تايم نيوز أوروبا بالعربي | شوال آية
ونحن على مشارف عيد الفطر، بدأت العائلات الجزائرية كغيرها من العائلات العربية المسلمة تتحضر إستعدادا لاستقباله وتوديع شهر الرحمة والغفران؛ وعادة ما تبدأ التحضيرات من الأسبوع الأخير لشهر رمضان، حيث تتحول البيوت لورشات صنع الحلويات، والشوارع لورشات تنظيف، فتتزين الأولى والثانية بأبهى حلة، بينما تهتم النساء بإعداد الحلويات، خاصة التقليدية منها، فيما يشتري الأهل الملابس والألعاب لأولادهم بما يبهج القلب ويسر الخاطر، سعيا لترسيخ قيم البهجة والسعادة بختم الصيام والقيام.
بالنسبة للحلويات، تتعدد خيارات النسوة في تحضير موائد العيد بما لذ وطاب من حلويات تقليدية أو عصرية، فهناك من يتعذر عليها إعدادها لاعتبارات عديدة فتتّجه لشرائها معلبة وجاهزة من المحلات المتخصصة أو تختار ما يناسبها من العروض المتاحة عبر مواقع التواصل الإجتماعي بحسب الأذواق والإمكانيات، خاصة أن أسعارها ملتهبة في السنوات القليلة الأخيرة.
ومن ضمن الحلويات التقليدية التي تتربع على عرش موائد العيد “المقروط” أو “المقروض” المعروف في الدول المغاربية، سواء المصنوع باللوز والمغلف بالسكر الناعم، يشيع تحضيره وإعداده في العاصمة ومدن الوسط، أما “المقروط” المعروف في الشرق الجزائري، فهو معد ب “الغرس” أي “عجينة التمر” المبلولة بماء الزهر، ويتم وضعه في العسل بعد قليه في الزيت أو طهيه في الفرن.
كما تعد حلوى الطابع محبوبة الأطفال والكبار، وتسمى بحلوى “الزوالي” كونها لا تتطلب لا لوزا ولا جوزا، فهي حلوى بسيطة المقادير يتم تشكيلها في قوالب معدنية أو بلاستيكية بأشكال هندسية مختلفة. بالإضافة إلى حلوى “البقلاوة” و”الدزيريات” التي يختلف حجمها وحشوها، لكنها تبقى من الحلويات الأصيلة التي لا تغيب في الأعياد على موائد الجزائريين.
بالاضافة إلى ما سبق، فإن العديد من العائلات الجزائرية لاتزال متمسكة بعادة “تبادل صحون الحلويات” صبيحة العيد، بما يعزز قيم التلاحم والتشارك الاجتماعي بين الأهل والجيران، فصحن الحلوى وفق عاداتهم بمثابة “هدية العيد” أو “عربون المحبة” كنوع من أنواع “التغافر” وتمتين العلاقات الاجتماعية.
ولا تحلو الأعياد في الجزائر دون طقوس الاحتفال لدى الأطفال، التي تبدأ أياما قبل العيد بشراء الملابس، يتبعها التحضير لليوم الموعود ليلة العيد بعادة “تحنية الصغار” أي التزيين بالحناء التي تأخذ هي الأخرى شكلين، أولها الحنة التقليدية بوضع قرص على كف الفتيات و تخضيب شاهد الفتية، أما حاليا فأصبح البعض يختار الطريقة العصرية للتخضيب من خلال شراء شرائح الرسومات التي يراد أن ترتسم على يد الفتيات يوم العيد.
أما صبيحة العيد، فتفوح نسائم الفرح في الأحياء الحزائرية بتعالي التكبيرات من المساجد التي تمتليء عن آخرها بالمصلين كبارا وصغارا، مساجد تتهيأ هي الأخرى للمناسبة فيفوح منها المسك والعطور الطيبة؛ أما خطبة صلاة العيد فتعد شعيرة مقدسة يغتنم المصلون فرصة الصلاة بالمسجد للاستماع لموعظتها التي غالبا ما تخصص للحديث عن صلة الرحم وقيم التسامح والرحمة بين المسلمين.
بينما تتفرغ النسوة في هذه الأثناء لتحضير طاولة فطور الصباح التي تقتصر في الجزائر، وحصرا يوم العيد، على ما لذ وطاب من حلويات العيد مرفوقة بحليب الصباح.
في حين تتعالى من المنازل عقب صلاة العيد نغمات “صحا عيدكم” من شاشات التلفزيون الوطني.
أما أولاد الحي فيتسارعون للخروج والتباهي بإحمرار الحناء او سوادها وجمال الملابس وأناقتها. كما يتسابقون طوال اليوم في جمع “العيدية” التي غالبا ما ينفقونها في شراء الألعاب والمفرقعات والبالونات.
أما وجبة الغداء، فيجتمع كل أفراد العائلة على أطباق تقليدية غابت طوال شهر رمضان، كطبق “الكسكسي” أو “الرشتة” أو غيرها من الأطباق التي تشتهر بها كل منطقة.
تقول الحاجة “حليمة” وهي إمرأة كبيرة في السن: “لم يعد عيد اليوم كالأمس، واختلفت أمور كثيرة، فقد أصبحت البهجة بعيدة عن الكثير من البيوت؛ بسبب غياب العادات والتقاليد المبهجة، التي كنا نقوم بها عادة، لقد إفتقدنا أجواء البيت التي كانت تعم بالمرح، وأبسط الأمور ملء غرف المنزل بالبالونات والهدايا والألعاب، ورائحة “كعك النقاش” (وهو نوع من الحلويات التقليدية الذي يميز منطقة الشلف بغرب الجزائر)، و رائحة “الخبيز” أو “المعارك” كما يسميه البعض التي كنا نقوم بتحضيرها صباح العيد. أما اليوم، أصبح الجاهز أسهل وأرخص للشراء. وتقول أيضا يوجد فرق واضح بين الأمس واليوم، فالعيد قديماً له طعم جميل ومميز، أما عيد اليوم فهو مليء بالمجاملات؛ “أيام زمان” كان العيد يمثل الخروج للتنزة في الحدائق والألعاب، والذهاب إلى منزل الأجداد أو “الدار الكبيرة” من بداية الصباح، أما الآن فقد تغيرت الموازين، وأصبح يوم العيد يقضى في المنزل؛ تجنباً لزحمة الأماكن العامة، إلى جانب تأخير الزيارات إلى المساء، وتحديد مواعيدها مسبقا، وقد لا تتم بسبب انشغال الأسر، إما بالسفر أو زياراتهم الخاصة، وكانت بهجة العيد في تجمع العائلة، والمبيت في “ليلة العيد” للاستيقاظ فجراً لصلاة العيد، ثم تحضير الفطور الصباحي الجماعي، أما اليوم من النادر أن تجتمع عائلة بكامل أفرادها في مكان واحد لتحتفل بالعيد من بداية اليوم حتى نهايته، وأصبحنا نفتقد كثيراً المرح، الذي كان يعم الأجواء، فقد لا يصدقني البعض، ولكن كانت للعيد رائحة مبهجة تسري في عبير الصباح”.
أحسنت آية … بورك قلمك
شكرا أستاذتي الفاضلة هذا بفضل جهودك