القائمة

كل شيء سيسير نحو الافضل | بالالوان

غرفة الأخبار سنتين مضت 0 2.7 ألف

كتبت | سماح مبارك

ظلت شقيقة “سمر” تردد على مسامعها تلك الجملة كلما عاد صحن الطعام الذي تحمله لها كما هو، كانت رغم امتعاضها من عدم تناولها للطعام تحاول التخفيف عنها بتلك الكلمات البسيطة، لقد ظنت أنها تشعر بالحزن لأنه تم نقلها من قسم لآخر في الوزارة التي تعمل فيها، تقول سمر: “في الحقيقة، أنا لا أشعر بالحزن بتاتاً، بل إني لا اشعر بشيء على الإطلاق انا فقط أشعر بالفراغ وبالرغبة العارمة في مغادرة هذه الحياة وبسرعة”.
تعاني سمر مثل ملايين البشر من الاكتئاب وهو مرض واضطراب نفسي شائع، وبحسب منظمة الصحة العالمية “فإن هناك أكثر من ٢٨٠ مليون شخص يعيشون الآن حالة اكتئاب حول العالم”، يصيب الاكتئاب الأفراد من مختلف الأعمار والبيئات والخلفيات، وهو مرض متعدد الأنواع ويتأرجح ما بين طيف الاكتئاب والاكتئاب الحاد، في كل الأحوال يعتبر الاكتئاب من أهم الأسباب المؤدية للانتحار حول العالم والذي يُسجل أرقاماً قياسية كل عام.
إن تعاملنا كأفراد من بيئات لا تعترف كثيراً بالمرض النفسي، هو تعامل ساذج جداً، فكثيراً ما يتم الخلط بين الاكتئاب وتقلبات المزاج الحادة، أو الشعور بالاستياء والحزن وغيره من المشاعر المزعجة التي تقابلنا في حياتنا اليومية، وبالطبع هناك فرق شاسع بينهم، فالاكتئاب مرض يُعتقد أنه يحدث بسبب تغيرات هرمونية في جسد المريض، يحتاج معها إلى التدخل الطبي والعلاج، وليس فقط لبضع تغييرات في عاداته اليومية لتحسين المزاج والشعور بالرضا والسعادة، ويحتاج كل نوع من أنواعه إلى علاج طبي مختلف بفترات زمنية متفاوتة.
في الحقيقة أنا لست طبيبة نفسية لأتحدث بإسهاب عن الاكتئاب ومسبباته وطرق علاجه المختلفة ولكني أعلم تماماً أن معظمنا نعاني منه بدرجات متفاوتة حتى وإن أنكرنا ذلك!
أشعر بالخوف الحقيقي كلما تصفحت صفحات التواصل الاجتماعي، لأجد العشرات من المنشورات لأصدقاء يتحدثون عن معاناتهم مع الاكتئاب، وآخرون يتحدثون عن رغبتهم في التخلي عن كل شيء والرحيل كناية عن الانتحار، كثيرون يكتبون عن معاناتهم ثم يختمونها بجملة “أنا على حافة الانتحار” وللأسف يقومون فعلاً بالتنفيذ، في الماضي كانت رسائل الانتحار تكتب في رسالة ورقية يتركها المنتحر وراؤه، أما اليوم ومع التقدم التكنلوجي، أصبح الراغب في إنهاء حياته يودع أحبته بفيديوهات قصيرة، أو منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي فهي الطريقة الأسرع للوصول إليهم، إن جميع الذين أنهوا حياتهم يشتركون في سمة واحدة قبل قرار التنفيذ، جميعهم كانوا يصرخون ويعبرون عن ألمهم بطرق مختلفة ولكن ومع الأسف، لم ينتبه لهم أحد.
عندما بحثت عن أهم أسباب الاكتئاب التي تصيب الشباب في مقتبل العمر في بلداننا، والتي توصلهم لليأس وللرغبة في إنهاء حياتهم، وجدت أن هناك نسبة كبيرة منهم كان القاسم المشترك بينهم هو انتسابهم لأسر سامة، وبالتحديد علاقة سامة بأحد الوالدين أو كلاهما، نعم، لم يكن سببهم الظروف الاقتصادية الخانقة، ولا قصص الحب الفاشلة ولا الفراغ أو البعد عن الدين والروحانيات، بل تراكمات نفسية سببتها معاملة الأهالي القاسية لهم، مع الضغط المجتمعي على الأبناء لقبول أي نوع من أنواع العنف المنزلي الذي يمارس ضدهم، بحجة بر الوالدين والإحسان إليهم، مرت علي الكثير من اللحظات التي تمنيت فيها لو كنت بالفعل طبيبة نفسية، كي أفهم نفوس البشر، ولماذا يقسوا بعضهم على فلذات أكبادهم لدرجة دفعهم للانتحار!
في الشهر الماضي، نشر أحد الشباب في مصر فيديو قصير له وهو يلقي بنفسه من أعلى سور القلعة في القاهرة، ذكر الشاب قبل إقدامه على الانتحار، أنه يُحمل والده مسؤولية وصوله إلى الرغبة في إنهاء حياته، شابة أخرى “انتحرت” بعد ساعات من  نشرها على صفحتها في الفيس بوك منشوراَ تتهم فيه احد أقاربها بالتحرش بها عندما كانت طفلة وبأنها صارحت والدها ولم يصدقها، توفيت الفتاة حاملة معها مأساة تعرضها للتحرش، ومشاكل عنف أسري كانت تتعرض له، كما أكدن صديقاتها والمقربات منها، هذه بعض الحالات تم توثيقها، فيا ترى كم من المنتحرين والمنتحرات لم نسمع عنهم بعد ولم نعلم بمأساتهم إلا بعد فوات الأوان.
كم من الشباب يعاني من الاكتئاب بسبب أنانية الأهل المفرطة، ولفرضهم الطاعة العمياء عليهم دون نقاش أو جدال، يمنعونهم من التعبير عن آرائهم ومشاعرهم، ويفرضون عليهم شكلاً محدداً ومعايير محددةٍ للرجولة تُرضيهم وتُرضي مجتمعهم، بغض النظر عما يريده الشاب لنفسه وحياته وعن اختياراته، وكم من الفتيات يعانين فقط لكونهن إناث يعشن في مجتمعات تُعاملهن معاملة نصف إنسان وتفرض عليهن كل اختياراتهن في الحياة بدأً بالملبس وانتهاءً بالتعليم والزواج، لتكون حياتهن سلسلة من الإحباطات المختلفة التي تصيبهم بأشد أنواع الاكتئاب، وكم طفلٍ وطفلة عانوا من العنف المنزلي والتحرش والتنمر في الشارع او المدرسة، ولم يستطيعوا اللجوء للأهل بسبب الخوف من العقاب والترهيب أو التجاهل وعدم التصديق؟!
نحن أمام مشكلة خطيرة نحتاج معها للتوعية الحقيقة بمرض الاكتئاب، وإلى تكاتف الهيئات والمؤسسات الاجتماعية والطبية والإعلامية والدينية، لتوضيح خطورته والطرق الأسلم لعلاجه قبل أن يؤدي بالمصاب إلى الانتحار، وإلى ورشات مجانية للتربية الأبوية الإيجابية للراغبين في الإنجاب من المتزوجين حديثاً، نحن بحاجة إلى التكاتف المجتمعي لنخبر أولئك الذين فقدوا الأمل بأننا لن نتخلى عنهم، وأن الاكتئاب قابل للعلاج وبأن كل شيء سيسير نحو الأفضل.

كتب بواسطة

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

اترك تعليق

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *