القائمة

“يا حمام بتنوح ليه” (٢): مطرب يسبح ضد التيار الرئيسي

غرفة الأخبار 5 سنوات مضت 0 3058

بقلم : ياسر الزيات

قلت إنني لا أريد المقارنة بين محمد حمام ومحمد منير، لأن في ذلك ظلما لكليهما. وما أوردت ذكر منير في ما كتبته عن حمام، الأسبوع الماضي، إلا لأنني أردت أن أمد الخط على استقامته، ليعرف من لم يكن يعرف حمام حجم تأثيره في الأجيال التالية من المغنين. وظني أنه لولا ظهور محمد حمام لما كان لمطرب مؤثر، أنا أحد مستمعيه، هو محمد منير، أن يظهر، ولا أن يتصدر قمة الساحة الغنائية في مصر لسنوات طوال، وهذا كل ما أردت أن أظهره. والفارق بين حمام ومنير، بدون اعتبار ذلك نوعا من المقارنة، هو أن الأول فشل في أن يكون جزءا من التيار الغنائي الرئيسي، فيما نجح الثاني في ذلك، مع وضع العوامل التاريخية في الاعتبار.
عندما ظهر محمد منير في نهاية السبعينات من القرن الماضي، كان التيار الرئيسي في الغناء المصري، قد ذبل أو أوشك على الذبول. مات عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفريد الأطرش، وفقد عبد الوهاب كثيرا من عنفوانه، ولم يتبق سوى ذيول النهر عند المصب: هاني شاكر وجيله من الشباب، ممن حضروا أواخر أيام عمالقة الغناء. وفي الوقت نفسه، لم يكن هناك من يسد الفراغ الذي تركه العمالقة ممن عاصروهم، واكتفوا بما تبقى لهم من ظلال، ولم يتقدم أحد لاحتلال أماكنهم، ولم يكن لهم أن يتمكنوا من ذلك، لأن المزاج العام لم يكن يرى نجوما غير الذين اعتاد عليهم، ولم يكن له أبدا أن يرفع نجاة أو وردة أو شادية مثلا إلى مقعد أم كلثوم، أو هاني شاكر إلى مقعد عبد الحليم. وهنا، في ذلك الوقت، كانت الساحة مهيأة لتغيير جذري في الأداء، وفي التلقي، فظهر محمد منير وجيله.
كان الوضع مختلفا عندما ظهر محمد حمام على الساحة الغنائية، في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي. كان التيار الغنائي الرئيسي في أوج عنفوانه، وقادته مستقرين تماما في مقاعد نجوميتهم، لا ينافسهم عليها أحد سوى بعض مطربي ومطربات الظل، الذين اكتفوا بمقاعد الدرجة الثانية، رغم قدراتهم الفذة، راضين بما يجود به عليهم الكبار من بقايا نجومية. في ذلك الوقت، ظهر حمام بصوته الخشن الدافئ غير المعتاد، البعيد عن تطريب أعاده عبد الوهاب إلى الساحة، ليقطع مسيرة الشيخ سيد درويش نحو التطوير، فهل ظهر حمام في الوقت الخطأ؟ هل كان عليه أن يعاصر الشيخ سيد، ليشكلا معا تيارا رئيسيا موازيا لتيار التطريب والأصوات المتأوهة الناعمة؟
كانت هناك حاجة سياسية لصوت حمام، ولموسيقاه، عند ظهوره. ولم يكن بإمكان تلك الأصوات المتأوهة الناعمة أن تلبي تلك الحاجة إلى صوت خشن دافئ قوي، فيه حس أبوي ما، وقادر على احتضان شعب بأكمله، خرج لتوه من هزيمة مريرة. وفوق ذلك، كان المصريون في حاجة إلى صوت نظيف سياسيا، لم يرتبط بالدعاية للنظام الذي قادهم إلى هذه الهزيمة، وكان وحده مسؤولا عنها. كما أن صوت حمام، علاوة على ذلك، كان قادما من السويس التي كانت تقاوم وحدها العدوان الإسرائيلي ببطولات فدائيين، يمسكون البندقية بيد، والسمسمية باليد الأخرى، يقاتلون ويغنون، ويحيون الأمل بالغناء للنصر القادم لا محالة. كانت الأرض مليئة بالركام والأنقاض وبقايا القنابل، وكان المصريون في حاجة إلى أمل خال من الأكاذيب السياسية، وصوت يتألم مثلهم، لكنه يرتفع بالآلام ليصنع منها آمالا تعطيهم القوة، وكان هذا صوت محمد حمام. لكن يبدو أن ظهور حمام لم يعجب “مطرب الثورة” عبد الحليم حافظ، الذي ربما أحس بتهديد ما من صعود هذا المغني النوبي الجديد.
..وللحديث بقية.

كتب بواسطة

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

اترك تعليق

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *