الكاتبة سماح مبارك

تقديس الأشخاص آفة الشعوب | بالألوان

كتبت | سماح مبارك

صراع شرس يدور هذه الأيام بين مُحبي أحد الكُتاب المشهورين اللذين تربوا على كتاباته وإنتاجه الأدبي، وبين مخالفيهم الذين ينتقدون الزخم المُحيط بذلك الكاتب،والذينيعتبرونكتاباته من وجهة نظرهم عادية جداً بل، وسطحية.

من الطبيعي جداً أن يختلف الأفراد حول شخصية ما ولكن من الغريب جداً بالنسبة لي أن يتحول النقاش إلى ساحات معارك كلامية، يتراشق فيها المؤيدين والمُعارضين بألفاظ خارجة واتهامات تصل للتكفير، خيانة الوطن، أو حتى الإرهاب، وهو تماماً ما حدث في وسائل التواصل الاجتماعي المُختلفة في الأيام القليلة الماضية بين مُحبي الكاتب ومنتقديه!

لقد جدد ذلك الجدل القائم قضية تقديس الأشخاص عموماً والمُبتلاة بها جميع المُجتمعات الجاهلة والفقيرة، وعلى رأسها مُجتمعاتنا الأحادية الفكر والموقف، فمُجتمعاتنا لها خصوصية مختلفة عن باقي المجتمعات فيما يتعلق بتقديس البشر لأسباب دينية وثقافية واجتماعية، فإلى جانب القداسة الدينية التي تُحاط بها شخصيات عامة كالدعاة ورجال الدين وشيوخ الطرق المُختلفة، فإن هناك أيضاً هالة من التعظيم والتفخيم والتضخيم،تحيط بشخصيات تاريخية وسياسية وفنية وأدبية وغيرهم من أصحاب المنتوجات الإنسانية والفكرية، جعلت القدرة على انتقادهم وانتقاد أفكارهم وأساليبهم من قبل مخالفيهم، أمراً شديد الصعوبة ويواجه بالعنف الشديد من قبل محبيهم ومردييهم. .

إن قضية تقديس الأفراد في مجتمعاتنا تحتاج للدراسة والتحليل العميق، ففي نظري أنها تحولت من مجرد إعجاب بإنتاج الفرد الإنساني أو الأدبي أو العلمي في اي مجال ، إلى هوس حقيقي بهم كأفراد بغض النظرعن أفكارهم وآرائهم وأخطائهم التي قد تكون كارثية في أحيان كثيرة!

إن الإحساس بالعجز والدونية واللا جدوى في أحيان كثيرة يحفز الفرد على البحث عن قدوة أوعن مثلٍ أعلى يُحتذي به، فنجده ينجذب إلى الشخصية التي قد تكون مخالفة تماماً لشخصيته الحقيقة او فيها من الصفات ما لا يجده في نفسه كالقوة البدنية أو الماديةالمصحوبة بالنفوذ، أوالقدرة على مواجهة الآخر المختلف بشجاعة ودون اهتمام لرأي الآخرين عنه، او ربما الذكاءالشديد والتفوق، ربما يفسرذلك إعجاب وتقديس البعض للطغاة والزعماء الديكتاتورين،وللقتلة والنصابين أيضا!

إن الوعي الجمعي في مجتمعاتنا تمت أدلجته على السمع والطاعة، المربوط بتقديس وتعظيم من نسمع لهم والخوف الشديد من غضبهم،والذي غالباً ما يأتي بما لا تحمد عقباه، لقد فقدنا الحد الفاصل بين ضرورة احترام الشخص المتميز وبين إحاطته بكم هائل من التبجيلتحوله إلى أسطورة خارقة يُبهرنا كل ما تقوله أو تفعله حتى وإن كان شديد التفاهة والسطحية، تلك هي النتيجةالطبيعية للنشأة والتربية التي يكون فيها الشخص المُطيع والخانع قليل التفكير والأسئلة والبحث هو المحبوب والمفضل، سواء من قبل والديه في المنزل أو أساتذته في المدرسة ثم محيطه الذي يعيش فيه، إن طريقة التلقين التي يتربى عليها الأطفال في المنازل والمدارس خلقت أفراداً يصدقون معظم ما يسمعون أو يقرؤون أو يشاهدون من الأشخاص “المهمين” في المُجتمع، حتى بنوا لا شعورياً هالة من القداسة حولهم يصعب اختراقها، ليأتي دور الإعلام بعد ذلك في دعموتعزيز تلكالقداسة، لقد تكرر هذا الأمر على مر التاريخ،  فجعل كثير من المضطربين والمهووسين والنرجسيين عُظماء ومعصومين ومشاهير تُقدس أفكارهم ومُعتقداتهم حتى اليوم.

لقد جعلنا المعلم رسولا، وجعلنا من الأم مدرسة للشعوب،وحولنا الأبيات الشعرية لقاماتٍ في الشعر العربي والأدب كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم إلى نصوص مقدسةوقوانينحتمية فُرضت على البشر نرددها دون وعي،فلم تعد الأم قادرة علىان تمارس أمومتها دون مُحاولات الكمال المستحيل، ولا بات المعلم قادراًعلى أن يعيش كإنسان طبيعي خارج أسوار المدرسة أو الجامعة أسوة بزملاء مهنته حول العالم،أو من دون أن توضع تصرفاته تحت المجهر الدقيق، نحن نحب صناعة الأصنام والنماذج والنظر إليها بفخر وامتنان كبيرين.

في بعض الدول المحترمة، تم هدم بعض التماثيل وإزالتها لأن أصحابها كان لهم تاريخ أسود إنسانياَ، في بلداننا لا زلنا نصنع التماثيل للطغاة والمجرمين ونُطلق أسماءهم على الشوارع والمدارس، نقدسهم ونعتبر جرائمهم وأفعالهم اللاإنسانية  انتصارات ونجاحات تدعو للفخر والانبهار!

نحن من نصنع القوالب الجامدة للبشر، نقدسهم ونتعصب لهم وندافع عن أخطائهم وهفواتهم باستماته، وكثيراً ما نصنع من التافهين وأصحاب نصف الموهبة عمالقة يصعب إرجاعهم لحجمهم الطبيعي بسبب تمجيد المعجبين لهم، فيحد ذلك من أهمية النقد واكتشاف الأخطاء ومحاولة تصحيحها، ويظل الجهل والفساد مُسيطراً على العقول، وبالتالي لا تتطور المُجتمعات بتاتاً، نحن بحاجة ماسة إلى توسيع آفاقنا وتقبل ذواتنا والتقليل من تفخيم الآخرين والتملق لهم وتقديسهم، لأن الاختلاف في الرأي يولد النقاش وبالنقاش تتوالد الأفكار وبالأفكار تنهض المُجتمعات وتتطور.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

المقعد A37 تفوز في مُسابقة القيصر الأدبية الدولية للقصة القصيرة

كتبت | رئيسة قسم ثقافة وفنون – عبير نعيم المقعد تفوز بالمركز الثامن في مُسابقة …

تعليق واحد

  1. فابيولا بدوي

    نحن فعلا في حاجة إلى توسيع آفاقنا وتقبل ذواتنا . لخصتي ما نحن فيه فيما يخص علاقتنا بالرموز
    دمتي كاتبتي المفضلة الرائعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *