فِطر مُسلِمي أوروبا بين فرحة العيد وقسوة قوانين تمنع الإجازات

يقال إن “العيد هو وطن آمن وأسرة سعيدة وضحكة طفل صغير”، وهي أشياء جميعها مرتبط بالوطن والأسرة.. عناصر لا يملكها مسلمون لجؤوا إلى دول أوروبية اضطرارًا، فماذا عن أعيادهم، هل تنعم ببهجة طقوس تربوا عليها ونشؤوا في أحضانها؟

بداية، يكفل الاعتراف بالإسلام للمسلمين في كل دولة أوروبية عددا من الحقوق القانونية المتفاوتة بين بلد وآخر، منها السماح للمسلمين بإقامة مذابح خاصة بهم، يتم فيها الذبح وفقا للأحكام الدينية الإسلامية، على غرار ما تتمتع به الأقليات اليهودية، والاعتراف بعيد الفطر وعيد الأضحى، وتمكين التلاميذ والعمال المسلمين من التغيب عن العمل في أول أيام هذين العيدين.

وتكمن ضرورة وأهمية ما سبق في أن العدد ليس بقليل، فقد ارتفع في أوروبا بسبب التكاثر، وبسبب الهجرات المتواصلة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي نحو القارة العجوز، هربًا من الحروب، وبحثًا عن حياة كريمة تحترم الإنسان وحقوقه.

وتوقعت دراسة أمريكية نشرها مركز أبحاث “بيو”، في العاصمة الأمريكية واشنطن، تضاعف عدد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي 3 مرات بحلول عام 2050 في حين أنه لن يكاد يتغير في بلدان أخرى.

ووفقا لبيانات بيو المستقبلية، فقد شكّل المسلمون 4.9% من سكان أوروبا في عام 2016، حيث يقدر عددهم بنحو 25.8 مليون شخص في 30 بلدا، من 19.5 مليون شخص في عام 2010، وارتفع عدد المهاجرين المسلمين الذين وصلوا إلى أوروبا بعد عام 2014 إلى ما يقرب من نصف مليون سنويا.

وتسعى الجاليات المسلمة في أوروبا إلى الحفاظ على عادات وتقاليد الاحتفال بالأعياد والمناسبات الدينية، كنوع من توثيق الصلات وتماسك العلاقات بين جموع المسلمين في المجتمعات الأوروبية، ويتميز عيد الفطر بمظاهر واستعدادات احتفالية متشابهة بين المسلمين في أوروبا.

وكان المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قد أعلن فلكيًا أن أول أيام عيد الفطر المبارك يوافق يوم الجمعة 21 إبريل 2023.

كغيرهم من المسلمين يحتفل مسلمو أوروبا بعيد الفطر وفقا للتقاليد المتبعة وحسب الإمكانات المتاحة، لكن كيف يتم ذلك في بلد غير إسلامي وغالبا بعيدا عن الأهل والأقرباء؟

“جسور بوست”، حاورت مسلمين يقيمون في عدة دول أوروبية منها “ألمانيا، والبرازيل، وهولندا والصين“.

في ألمانيا الإجازة ممنوعة

وعن العيد في ألمانيا تحدث عبدالكريم الربيعي قائلًا، الأمور متفاوتة، فبخلاف منع إجازات الأعياد رسميًا، هناك تمارس الشعائر الدينية بحرية وليس هناك تضييق، وهنا في مدينة “ميونخ” التي تعتبر عاصمة ألمانيا الاقتصادية، يوجد فيها الكثير من المساجد، المسجد التونسي والمغربي والباكستاني وغيرها، ويجمعهم المركز الإسلامي للجالية، ويجتمع فيه المسلمون في مناسباتهم الدينية ويمارسون طقوسهم كالتي يمارسها مسلمو الدول الإسلامية، مع الفارق عدم رفع الآذان وبعد المساجد عن بعضها، والمجتمع الألماني ينقسم إلى قسمين، بعضهم يحترمون عيدك ويحترمون رغبتك في عدم الالتزام بمواعيد، والقسم الآخر يتعجب، ويوجد هناك بعض الكارهين ولكنني لم أواجه هؤلاء.

وعن اعتراف ألمانيا بأعياد المسلمين رسميًا قال في تصريحات خاصة لـ”جسور بوست”، ما زالت ألمانيا لا تعترف ولا تعطي الموظفين والعمال إجازة في ذلك اليوم، لكننا نحاول تقديم أعذار لتغيبنا، وقد نسجل غيابا أو يُخصم من رواتبنا، بينما أبناء الديانات الأخرى يمنحون إجازات في أعيادهم، وألمانيا دولة اتحادية تشمل عدة ولايات في بعض الولايات لا يُعترف بالإسلام كديانة، ولكن في ولاية “هامبورج” يعترف به ولذا تعطى لهم إجازة، ومع ازدياد الجالية الإسلامية في أوروبا بدأت معرفة أن المسلمين لهم أعياد فبدأت المدارس عن طريق نموذج يقدم للطلبة لمعرفة رغبتهم في أخذ إجازة في العيد من عدمه، ونتمنى نقل ذلك إلى مؤسسات العمل.

وتابع، المسلمون يقيمون صلاة الأعياد والتراويح في كل المساجد وبكل أريحية، وكل جالية ترتدي زيها الوطني التقليدي وتقام الفعاليات ويجتمع المسلمون بنفس أجواء العيد في البلدان الإسلامية، وكان للجالية التركية الفضل منذ قدومها إلى ألمانيا في خمسينيات القرن الماضي أن أسست العديد من المساجد ومراكز تحفيظ القرآن، فصبغوا المجتمع بصبغة إسلامية وعلم الألمان بعادات وتقاليد المسلمين.

طقوس هولندية

في حديث مع الإعلامي سعيد السبكي، رئيس تحرير تايم نيوز أوروبا بالعربي، حول مظاهر عيد الفطر المبارك في أوروبا وكيف تعيش الجاليات العربية الإسلامية الاحتفالية، قال، إنني منذ 49 سنة هي مُدة إقامتي في هولندا وتنقلاتي ببن مُختلف الدول الأوروبية بعواصمها، قد سجلت وما زلت أسجل وأرصد أحوالهم وهو الأمر الذي تجسد في كثير من كتاباتي عنهم، وأفرز نتيجة تمثلت في كتاب “عرب أوروبا بين القاضي والجلاد”، ولا يعتبر عيد الفطر في هولندا عطلة رسمية ولا توجد إجازات سواء للمدارس أو الدوائر الحكومية داخل الدولة، إلا أنه يتم التسامح بشكل ودي لمنح إجازات.

ويحاول المسلمون هذا العام مثل سوابقه الحصول على إجازة عمل خلال هذا اليوم لأداء صلاة العيد والاحتفال بمظاهر العيد مع الأهل والأصدقاء.

وتابع في تصريحات خاصة لـ”جسور بوست”، هنا في هولندا على سبيل المثال لا الحصر شارك الملك الهولندي “فيليم ألكسندر” أسرة مُسلمة في مائدة إفطار في حي “رايس فايك”، بالقرب من العاصمة السياسية لهولندا “لاهاي”، كما شاركت أيضاً عُمدة العاصمة أمستردام “فيمكا هالسما”، في إفطار جماعي حضره نحو 1500 شخص من مختلف الجنسيات إلى جانب المسلمين سكان المدينة.

وعن عيد الفطر المبارك أضاف، تبدأ النساء في جلب السلع الضرورية من طحين وعجوة ومكسرات لصناعة كعك العيد والبسكويت والغريبة والبيتيفور، تلك المخبوزات التي تصنع في البيوت، وتتنافس الأمهات من مختلف الجنسيات، حيث يتم تبادل علب الكعك فترسل المغربية للمصرية والتونسية للعراقية والجزائرية للسورية، وهكذا تبدأ المشاركة في فرحة وبهجة، ومثلما يحدث في بلادنا العربية الإسلامية نجد هنا في البلاد الأوروبية ذات الاهتمام، ليس فقط لإضفاء الفرحة والبهجة على الصغار ولكن حتى الكبار، ومنذ سنوات تستعد أيضًا المراكز التجارية بعرض الملابس المناسبة تلبية لمتطلبات الجاليات الإسلامية.

واستطرد، تبدأ مراسم عيد الفطر المبارك بتحري هلال شهر شوال وانتهاء شهر رمضان ومن ثَم انتظار صلاة العيد في الصباح، فتذهب العائلات للمساجد للصلاة، وبعض المراكز الإسلامية تستأجر صالات رياضية كبيرة أو ساحات المدارس حتى تستوعب أعداد المصلين الكثيرة في هذه المناسبة، وحينما تكون حالة الطقس مناسبة تقام الصلوات في العراء بالحدائق العامة  لتبدأ احتفالات المسلمين وتبادل التهنئة فيما بينهم مع تناول الحلويات المخصصة لهذه المناسبة، بما يعرف في العادات والتقاليد بكعك العيد.

وعن طقوس هولندا في عيد الفطر يقول سعيد السبكي، في السنوات الأخيرة بدأ الاهتمام بهذه المناسبة حيث نجد وسائل الإعلام الهولندية ترصد موعد عيد الفطر 2023 لأنه يهم فئة كبيرة نظرًا لوجود عدد كبير من الجاليات العربية تعيش في جميع أنحاء هولندا، وتُقام صلاة عيد الفطر 2023 في هولندا في العديد من المساجد الهولندية، ولكن يختلف موعد الصلاة من مدينة لأخرى بسبب اختلاف التواقيت المحلية وفي الغالب ستقام صلاة العيد ما بين السادسة والنصف إلى السابعة والنصف.

وتابع، بعد الانتهاء من صلاة العيد يبدأ المسلمون في تبادل التهاني فيما بينهم والاتصال بالأقارب والأهل والأصدقاء، ثم الذهاب مرة أخرى إلى المنازل من أجل تناول الكعك والحلويات الرائعة وتبادل الزيارات العائلية، أو الاستعداد للتنزه في الخارج لقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء.

وعن الزكاة في هولندا أتم، يختلف الكثيرون حول طريقة دفع الزكاة هل تتم بشكل نقدي أم في شكل حبوب أو طعام، وأكدت اللجنة القانونية التابعة لمجلس العلماء والأئمة في هولندا أن مقدار زكاة عيد الفطر 2023 في هولندا وفي دول الاتحاد الأوروبي تتراوح ما بين 10 إلى 12 يورو بما يعادل من 2 إلى 3 كيلو جرامات من الطعام.

المصريون في الغربة “جدعان”

ببهجة تحدث خالد علي، هولندي من أصول مصرية -الذي يقوم هناك بدور “شيخ الحارة”، من تجميع المسلمين وتقديم يد العون لهم من خلال مجموعات على السوشيال ميديا والتواجد ميدانيًا- في العيد نستأجر صالة رياضية واسعة لقضاء صلاة العيد بها، ونعد لذلك سجاجيد الصلاة وتنظيم المصلين من الصباح الباكر، وننظم مكانين للرجال والنساء، أما الأطفال فيتغيبون من المدارس، من حقنا أخذ إجازة لهم، نرتدي جلاليب بيضاء، نسير للصالة من منازلنا سيرًا على الأقدام، حاملين صناديق من الكعك نهادي بها الهولنديين، حتى باتوا يعلمون طقوسنا.

وقال خالد في تصريحات خاصة لـ”جسور بوست”، بعد الصلاة في تلك الصالة نخرج منها متجهين إلى الجامع نتبرع بالطعام، يجتمع الجميع على سفرة مصرية خالصة من الفلافل والفول والبيض والجبن والباذنجان، لدى النساء في مكانهم الخاص وللرجال أيضًا، ثم نحتسي الشاي، ويوزع المسجد أكياس حلويات أعددناها سابقًا على الأطفال كي يشعروا بالعيد وبهجته.

وتابع، بعد الخروج من الجامع نقوم بالزيارات في المنازل ولدى الأصدقاء ونأكل معهم ونقضي معهم اليوم، وأحيانًا يذهب الأطفال في صالات الملاهي أو الحدائق

 أو الرحلات إلى دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وغيرها، وبعد العيد وعودة أطفالنا إلى مدارسهم يعطى الأطفال علبا من الكعك يوزعونها على زملائهم في المدارس وأساتذتهم، حتى إننا نسمع منهم أحيانا: “إمتى هتأكلونا كعك العيد”.

وأتم، نجد صعوبة أحيانا في تحديد إشراقة العيد ورؤية الهلال، إلى جانب أن العيد يكون يوما واحدا إلا إذا تصادف مجيئه مع إجازة رسمية أو أسبوعية فيمتد حينها ليومين أو ثلاثة.