بوتين وبايدن

أحمد شوقي يكتب | ريمونتادا روسي بالبحر الأحمر!

القاهرة | تقرير يكتبه – أحمد شوقي 

يبدو أن العالم علي موعد لمتابعة شوطًا مُثيرًا من التباري علي النفوذ بين الغريمين التقليديين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، تتجه فيه دفة الطرفين صوب مواقع مختلفة للتنافس، فيما تُعقد آمال كل فريق من القوتين الأبرز بالنادي النووي لحسم النهاية لصالحه، والتي لن تأتي صافرتها لتعلن انتهاء وقائع المباراة فحسب، وإنما النهاية الحتمية لكوكبنا السعيد!

تتجدد نذر التوتر بين روسيا وأمريكا، فيما تمر الذكري السابعة لضم شبه جزيرة القرم إلي روسيا، والتي تكشفت ملامحها في الإجراء الذي اتخذته موسكو بسحب سفيرها من واشنطن للتشاور، بعد التصريحات التي أدلي بها الرئيس الأمريكي بايدن لإحدي القنوات الأمريكية، أمس الأربعاء، والتي وصف فيها الرئيس الروسي بوتين بـ”القاتل”، وهو ما اعتبرته موسكو إساءة بحقها.

تصعيد روسي-أمريكي يأتي وسط مخاوف من تفجر الأزمة التي ستصيب شظاياها ملفات مثل أمن الطاقة والأمن الملاحي الدوليين، ما يفسره المُضي الروسي في التمسك بكون روسيا رقمًا مهمًا في معادلة الطاقة بأوروبا، يقابلهم مساعي أمريكية توافقت فيها الإدارة الجمهورية السابقة مع إدارة الديمقراطيين الحالية علي إفقاد الروس لهذا الدور الذي يوفر لهم نفوذًا ذي جدوي اقتصادية واستراتيجية في آن واحد، الأمر الذي سيعززه زيادة الإعتماد علي إمدادات الطاقة من روسيا، وهو ما سيتحقق جزء كبير منه بعد اكتمال بناء خط أنابيب الغاز “السيل الشمالي-2″الذي وصلت نسبة إنجازهإلي90%، ويجري حاليًا تنفيذ المرحلة الأخيرة منه.

الإشتباك الروسي-الأمريكي في ملف الطاقة أتي مدفوعًا بالتأثيرات السلبية علي مبيعات الغاز الأمريكي المُسال إلي أوروبا، الذي يواجه منافسة شرسة من الغاز الروسي من ناحية التكلفة والنقل، ما يُعطي أفضلية للغاز الروسي، وهو ما يفسر الرغبة الأمريكية في حلحلة الوضع في شرق المتوسط إيذانًا ببدء استخراج ثروات الغاز وتصديرها لأوروبا.

الإلتفاف الأمريكي علي التمدد الروسي لم يقتصر علي ملف الطاقة وحسب، إذ انسحبت مؤخرًا 18 شركة أوروبية من تحالف الشركات المنفذة لمشروع خط أنابيب “السيل الشمالي-2” تخوفًا من التعرض للعقوبات الأمريكية، وإنما يشمل أيضًا العمل علي نقل الإضطرابات إلي الحدود الروسية عبر العمل علي تنفيذ إحدي نُسخ “الثورات الملونة” في بيلاروسيا، الدولة الحليفة لروسيا، والتي لم تشهد أي نجاح حتي اللحظة، فضلًا عن محاولات إشعال الوضع في الدونباس عبر تجديد النزاع في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك المعلنتين من طرف واحد، يأتي هذا بالتوازي مع الإستثمار الغربي في مشروع “نافالني” لتأجيج الوضع الداخلي في روسيا، حيث عكس التعامل الروسي مع الأمر إلمامًا جيدًا بأبجديات التصدي لهذا الجيل من الحروب غير النمطية.

كل ما سبق كان مبررًا لانتقال بوصلة الصراع نحو وجهة جديدة، يعكس التحسب الروسي من تحول التوتر بينها وبين الغرب إلي مرحلةالصدام المباشر، حيث وقع الرئيس الروسي في 16 نوفمبر الماضي، اتفاق إنشاء قاعدة دعم لوجيستي بميناء بورتسودان المٌطل علي البحر الأحمر، الذي يقع علي طريق تدفقات الطاقةوالتجارة الدولية، الأمر الذي يمكن التكهن علي أساسه بسيناريو روسيا المتوقع اللجوء إليه إذا ما وقع الصدام بينها وبين الغرب.

وللدلالة أكثر علي هذا السيناريو يجب أولًا الأخذ في الإعتبار طبيعة القاعدة المُزمع إقامتها، وهي قاعدة دعم لوجيستي تُعني بمسائل صيانة وتموين السفن التي تعمل بالطاقة النووية، كما سيصبح من السهل تبديل طواقم القطع البحرية عبر طائرات الجيش الروسي التي يعطيها الإتفاق الحق في الهبوط بالمطارات السودانية لنقل الجنود والعتاد من وإلي القاعدة، وهو ما يعني أننا سنشهد نشاطًا للبحرية الروسية بمسرح عمليات البحر الأحمر والمحيط الهندي، وهو طريق تدفق إمدادات الطاقة والتجارة العالمية كما سبق ذكره.

الغرب من جانبه تلقي الرسالة الروسية من وراء إقامة القاعدة بأن فاتورة الصدام مع الروس ستكون تكلفتها مرتفعة للغاية، قد تصل إلي تعطيل حركة التجارة الدولية ووقف إمدادات الطاقة من الخليج المزود الأهم للطاقة في العالم، الأمر الذي يُمكن قراءته بسهولة بين السطور في بيان قوات الـ”أفريكوم” – القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا – الذي تم التعليق فيه علي زيارة السفينة التابعة لإدارة النقل العسكري الأمريكي USNS CARSON لميناء بورتسودان السوداني في 24 فبراير الماضي، وهي أول سفينة أمريكية تزور السودان بعد انقطاع 30 عامًا.

تأتي زيارة السفينة الأمريكية التي رست علي الرصيف الشمالي الشرقي بميناء بورتسودان، عقب زيارة مسئولين رفيعي المستوي من القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، التي يقع مقرها علي خليج عدن بدولة جيبوتي علي بعد 1000 كيلو متر إلي الجنوب من بورتسودان، شملت الأدميرال هايدي بيرغ مدير المخابرات بالقيادة الإفريقية بالبنتاغون، حيث رست بعدها وفي نفس الميناء أول سفينة حربية روسية ترسو علي سواحل السودان المدمرة الأدميرال جريجوروفيتش، تحمل علي متنها 300 بحار روسي، لترسو بعدها بأيام بالميناء ذاته المدمرة الأمريكية USS WINSTON S. CHURCHIL التي تعمل بالصواريخ الموجهة، حيث علق القائم بأعمال السفير الأمريكي بالخرطوم علي الزياة بأن هذه هي المرة الثانية التي ترسو فيها سفينة أمريكية علي الميناء ذاته وفي نفس الأسبوع، الأمر الذي يسلط الضوء علي رغبة الجيش الأمريكي في تطوير العلاقات مع الجانب السوداني، وفق بيان السفارة الأمريكية بالخرطوم.

وربما يفصح أكثر عن التطور الدرامي في مجريات الأحداث نوعية التمرينات العسكرية التي تُجريها بحريات الناتو مثل فرنسا وإسبانيامع القطع البحرية التابعة للأسطول الجنوبي المصري بمسرح عمليات البحر الأحمر، والتي اشتركت جميعها في ذات الهدف وهو التدريب علي حماية الأهداف الحيوية بالبحر، كما أعلن المتحدث العسكري المصري، بالأمس،عن إجراء تدريب بحري مع الجانب الأمريكي بالبحر الأحمر، والذي شهد نفس الأنشطة التدريبية.

وإذ يأتي الإتفاق السوداني الروسي لإقامة القاعدة سالفة الذكر في مقابل تزويد السودان بالأسلحة والتكنولوجيا العسكرية الروسية، الأمر الذي تُبدي فيه روسيا مرونة أكثر من المُزود الأمريكي الذي يتقيد بالمحاذير المتعلقة بضمان التفوق الإسرائيلي، فيماتظهر أهمية الدور المصري باعتباره ورقة رابحة كون مصر تحتضن المجري الملاحي الأهم في العالم، أما عن موقف مصر فيجيب عنه تأسيسها لسياسة عدم الإنحياز في ستينيات القرن الماضي، وهو التوجه الذي تؤسس عليه الإدارة المصرية علاقاتها مع الجميع لتحقيق مصالحها بعيدًا عن التبعية لأي طرف من الأطراف.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

  إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية | أيرلندا تتدخل بعد جنوب أفريقيا

لاهاي | خاص  علمت ” تايم نيوز أوروبا بالعربي ” أن أيرلندا تخطط أيرلندا “للتدخل” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *