شبكة تايم نيوز أوروبا|
في ظل ما شهدته منطقة الريف المغربي في السنوات الأخيرة، من حركة ثقافية و إنتاج سينمائي زاخر مميز، يعبر عن الهوية الأمازيغية الريفية و دورها في الإثراء الفكري، يقدم الدكتور جميل حمداوي كتابه الميز عن “السينما الأمازيغية بمنطقة الريف واقع و آفاق” الصادر سنة 2020 عن دار الريف للنشر و الطبع الإلكتروني، وصفا عاما بواقع السينما الأمازيغية من الناحية الفنية والجمالية و النقدية والموضوعية، حيث اعتبرها الكاتب بأنها وسيلة فنية تعبر عن الإنسان الأمازيغي وعن قضاياه و صراعاته مع الذات و اللاذات بمختلف الأشكال والتمثلات.
إثراء للموضوع أشار الدكتور حمداوي إلى المراحل التاريخية التي مرت بها، من خلال استعراض مسار النشأة و التطور التاريخي، يوم حيث مرحلة الصناعة الإحترافية، التي تبقى حديثة الولادة مقارنة بالصناعات السينمائية الأخرى حول العالم، ليحدد الكاتب الظرفية المكانية و الزمانية لتبلور هذا النوع من الإنتاجات. فلم تظهر السينما الأمازيغية بالريف إلا في السنوات الأخيرة من القرن العشرين وبدايات الألفية الثالثة في شكل أعمال درامية أولية شكلت البداية الجنينية للسينما الأمازيغية الريفية عبر تصوير أفلام ڤيديو تطورت فيما بعد. غير أن البكرات المصورة كانت تتسم بالضعف والبساطة من حيث السيناريو والتمثيل والإخراج والإنتاج والتصوير كفيلم “ثاغارابوت/ الباخرة” الذي صور زيف الهجرة السرية وسرابها الواهم. على الرغم من أنها قد اقتحمت مهرجانات وطنية و دولية و حتى عالمية، إلا أنها كانت بحاجة كبيرة إلى النقد و التوجيه و التحليل. فحسب الكاتب قد تنحصر الدراسات النقدية السنيما الأمازيغية في مقالات أو كتب يظهر فيها الحس النقدي في فقرات أو أسطر
و يعد الدكتور جميل حمداوي من بين الباحثين المغاربة المهتمين بدراسة السينما المغربية، إذ له مؤلفات سابقة في الموضوع (مدخل إلى السينما المغربية ، من السينما الوطنية إلى السينما الأمازيغية ) سنة 2010 .
يشير الكاتب في مؤلفه أن السينما الوطنية بالمغرب قد عرفت انتعاشا فنيا كبير في العقود الأخيرة، بينما لا تزال السينما الأمازيغية بمنطقة الريف متعثرة وضعيفة لأسباب ذاتية وموضوعية. وعلى الرغم من هذا التعثر على المستوى السينمائي الذي يمكن تداركه مستقبلا، فإن منطقة الريف تبدو متفوقة تفوقا كبيرا في مجال الآداب والكتابات التاريخية والنقد الأدبي والفنون المسرحية والإعلام الصحفي، هذا بالنسبة إلى الواقع الذي تعيشه السينما الأمازيغية بمنطقة الريف، فعلى الرغم من وجود مشاكل ومعيقات تحول أمام إمكانية تطور هذه الصناعة الأمازيغية، فإنه قد آن الأوان لخلق ثقافة سينمائية بالمنطقة من أجل بلورة قيم جمالية وفنية وذوقية رفيعة المستوى لتكوين أجيال واعية وفاعلة ومنتجة في المستقبل القريب. إذ لا يمكن أن نتصور وجود مجتمع إنساني لا يعرف السينما، فالسينما نشاط فني يفترض أن يرفع من المستوى الثقافي للإنسان، ويهذب أخلاقه، ويحسن قيمه، وتقدم له زادا ثقافيا متنوعا.
لذا، اقترح الكاتب في ختام مؤلفه مجموعة من الحلول العملية لتطوير السينما الأمازيغية بمنطقة الريف، ويمكن استجماعها في النقاط التالية: توفير الإمكانيات المادية والمالية من أجل إحداث انطلاقة سينمائية فعالة بمنطقة الريف و عقد شراكات مع الدول الغربية من أجل تأطير المخرجين المسرحيين والسينمائيين في مجال الكتابة والتصوير والمونتاج والإخراج، مما يسهم في تنشيط الحركة النقدية، الإكثار من الندوات والملتقيات السينمائية لتقييم و تقويم السينما الريفية وتوجيهها، الانتقال بالسينما الريفية من مرحلة الهواية والتقليد إلى مرحلة الاحتراف والتطوير والتجريب والمساءلة النقدية قصد الانتقال في المستقبل إلى تأصيل السينما الأمازيغية بشمال أفريقيا،
الانفتاح على السينما الأمازيغية المغاربية (السينما الجزائرية على سبيل التمثيل)، والسينما العربية ، والسينما الأوربية (الإيطالية و الفرنسية مثلا)، وسينما هوليوود من أجل التسويق لها. يضاف إلى ذلك دعم النشاط الأكاديمي في المجال من خلال طبع الكتب السينمائية التي تنصب على واقع السينما الريفية، بالتعريف والتأريخ والدرس والتمحيص من النواحي: الدلالية والفنية والوظيفية.
يختم الدكتور حمداوي كتابه بالقول: رغم أن السينما الأمازيغية بالريف مازالت عبارة عن تجارب فنية أولية قائمة على الهواية وحب التعلم وتجريب الإمكانيات المتاحة، إلا أننا على يقين راسخ بأن السينما الأمازيغية بالريف سيكون لها مستقبل كبير بعد أن تتخطى الحاجز المادي، و السياسي و الجهوي.