روتردام – كتب رئيس تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي | سعيد السبكي
جاء اختيار فيلم علم لفريق عمل إدارة مهرجان الفيلم العربي روتردام بهولندا ليمثل من جديد طموح ورؤية الشاب السوري الأصل ” روش عـبد الفتاح مُدير المهرجان في إصراره على طرح قضايا إنسانية من خلال الفن والسينما، وهو أمر ليس بالسهل في بلد مثل هولندا المعروفة بتاريخها الداعم لإسرائيل عبر سنوات طويلة – تغيرت مواقفها السياسية على استحياء – خلال الأعوام الأخيرة القليلة، لكن مازال هناك الكثير المُمكن عمله من أجل طرح القضايا العادلة في مجال حقوق الإنسان. “
فيلم “علم” هو رسالة تؤكد إرادة شعب لم يفقد الأمل في استعادة ارضه المسروقة واسترداد وطن مسلوب، وقد جسد استمرار مسار جديد للوعي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ويغوص الفيلم في واقع حياة يومية لشباب الثانوية ويكشف مدى تمسكهم بالرمز ” العلم ” الذي دارت أحداث الفيلم حوله في المجتمع الفلسطيني، الذي يقف منذ أكثر من 70 عامًا على حافَة الحياة طالبا الكرامة أو الموت.، .
أثناء خروجي من صالة العرض تمهلت في مُغادرة القاعة لأسمع تعقيب المشاهدين من الهولنديين الذين اجتمعوا في تعبيراتهم ونظراتهم على حقيقة واحدة، ألا وهي الحق الطبيعي للشعب الفلسطيني في العيش داخل وطنه .
يجسد فيلم “علم” للمخرج الفلسطيني ” فراس خوري” رسالة الرموز، فالعلم رمز، ورفعه أو استبداله فعل رمزي يتسم بالثراء، وإرادة شباب من الجيل الجديد على استبدال علم بعلم آخر هو حَراك رمزي يتعدى حدود السينما والأدب إلى عمل كفاح ثوري على أرض الواقع.
“فيلم علم” استُقبل بحفاوة من الجمهور في مهرجان الفيلم العربي بروتردام في هولندا والنقاد على حد سواء، وحسب ما توافر لدي من معلومات أنه لم يجد طريقه إلى قاعات العرض بسهولة، فقد عانى فريق العمل كثيرًا حتى تمكنوا من وصول الأراضي المحتلة والتصوير فيها، وعلى الرغم أن الأحداث تدور في الأرض المُحتلة، إلا أن أبطالها ينتمون للمُجتمع الفلسطيني.

لقد ابدع أبطال الفيلم الممثلين: محمود بكري، وسيرين خاص، وصالح بكري، ومحمد كراكي، وأحمد زغموري، ومحمد عبد الرحمن، لا يمكن إغفال أن أبطال الفيلم شباب فلسطيني لم يحظوا بشهرة أو نجوم، إلا أنهم في فيلم علم كانوا نجومًا فعلًا.
تتمحور أحداث الفيلم حول قصة الشاب ” تامر “، فلسطيني يسكن في إسرائيل، يعيش مع أصدقائه الحياة العادية لطالب في المرحلة الثانوية حتى وصول فتاة جميلة تدعى ” ميساء ” إلى مدرستهم، ويسعى تامر لإرضائها، لذا يوافق على المشاركة في استبدال العلم الإسرائيلي بالفلسطيني عشية ما يطلق عليه عيد الاستقلال الإسرائيلي، الذي يوافق يوم “النكبة” عند الفلسطينيين.
5 شباب، أحدهم اتخذ النضال طريقًا منذ الطفولة نتيجة الوعي الذي تولد لديه عبر اعتقال والديه واستشهاد جده أمامه، ومنهم من لا يريد شيئا سوى تعاطي المخدرات التي تنسيه الواقع، وآخر لا يرفع عينيه عن شاشة هاتفه، أما الفتاة الجديدة فهي حالمة تحب التصوير وتسعى للخروج من كل هذا الخراب.
نظرة مُغايرة
السيناريست فراس خوري كتب فيلمه، ليؤكد منذ بدايته على رغبته في طرح رؤية مغايرة للحكاية الفلسطينية، ونواياه، عبر مشاهد هادئة تراكم معطيات تؤدي إلى وعي مختلف وسردية طازجة وبعيون جيل جديد، يرى الاحتلال يعيش معه على الأرض نفسها ويتطلع إلى أدوات جديدة تمكنه من السير قدما نحو مستقبل أقل بؤسا.
يروي الفيلم الحكاية بواسطة جيل جديد صاعد، ويتساءل عن جدوى ومعنى وجوده وقضيته، يحاول أن يبحث عن إجابة سؤال كيف يفهم الجيل الجديد القضية الفلسطينية؟ سواء كان هذا الجيل في الداخل الفلسطيني أو حتى يحاول معرفة القضية وهو يعيش خارجها.
ثم أن نجاح إدارة مهرجان الفيلم العربي روتردام بهولندا في تمرير مثل هذه الأنواع من الأفلام السينمائية وتقديم القضية الفلسطينية في قوالب جديدة تختلف عن سابقاتها، وخاصة البكائيات والخطابية والمباشرة التي طرحت بها القضية من قبل يُحسب لها ونثمنه كثيرًا.