كتب مدير مكتب القاهرة | عباس الصهبي
تصاعد وبشكل غير مسبوق على مواقع التواصل الاجتماعي المصرية والعربية غضبٌ شعبي جامح، خاصةً من النشطاء الشباب، ممن تفاعلوا مع ما أثاره چي دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب؛ من تصريحات تحدث فيها، مؤخرًا؛ عما أسماه: “مدى نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في بناء ديمقراطيات في منطقة الشرق الأوسط”!!
وكان من الطبيعي أن يُعبِّر الجميع- معظم العرب في كل مكان- عن إحباطاتهم المتزايدة من استمرارية “النظرة الأحادية” للمسؤولين عن السياسة الامريكية مهما تغيَّر نظام الحكومة الأمريكية من “ديمقراطي” إلى “جمهوري”، أو حتى لو حدث العكس!!
وقد بدا أن السيد” فانس” قد زاد “الطين بَلَّة” عندما لم يكتفِ بما قاله، وإنما أضاف عليه؛ وبالحرف الواحد:
وَفِّروا مليارات “دولاراتكم” المُهدرة في المؤامرات التخريبية، وابعدوا فقط عنا” لنحقق ديمقراطيتنا السليمة؛ وبالطريقة التي نحبها ونريدها؛ بعد أن صار- من مصائب زمننا العربي الحالي- بأيديكم “الداء” و”الدواء”؛ حتى صار “الداء بالمليارات” بينما “دواؤه بالتريليونات”؛ ولمجرد تخفيف بعض أعراضه المؤقتة فقط!!
كم سيكون صعبًا “بناء بعض الديمقراطيات في الشرق الأوسط”؟ حسنًا، وكما تبين، فإن ذلك مُستحيل تقريبًا، ومُكلِّف، وبصورة لا تُصدَّق، ولم يكن سياسيونا هم من يتحملون تداعيات مثل هذا الخطأ بالتقدير والحساب، بل كان الشعب الأمريكي؛ وبنحو تريليون دولار!! .
إن العاقل الواعي، في عالمنا العربي؛ لا بدَّ وأن يضرب “كفًّا بكف” إزاء هذه التصريحات، رغم عدم غرابتها على الأذن العربية؛ فالكل يعلم ما أهدرته حكومة الرئيس الأمريكي السابق- “أوباما”- من أموال الشعب الأمريكي؛ بهدف إشعال اللهيب المُدمر فيما أسموه بـ: «الربيع العربي»؛ والذي مازالت كثير من الدول العربية تُعاني آثار”خريفه” المدمرة.
ومنذ “14” عامًا حتى الآن! لقد أنفق “الشعب الأمريكي” التريليون” إياه- وبالتأكيد ما هو أكثر منه (!!)- في تمويل عديد من جماعات الإرهاب السياسي بهدف تقويض دعائم نظم وحكومات عربية، ومهما كانت عيوبها(!!)؛ فإن شعوبها كانت تعيش في استقرار سياسي يبدو في عديد من دول العرب أنه كان أفضل من تردي أوضاعها الحالية، والتي تسعى حكوماتها حاليًّا لتعويض ما أمكن من آثار التخريب الأمريكي في الشرق الأوسط! بل، إنه في مصر- وعلى سبيل المثال لا الحصر- عندما ثار الشعب، في ثورة شعبية شهد لها العالم بأنها أقوى وأرقى ثورات التاريخ، وكاد الشعب يُمسك بـ”تلابيب ديمقراطية جديدة” اشتاق إليها، وتعتبر امتدادًا لديمقراطية العهد الملكي، فإن كل الشهود والوثائق تؤكد تمويل جماعة إرهابية لـ”ركوب” رغبة التغيير الشعبوية البريئة الطاهرة؛ وإعاقة مسار التغيير الديمقراطي، لأسباب صهيونية أمريكية! .
الطريف أن هذه لم تكن المرة الأولى، بل “الثانية”؛ لنفس المؤامرات “الصهيو أمريكية”؛ إذ كان جيش الضباط الاحرار الذي أيده الشعب، 1952؛ ينوي تحقيق مستوى أرقى من الديمقراطية الشعبية فيما أعلنه في “المبدأ السادس من مبادىء ثورة يوليو/ تموز وقتئذ: ” إقامة حياة ديمقراطية سليمة” إلا أن ملايين الدولارات أنفقت من أجل شغل الجيش عن هذا الهدف!! قولًا واحدًا.. يُعد أصدق تعبير عن لسان حال الشعب والجيش المصريين، وقد صارا في لُحمة واحدة، وكما كانا دائمًا؛ وفي رأي مثقفي مصر بكل فئاتهم الآن- وفي سياق تعليقاتهم على تصريحات “فانس” المخزية- وقد انكشفت ألاعيب المؤامرات الصهيو أمريكية:
أستاذنا الكبير الفاضل، أسعد الله أوقاتكم بكل خير، وأرجو أن لا يغضبكم رأيي، فهو نابع من حرصي على الحوار البناء
تأتي مقالة السيد عباس الصهبي لتعكس وجهة نظره حول موضوع الديمقراطية في الشرق الأوسط، وتبرز موقفًا معينًا من التدخلات الخارجية وتأثيرها على الشعوب العربية. لا شك أن الكاتب يسلط الضوء على أزمة حقيقية يعاني منها الكثير من شعوب منطقتنا، وهي التدخل الأجنبي وما يرافقه من تداعيات اقتصادية وسياسية وأمنية.
ومع ذلك، ينبغي علينا أن نتعامل مع هذا الطرح بعين النقد البناء، إذ لا يمكن حصر مسؤولية ما يعانيه العالم العربي فقط في التدخلات الخارجية، بل يجب أيضًا النظر بعمق إلى العوامل الداخلية، كغياب الحريات، وغياب مؤسسات الدولة العادلة، وأحيانًا فشل النخب السياسية في إدارة التغيير بشكل ديمقراطي.
كما أن الحديث عن الديمقراطية كمفهوم متكامل وشامل، يحتاج إلى إدراك أن بناءها ليس مهمة سهلة ولا تتحقق بضغطة زر، بل هي عملية معقدة تتطلب إرادة حقيقية من الداخل، واحترامًا للحقوق، وشفافية في الحكم، إلى جانب احترام إرادة الشعوب.
في النهاية، تبقى المقالة دعوة للتفكير حول مستقبل المنطقة، وإلى العمل على تعزيز الوعي الجمعي بمسؤولية البناء الداخلي، دون إنكار تأثير الخارج، وبعيدًا عن تبسيط الأمور أو تحميل جهة واحدة كل الأخطاء.
مع أسمى آيات التحيات والتقدير لشخصكم الكريم