كتب : سعيد السبكي
أعرب اللاجئون من مُختلف الجنسيات في هولندا لاسيما العربية من – اليمن وسوريا والسودان – وغيرهم عن قلقهم البالغ إزاء إعلان الحكومة الهولندية اليمينية تشديد قوانين الهجرة والتجنيس التي وجدت ترحيب من غالبية الأجهزة السياسية الهولندية، حتى إن ملك هولندا ” فيليم ألكسندر ” قد أعلن فى خطابه السنوى الخاص بالميزانية وعرض الخِطَّة السنوية لبلاده ” أن هولندا لم تعد تتحمل مزيد من أعداد اللاجئين.
بما في ذلك رفع فترة الإقامة المطلوبة للحصول على الجنسية إلى عشر سنوات، وتجميد معالجة طلبات اللجوء لمدة تصل إلى عامين، وتقليص إجراءات لم الشمل بشكل كبير. يأتي ذلك ضمن إعلان الحكومة “حالة طوارئ خاصة باللجوء”، تهدف إلى الحد من تدفق اللاجئين إلى البلاد.
وقد أعلنت الحكومة الهولندية اليمينية الجديدة برنامجها الحكومي الرسمي حول الهجرة واللجوء، والذي يتضمن “قوانين صارمة” للحد من تدفق اللاجئين الذين يشكل السوريون معظمهم، وسط انتقادات لاذعة من المنظمات الحقوقية والإنسانية.
ونشرت الحكومة الهولندية على موقعها الرسمي البرنامج الحكومي الذي ستعمل على تنفيذه خلال السنوات الأربعة القادمة. وحملت الحكومة في برنامجها اللاجئين معظم مشاكل البلاد وقالت إن “هولندا لا تستطيع التعامل مع الأعداد الكبيرة من المهاجرين: ملاجئ اللجوء مكتظة، والإجراءات تستغرق وقتاً طويلاً والتكاليف مرتفعة للغاية.. ويؤدي استمرار تدفق طالبي اللجوء إلى مشاكل في مجالات الإسكان العام والرعاية الصحية والتعليم”، وتقول الحكومة إنه “من أجل استعادة السيطرة على الوضع، تطبق هذه الحكومة نظام اللجوء الأكثر صرامة على الإطلاق، وفقا للبرنامج الحكومي”.
وقالت وزيرة الهجرة واللجوء مارولين فابر، “لقد أعطى الناخب أمراً واضحاً.. يجب تغيير الدفة وتقليل التدفق.. نحن نتخذ تدابير لجعل هولندا غير جذابة قدر الإمكان لطالبي اللجوء.. ولا مكان هنا لأي شخص يسيء إلى إستقبالنا له.. سأسعى لأجل هولندا أكثر أمناً”.
خشية أزمة لجوء. هولندا تعمل للتحول لدولة غير جذابة للهجرة
من المُقرر أن تعلن كل من وزيرة اللجوء والهجرة ورئيس الوزراء عن “أزمة اللجوء” في أقرب وقت ممكن، ما يعني أنه من الممكن اتخاذ مزيد من التدابير الفورية للحد من تدفق طالبي اللجوء وسيتم ذلك دون الحاجة إلى الحصول على موافقة مجلسي النواب والشيوخ أولاً، ثم يأتي القرار لاحقًا.
قيود وسعي للخروج من قوانين الهجرة الأوروبية
ومن المقرر أن تقدم الحكومة الهولندية طلبا رسميا للاتحاد الأوروبي بهدف الحصول على “الخروج الاختياري” من قوانين الهجرة واللجوء الأوروبية الأمر الذي يعني حصولها على “وضع استثنائي”.
وبحسب البرنامج الحكومي يمكن للحكومة أن تُحيد قانون الأجانب، كما لم يعد بإمكان الآباء لم شمل أبنائهم البالغين فوق سن 18 ويتم تقييم الحقائق والظروف الجديدة في طلبات اللجوء المتكررة بشكل أكثر صرامة.
كما سيكون هناك أيضًا خيار لرفض طالبي اللجوء الذين لا يحضرون جلسة الاستماع أو الموعد خلال إجراءات الحصول على تصريح الإقامة.
وبعد صدور “قانون أزمة اللجوء”، ستسحب الحكومة قانون توزيع طالبي اللجوء على البلديات، وسيتم تجميد القرار بشأن طلبات اللجوء لمدة عامين، ويتم تقليص الاستقبال كما سيتم ترحيل الأشخاص الذين ليس لديهم تصريح إقامة قسراً إذا لزم الأمر.
وفيما يخص لم الشمل ستكون هناك شروط صارمة، فلن يستطيع اللاجئ لم شمل أسرته ما لم يكن لديه منزل ودخل مناسب ومقيما منذ عامين على الأقل في البلاد.
كما لن يحصل طالبو اللجوء تلقائياً على تصريح لجوء لفترة غير محددة بعد 5 سنوات، وهذا يعني أنه يجب عليهم العودة إلى بلدهم الأصلي بمجرد أن يصبح الوضع آمنًا هناك. وسيسمح بترحيل طالبي اللجوء الذين يرتكبون جرائم بسرعة أكبر، وفق البيان الحكومي.
تصعيب إجراءات التجنيس في هولندا
وفيما يخص التجنيس ستقوم الحكومة بإجراءات تُصعب الحصول عليها حيث سترفع مستوى اللغة المطوبة من A2 إلى B1 إضافة لرفع المدة الزمنية التي يتوجب أن يقيمها اللاجئ في البلاد من 5 سنوات إلى عشر سنوات.
وستقوم الحكومة أيضًا باقتراح لتعديل قانون الإسكان بهدف منع إعطاء أولوية للاجئين للحصول على مسكن.
وفي غضون ذلك، ستعمل الوزيرة فابر وفق البرنامج الحكومي “مع الدول ذات التفكير المماثل في أوروبا وسيتم تعزيز مراقبة الحدود”.
وبحسب تقارير إعلامية لا يجوز للدول أن تحيد ببساطة عن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في سياق أوروبي بمبادرة منها ولذلك يجب تقييم طلب الاستثناء من قبل الهيئات القانونية الأوروبية في ضوء المعاهدات والقوانين القائمة.
وهذا يعني أنه يجب على هولندا أن تثبت لقانون الاتحاد الأوروبي أن الاستثناء لا يتعارض مع مُعاهدات الاتحاد الأوروبي الأساسية، مثل حق اللجوء، متناسب وقانوني، مع وجود أدلة كافية لسبب حاجة هولندا إلى هذا الاستثناء، وأن يبقى ضمن حدود ما هو ممكن قانونًا، ولا يقوض سياسة اللجوء العامة للاتحاد الأوروبي. وإذا لم تنجح هولندا بالالتزام بالمعايير القانونية، فلن تتمكن هولندا من تنفيذ الاستثناء ويجب عليها الالتزام بالقواعد القائمة.
من جانبه علق المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي ” إريك مامر ” على سؤال حول احتمال انسحاب هولندا من قوانين اللجوء الأوروبية قائلًا “اعتمدنا تشريعات، ولا يمكن الانسحاب من تشريعات الاتحاد الأوروبي المعتمدة.. هذا مبدأ عام”.
انتقادات حقوقية وأممية للحكومة الهولندية
في المقابل أعربت مؤسسة إيواء اللاجئين “كوا” عن قلقها من نوايا الحكومة بسحب قانون التوزيع وإدخال ما يسمى بتجميد قرارات اللجوء، وتقول المؤسسة الهولندية، “إذا لم ينخفض تدفق اللجوء في وقت واحد، فسيكون هناك خطر كبير من عدم وجود مواقع استقبال كافية. وعلى المدى القصير، سوف يتدهور استقبال اللجوء للمقيمين لدينا بدلاً من أن يتحسن”.
أما المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فقد حثت الحكومة على الالتزام بقضايا اللجوء والهجرة، وقالت “إن حماية اللاجئين هنا في هولندا ليست التزاماً قانونياً بموجب قانون الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي فحسب، بل هي أيضا ما يدافع عنه غالبية الشعب الهولندي. لقد كانت هولندا دائما نصيرة لحقوق الإنسان والعدالة والمساواة. ومن المهم أن يبقى ذلك التراث محفوظا”.
بدورها قالت مُنظمة مُساعدة اللاجئين “في في إن”، إن الحكومة اختارت اتخاذ إجراءات غير قانونية من شأنها تعطيل نظام اللجوء وتؤدي إلى الفوضى، مضيفة أن “إعلان أزمة اللجوء والتشدد في التعامل مع اللاجئين لن يحل المشاكل.. لذلك نحن نشعر بقلق بالغ إزاء الإجراءات المعلنة وسيدفع اللاجئون ثمناً باهظاً مقابل ذلك”.
وما زال وفق تقارير صحفية هولندية أكثر من 39 ألف لاجئ ينتظر لم شمله بعائلته ويشكل السوريون نسبة 71% منهم إضافة إلى طلبات لم شمل من حملة الجنسيات الأخرى كاليمنية أو التركية أو العراقية. كما ينتظر عشرات الآلاف من طالبي اللجوء معظمهم سوريون الحصول على تصاريح الإقامة في مراكز الإيواء وسط معاناة من فترات انتظار طويلة جداً. ويقدّر عدد اللاجئين السوريين في هولندا بنحو مئة وخمسين ألفاً، حصل عدد كبير منهم على الجنسية الهولندية، في حين ينتظر البقية الحصول عليها بعد استيفاء الشروط اللازمة وأبرزها: تعلّم اللغة الهولندية وإقامتهم لمدة خمسة أعوام..
أحد أكبر الأسباب
كان حزب الحرية اليميني المتطرف قد حصل على حقيبة وزارة الهجرة في الحكومة الهولندية الجديدة، وفقاً لما نقلته “هيئة الإذاعة الهولندية” عن مصادر مطلعة. وأشارت المصادر إلى أن الحكومة الجديدة وزعت المناصب الوزارية بحيث حصل حزب الحرية على خمس وزارات.
كما حصل “حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية” و”حزب العقد الاجتماعي القومي” على أربع وزارات لكل منهما، بينما نال “حزب حركة الفلاح” المؤيد للمزارعين وزارتين.
ويتولى حزب الحرية، بزعامة خيرت فيلدرز، وزارة الهجرة، بالإضافة إلى وزارات الصحة، التجارة الخارجية والتعاون الإنمائي، الشؤون الاقتصادية، والبنية التحتية. كما سيعين الحزب وزراء دولة في مجالات الصحة، العدل، الشؤون الداخلية، والبنية التحتية.
من هو فيلدرز ولماذا يعادي المهاجرين والمسلمين؟
يُعرف “فيلدرز” بأنه سياسي هولندي شعبوي، وغالبًا ما كان يثير الجدل بسبب خوضه حربًا لا هوادة فيها ضد الهجرة و ما يسميه بـ “أسلمة هولندا”، وقد تعرض للمحاكمة أكثر من مرة بتهم التحريض والتمييز ضد جماعات عرقية ودينية.
ويريد فيلدرز فرض قيود صارمة على الهجرة ووقفاً كاملًا لطلبات اللجوء إلى هولندا، ويريد أيضًا “صد” طالبي اللجوء الذين يسعون إلى دخول هولندا من دول الاتحاد الأوروبي المجاورة وترحيل أولئك الذين يدانون بارتكاب جرائم جنائية.
وينظر بعض المسلمين في هولندا إلى انتصار حزب فيلدرز بذعر وخوف، ويخشون من أن تكون الفترة المقبلة أكثر صعوبة.