القائمة

حين تهتز الروح وتنطفىء الحياة..

غرفة الأخبار 3 أسابيع مضت 0 2.2 ألف

كانت تبدو كطيف باهت، والبريق الذي في عينيها انطفأ كما ينطفئ وهج النجوم في ليلٍة مظلمة، أما عن قلبها ف بدى وكأنه توقف ولكن ليس عن النبض بل عن الحياة بأكملها. رأيتها تقف وحيدة على شاطئ مهجور، وكأنها تُلقي على البحر لائمةً قديمة بحزنٍ عميق وصمتٍ يشبه صمت الحطام. كانت تُتمتم بكلمات مؤلمة تخرج من بين شفتيها كسكاكين حادة، حتى تساقطت من عينيها دموعٌ ليست كالمعتاد، بل كأنها قطرات دم تنزفها ألماً. سمعتها تقول بصوتٍ مكسور: “في متاهات الحياة المتقلبة، كنت أجد في هذا الشاطئ ملاذي الآمن، كنت أقف هنا مطمئنة، أنظر إلى البحر الهادئ، الذي كان يومًا حضنًا دافئًا يحتويني من زوابع الزمن. هنا، حيث ظننت أنني أستطيع إلقاء مرساتي بثقة، فإذا برياح الغدر تعصف بي، تأتي في ليلةٍ مظلمة كعاصفة تقتلع جذور الأمان، وتمزق تلك الحبال التي ربطت روحي بشخصٍ كنت أظنه ميناء السلام. لكنه كان خيانةً تتخفى في ثوب الأمان، كان كزهرةٍ سامة تفتحت في بستان ظننت أنه للورود، حتى خدعتني بجمالها. ولم أدرك إلا بعد فوات الأوان أن عطرها كان سماً زعافاً تسلل إلى أعماقي، فاجتاحني وأطفأ كل نبض في داخلي”.
تستكمل حديثها ويداها ترتعشان ولكن ليس من البرد، بل من عدم الشعور بالأمان فتقول: حاول ان تختار شريكك بعيانة عقلك قبل قلبك، لأنه حينما تُخطئ في اختيار من تأمنه على قلبك، فإنك تضع بين يديه مفتاحاً لبابٍ لا يجب أن يُفتح إلا لمن يحمل في قلبه صدق الأمانة وحفظها. أما عندما يُفتح ذلك الباب على مصراعيه بواسطة الغدر والخيانة، حينها لا يُمكنك إعادة إغلاقه بنفس الاطمئنان مرة أخرى. ف الهدوء الذي كان يغمر قلبك يزول، ويصبح الليل صديقاً دائماً للأرق، والروح لن تنعم بالسكينة ولا بالسلام؛ فقد اخترقت طعنات الغدر حواجز الثقة، وتركَت جروحاً لا تلتئم بسهولة وحتى وان مر الوقت والزمن والعمر عليها، فإنها ابداً لا تلتئم.
ف حين يُسلب منك الأمان والإيمان بمن كنت تعتمد عليه، تنكسر بوصلة الراحة والسكينة والأمان داخلك، وتصبح يقظاً لكل خطوة تُخطى حولك، كمن يسير على أرض بكل حذر وعلى أنامله، خوفاً من انفجار الألغام. تُصبح كل نظرة، كل كلمة، تُفسَّر وتُدرس بعناية، فأنت الآن لا تنظر بعين القلب كما كنت من قبل، بل بعين الريبة والخوف والتحليل. ومع ذلك، تظل تخشى أن تكون تلك العيون الجديدة لا ترى الحقيقة إلا من خلف زجاج مهشم ومجروح.
في تلك اللحظة تهتز الروح وتنعدم الثقة فتنطفىء الحياة بداخلك وتدرك أنك لن تعود ابداً كما كنت، فقد تخلّى قلبك عن طمأنينته، وأصبح يتراقص على أنغام الخوف، وكأن الحياة قد ألبسته درعاً لا يُمكن ان يقتلعه. وتستمر الأيام، ولكن السكينة لا تعود كما كانت، ف يُصبح النوم رفاهية نادرة، والليل ساحراً يُعيد ذكريات الثقة المهدورة ويبعث فيك طيف الشخص الذي خان أمانتك وأمان روحك.

كل هذا يحدث لأنك أسأت الاختيار. وها أنت تدفع ثمناً باهظاً ثمناً لا يُقاس بالمال أو الوقت، بل براحة بالك التي كانت في يوم من الأيام مرهونة لمن لم يكن جديراً بها. لكن مع كل هذا، يبقى درساً في الحياة: أن الثقة كنز ثمين لا يجب أن يُمنح إلا لمن يستحق، وأن الغدر ليس مجرد جرح عابر، بل هو زلزال يخلخل أركان الروح، ويعيد تشكيل ملامح الثقة في العالم.

كتب بواسطة

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

اترك تعليق

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *