بإمكانيات بسيطة، وجهود شخصية وتمويل فردي، بادرت الشابة الكويتية، المهندسة فاطمة الزلزلة، بإعادة تدوير النفايات كالبلاستيك والورق والمعادن لإنقاذ البيئة الكويتية من النفايات الضارّة والتلوّث.
بدأت الفكرة لدى فاطمة (23 سنة) قبل بضع سنوات، عندما لاحظت وجود مشاكل بيئية وتلوّث الهواء في بلدها الكويت، وشرعت على الفور بإطلاق مبادرة “إيكوستار” (Eco Star) لمعالجة النفايات وإعادة تدويرها بطرق سليمة.
وقد وصلت مبادرة “إيكوستار” إلى القائمة النهائية عن دول غرب آسيا في مسابقة “أبطال الأرض الشباب” التي يجريها برنامج الأمم المتحدة للبيئة سنويا.
وسيُعلن البرنامج الفائزين بمسابقته في وقت لاحق من العام.
مندوب الأمم المتحدة أجرى هذا الحوار مع فاطمة الزلزلة
أهلا بكِ فاطمة، حدثينا في البداية عن فكرة إيكوستار
فاطمة الزلزلة: أولا، شكرا لكم على استضافتي في هذا اللقاء المميز، أنا اسمي فاطمة الزلزلة، 23 سنة من الكويت، متخصصة في هندسة الكهرباء. أعيش في دولة الكويت، وهي دولة صغيرة في الحجم، ولكنها تتمتع بأحد أعلى معدلات الدخل القومي على مستوى العالم، وهي دولة ذات رؤية، ومع ذلك نحتاج إلى الرؤى التنموية المستدامة لحل الكثير من المشاكل البيئية ومن أهمها مشكلة النفايات، وتلوث الهواء وغيرها من المشاكل.
في هذه المبادرة، أو شخصيا أتحدث عن نفسي، تأثرت بالمعلومات البيئية التي ثقفت نفسي فيها خصوصا أن الوعي البيئي في دولة الكويت ضعيف جدا، فتوجهت بنفسي إلى أماكن أخرى على شبكة الإنترنت أو غيرها من المصادر لتثقيف نفسي بالموضوعات البيئية. استوعبت النقاط المهمة التالية: أولا، لا يوجد في دولة الكويت أي شيء يتعلق بإعادة التدوير، 90% من النفايات في الكويت تذهب مباشرة إلى المرادم.
كم كان عمرك عندما بدأتِ تلتفتين لهذه المشكلة؟
فاطمة الزلزلة: كنت في بداية العشرينات، قبل ذلك لم يكن لديّ أي اهتمام بالبيئة، ولم تكن لديّ النفس اللوّامة عندما أقوم بأي شيء ضد البيئة حتى رأيت في برنامج “خواطر” لأحمد الشقيري حلقة تتعلق بالبيئة بشأن البلاستيك، هذا ما منحني الشعلة الأولى في هذا المجال، من هنا بدأت في البحوث وفي التثقف والقراءة، ومن بعدها حتى آخر سنوات الجامعة أطلقت هذا المشروع.
في الكويت يوجد 18 مردم نفايات، 14 منها مغلقا، سواء بسبب امتلاء المرادم أو بلوغها الحد الأعلى أو بسبب سوء الإدارة. لا توجد في الكويت أساليب إدارة نفايات عالمية ممتازة أو على الأقل بمستوى جيد. ولا يوجد لدينا ردم نفايات جيد، لدينا فقط مكان لرمي النفايات. لدينا مصانع إعادة تدوير، لكن لا يوجد تمكين لتلك المؤسسات بالشكل الصحيح، وهو أمر مؤسف لأننا نمتلك أحد أكبر مصانع التدوير في الشرق الأوسط، لكن لا يوجد تمكين لهذه المصانع. هذا الأمر دفع تلك المصانع إلى اتخاذ أساليب غير قانونية لاستلام المواد القابلة لإعادة التدوير.
في مبادرة إيكوستار كنت أحاول إيجاد حلول مناسبة تغطي مجالات كثيرة من مجالات البيئة ولكن تركز على معالجة النفايات وإعادة التدوير. أطلقت هذه المبادرة بإمكانيات بسيطة، بتمويل شخصي بدون أي دعم من مؤسسات أو جهات حكومية، من إعانتي الجامعية أنا وشقيقتي، مروة، وعدد من الشباب المتطوعين.
غطينا أكثر من 2000 عملية استلام وشاركنا ونظمنا فعاليات بيئية كثيرة، وزدنا في مستوى الوعي وسعينا لتكون إعادة التدوير عادة لدى المجتمع الكويتي أو المجتمع المشارك في هذه المبادرة. وصلنا لدرجة لم نكن نتوقعها، لم نكن نتوقع الوصول لعدد مشاركات كبير ونأمل أن يكون لدى المستمع الكويتي الطاقة أو حب المشاركة في المشاريع البيئية.
ما الأشياء التي يمكن إعادة تدويرها، وكيف تتم توعية المجتمع بما يجب إعادة تدويره؟
فاطمة الزلزلة: في البداية كنا نعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتوعية بسيطة لفترة بسيطة في “خطة أ” كنا نعتمد على مصانع تعيد تدوير الورق، وتعيد تدوير البلاستيك بأنواعه والمعادن بأنواعها. الورق نوعان: ورق A-4، والكرتون هو ورق من نوع آخر، تتم إعادة تدوير الورق في نفس المصنع.
أما البلاستيك فهو سبعة أنواع، وطريقة إعادة تدوير البلاستيك صعبة جدا، ولا يتحلل إلا بعد سنوات طويلة قد تصل إلى ألف سنة، وليس جميع أنواع البلاستيك قابلة للتدوير، والبلاستيك هو أسوأ شيء في إعادة التدوير. آخر شيء هو المعادن، والمعادن سواء كانت نحاس أو ألمنيوم أو أي نوع آخر.
كنا أيضا نتعامل مع المصانع المنتجة لنفايات المعادن، مثل مصنع حديد ينتج أبواب تُصنع من الحديد، فائض هذه الصناعة يتم إلقاؤه، وإعادة تدوير المعادن هي الأعلى ثمنا، فأسوأ شيء يتخلص منه البشر هي المعادن، لأنها عنصر طبيعي يجب الحفاظ عليه، مثل النفط والماء، وإلا كانت خسارة مادية وبيئية.
يجب أن تكون النفايات قبل التسليم نظيفة ومفروزة، أن يكون البلاستيك منفصلا عن الورق، هذه الثقافة غير موجودة بشكل نهائي في دولة الكويت.
هل تحاولون رفع مستوى الوعي بشأن أهمية التقليل من استخدام المواد البلاستيكية في المنازل؟
فاطمة الزلزلة: بلا شك، هذه ضرورة. لكن الهدف كان في خطة زمنية معيّنة كانت تمتد إلى رؤية الكويت 2035، ولكن تأثرت الخطط بسبب جائحة كـوفيد-19. أسلوب الحياة “صفر نفايات” أمر صعب للغاية على مجتمعاتنا، أنا أحب أن أتحدث بإيجابية، وأحب أن أبثّ الإيجابية في جميع لقاءاتي، ولكن في بعض الأحيان يجب مواجهة بعض الحقائق، فأسلوب “صفر نفايات”، أي عدم استخدام البلاستيك إلى الأبد، هذا ليس بالشيء السهل على هذا المجتمع، نحن شعب استهلاكي وهذا الأمر ليس محصورا فقط على الكويت، بل على منطقة الشرق الأوسط بأسرها. الدليل على ذلك هو عدم وجود أي دولة في الشرق الأوسط وصلت لمستويات بيئية على الأقل مقبولة. دائما دولة الكويت ودول الخليج في تصنيفات الأسوأ بيئيا، لو دخلتم على موقع تلوّث الهواء، دائما دولة الكويت في العشرة الأوائل، كذلك دول الخليج كلها، بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط.
إذا المطلوب هو تغيير في التشريعات أيضا.
فاطمة الزلزلة: نعم. لكن هذا الأمر أكبر من فاطمة الزلزلة بمراحل، يحتاج لتركيز أكثر.
هل واجهتم تحديات أخرى؟
فاطمة الزلزلة: الكويت دولة صغيرة جدا، لكن فيها تنوّع بين أفراد المجتمع الكويتي. لاحظنا من خلال أرقام جمعناها أنا وشقيقتي، من خلال انتقال من مرحلة لأخرى إلى ثالثة إلى رابعة، لاحظنا وجود مناطق فيها رغبة في المشاركة في المشاريع البيئية أكثر من غيرها، ومناطق لا تشارك على الإطلاق وليس لديها الرغبة في إعادة التدوير، ويُنظر إلى مثل هذه المشاريع على أنها مشاريع خيرية ولا يُنظر على أنها خدمة بيئية. توجد مفارقات بين شرائح المجتمع.
كما واجهنا استهزاء في المشاريع البيئية. كانت لدينا مشاركة في صفحتنا على إنستغرام، بعنوان التنمّر البيئي، أو التنمّر على محبي البيئة أو مناصري البيئة، يُنظر لهذه الأمور على أنها ليس لها داعٍ.
نحن نقدم نقودا للمشاركين، لكننا رأينا أن النقود غير كافية، عندنا مشكلة في الكويت وهي مشكلة التصحر، ولذلك تعاونا مع شركة مقاولات زراعية ومقابل النفايات نعطي نباتات ليس فقط للمنازل، بل أيضا للشركات والمؤسسات، وكنا نطمح قبل انتشار فيروس كورونا بفترة بسيطة في تقديم اقتراح أمام هيئة معينة، يتمثل في زراعة محميات مقابل النفايات. وشركة المقاولات الزراعية التي كنا سنتعامل معها وافقت على ذلك وكنا نسعى للحصول على موافقة الجهة الأخرى، لكن بسبب الجائحة توقف كل شيء.
الآن أنا بدأت من تحت الصفر من جديد وسنعود لبناء كل شيء من البداية. والوضع غير سهل وخطير والآن، دولة الكويت بها مشكلة الكوفيد. مشكلة النفايات تضاعفت، نرى في الحاويات الكمامات والقفازات وأحاول أن أقول إن تلك نفايات موبوءة ووزارة الصحة تقوم بحرقها لأن ذلك هو التصرّف الصحيح، هو تصرّف غير بيئي ولكن في هذه الحالة لا توجد حلول بيئية بشكل كامل للأسف. سنضطر للانتظار فترة لا نعلم مدتها، فلم تنته الموجة الأولى من جائحة كورونا، يجب لهذه الفترة أن تنتهي ثم نعود للبناء من جديد.
ماذا تقولين للمجتمع عن أهمية معالجة النفايات والبيئة؟
فاطمة الزلزلة: أعتقد جازمة أن الإنسان سيعيش ويكبر ويربي أجياله القادمة على كوكب الأرض ويجب أن يحمد الله كثيرا على النعم المحيطة حولنا، ولا يجب أن يفرّط فيها. مشكلة النفايات هي مشكلة ستبقى معنا إلى الأبد إذا لم نقم بحلّها، ولن يصبح الوضع أفضل.
ومع فيروس كورونا حاليا، أغلِقت الكثير من مراكز إعادة التدوير حول العالم، وليس فقط في الكويت. قد لا تكون إعادة التدوير الحل الوحيد ولكنها ليست الحل النهائي، من الممكن الاستثمار والبحث عن حلول أخرى لمعالجة النفايات، وأتمنى أن يتمكن الشباب في المستقبل من حل هذا النوع من المشاكل في القريب العاجل.
وصلتِ إلى نهائيات أبطال الأرض الشباب، لماذا تعتقدين أنك تستحقين الفوز؟
فاطمة الزلزلة: أرى أن المشاركين الذين بلغوا النهائيات يستحقون الفوز، كل شخص منهم بذل جهدا مشكورا مميزا ورائعا. كنت أتمنى فقط جذب انتباه العالم للمشاكل البيئية الحاصلة في الكويت، وأتمنى أن أكون قد وصلت لذلك، وأنا أعتبر أن جميع من وصل للمرحلة النهائية فائز.