القائمة

الطريق إلى لندن رحلة الأحلام | الحلقة الثانية

غرفة الأخبار 4 سنوات مضت 0 3.8 ألف

بقلم عبد الصمد الشنتوف

نحن في محطة مدينة فولكستون الان ، حشود بشرية ممتلئة بالامتعة مازالت تتدفق اتجاه القطار قادمة من المرفأ ، السائق يطلق عبر مكبر الصوت آخر نداء قبل الاقلاع ، حملت حقيبتي المتعبة واستقلت مقطورة من الدرجة الثانية ، ابحث عن مقعد قرب النافذة لاستمتع بالمناظر الخلابة ، لقد بدأت عملية استكشاف بلاد الانجليز من فلكستون ، جلست قبالة شاب عشريني انيق ويحمل ملامح صحراوية ، لا ادري لماذا يحدق النظر في حقيبتي كما يختلس النظرات الي بين حين وآخر .

 سألته : – هل انت عربي ؟ – تبسم وقال : كثير من الناس يسألونني هذا السؤال ، أبي نيجري ووالدتي إنجليزية – مرحبا بك ، انا من المغرب – آه ، لعبنا ضدكم منذ ثلاثة أسابيع ، كدتم تهزموننا . كانت اجواء مونديال 86 مازالت ساخنة وتخيم على الصحافة العالمية . – تيمومي لاعب ساحر ، سعدت بلقائك – وانا اعشق لينكر فهو لاعب ساحر ايضا . – هل انت سائح ؟ – نعم سائح وابحث عن الشغل في آن واحد . 

– بعد قليل سوف يمر القطار عبر مدينة كنتربري السياحية فهي تضم أشهر كاتدرائية بانجلترا . – شكرا لك سيدي ، عندما اشتغل واربح بعض النقود سوف اقوم بزيارة بيت شارلي شابلن وليت شكيبير بلندن . – لكن بيت شكسبير موجود بمدينة أخرى تسمى ستراتفورد – آه ، لم اكن اعلم ذلك ، شكرا على المعلومة . استمر القطار في سيره يشق طريقه نحو عاصمة الضباب ، سرعته لم تكن فائقة وبعد خمسين دقيقة وصلنا الى محطة ” شارين كروس ” . 

نزلنا من القطار فقمت بتوديع الشاب النيجري وشكرته على هذه الدردشة السريعة كما تمنى لي هو ايضا إقامة طيبة بلندن ، المحطة تعج بالمسافرين ، اصوات تصدح عبر مكبرات الصوت ، الناس تهرول في كل الاتجاهات وكانه يوم الفزع ، نساء ترتدي احذية بكعب عال تمر من أمامي مسرعة كالبرق وتحدث ضجيجا مزعجا ، روائح العطور تنبعث من ملابسهن فيشتم منها رائحة ككوكتيل من العطور الممزوجة ، رجال يرتدون معاطف وسترات أنيقة يلتهمون ساندويشات في رمشة عين ، واحيانا يركضون وراء المترو ، مشهد لم اتعود عليه من قبل ، وانا الذي سبق ان زرت مالكا وأليكانطي لكن لم أرى هذا الجنون ، هذه هي لندن مدينة لا تنام ، عاصمة المال والرأسمالية المتوحشة ، بدأت اشعر بالدوار من هذا الهول ، فانزويت الى مكان لبرهة من الوقت لالتقط انفاسي من جديد و أتأمل هذا المشهد السوريالي . 

توجهت نحو مكتب الارشاد وسلمت العنوان لموظفة جميلة شقراء ، اشارت علي بالتوقف عند محطة المترو ” غولدرز كرين ” . كانت ساعة الذروة السادسة مساء ، تسلقت المترو بعد تدافع وازدحام شديد ، الناس متلاسقة مع بعضها البعض الى حد التلاحم وكاننا في موسم طواف بالحج ، هذا يتصفح الجريدة ، وذاك منغمس في قراءة كتاب ، والآخر ينصت الى الموسيقى واضعا سماعات على أذنيه وهناك من يحدق في عيون عشيقته ويقبلها بين الحين والآخر ، أما انا فاراقب الجميع من وراء عمود حديدي يمسك به المسافرون . 

خرجت من القطار منهكا أجر حقيبتي ، وانا اتحسس جيبي و جسدي لعلي اجد كدمات من جراء هذا التدافع اللعين ، ضريبة لا مناص من تحملها ان رغبت في العيش بلندن ، هذا هو عالم السرعة والصواريخ الذي كنا نقرأ عنه في المجلات ، توجهت نحو مخدع الهاتف الاحمر الشهير ببريطانيا لاتصل بمنزل سي عبدالسلام ، – ألو ألو – ردت علي ارحيمو زوجته ، من معي ؟ – أنا عبد الصمد ابن الزهرة أخت الحاجة – أهلا و سهلا ، الحمدلله على سلامتك ، اين أنت ؟ – أنا واقف قرب بوابة محطة ” غولدرز كرين ” – اثبت مكانك و لا تتحرك ، سوف ارسل اليك ولدي منعم – شكرا بزاف للا ارحيمو – بدى الطقس باردا شيئا ما ، بعد نصف ساعة وصل منعم ، شاب ذو بشرة قمحية لا يتجاوز عمره ستة عشر سنة ، شعره مجعد وتبدو على محياه ملامح الحيوية والذكاء ، استقلنا الحافلة اللندنية الحمراء المعروفة بطابقين ، وتوجهنا نحو المنزل ، شقة متواضعة في الطابق الثاني ، سلمت على سي عبدالسلام أولا الذي بدى مبسوطا ، ثم للا ارحيمو ثانيا وكانت في غاية اللباقة وحسن الضيافة ، وكان معهم ابنهم الثاني أنور الذي يصغر عن منعم بخمس سنوات .

جلسنا في الصالون وكانوا يسألونني كثيرا عن أحوال الحاج وخالتي ، حكيت لهم عن قصة الامتحان الشفوي عند شرطة العبور فقالوا لي كنت محظوظا لاننا كنا متواجدين بالبيت عندما اتصلوا بنا عبر الهاتف ، مبروك عليك أولدي أردفت ارحيمو : انت مرضي الوالدين ، شكرا لك سيدتي انا ممتن لكم جميعا وسعيد بتواجدي هنا معكم ، لقد تحققت رحلة الاحلام بنجاح . فردت : مرحبا بك ، هذا واجب وسوف نقوم بمساعدتك ، نزلت علي هذه العبارات كبرد وأمان ، فعلا كانت امرأة رائعة و طيبة . علمت بعد ذلك انها وزوجها ينحدران من بلدة بوهاني قرب سوق السبت باقليم العرائش ، امرأة عصامية تعلمت القراءة والكتابة عند مجيئها الى انجلترا ، وتشتغل باحدى المستشفيات العمومية شمال لندن ، بعد ذلك تناولنا وجبة العشاء على طاولة المطبخ ، مأكولات طازجة متنوعة على شرف ضيفهم الجديد الذي لم يسبق أن رأوه من قبل ، كانت امرأة في غاية اللطف وحسن الكرم . قرأت في وجهي للا ارحيمو ملامح العياء والتعب من جراء الرحلة الطويلة ، فأشارت على ابنها منعم ان يأخذني واتقاسم معه غرفة النوم ، فخلدت لنوم عميق مستحضرا فصول رحلة الاحلام في مخيلتي ، لابدأ غدا حكاية أخرى وسط عاصمة الضباب …يتبع… محبتي للجميع من الحجر الصحي بطنجة 18 ماي 2020 /

كتب بواسطة

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

اترك تعليق

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *