..حصاد الهشيم من نصيبنا، فيما يزداد الأغنياء تخمة، فدائمًا أغنياء ما قبل الحرب هم الأغنياء بعدها أيضا!
لحظة الخطر واجبة الحذر تكمن فى المشاعر الغاضبة التى تملأ صدور الناس، في ظل عدم اكتراث الدولة وغياب سياساتها الرشيدة لحماية مواطنيها خصوصًا فى الأوقات العصيبة !