حين يصوم الطفل لأول مرة|جلطي بن زيان بسملة

تختلف عادات وتقاليد المجتمعات العربية حين يصوم الطفل لأول مرة، لكنها تلتقي في فرحة الإقبال على إحدى أهم الأركان الإسلامية، لذا تشجع العوائل الجزائرية صغارها منذ سن مبكرة على الصوم في شهر رمضان ولو لنصف يوم من أجل حثهم على اكتشاف لذة الصيام واستخلاص العبرة منه، كما انه فرصة لتعويد الطفل عن الإمساك على المفطرات، والالتزام بموجبات الصوم تمهيدا للصيام الكامل؛ وتختلف طرق احتفال العائلات الجزائرية بصيام أبنائها لأول مرة، التي على قدر شساعة مساحتها تجد عاداتها متنوعة ومختلفة.

تايم نيوز أوروبا بالعربي|نسيمة طايلب

ففي ولاية الشلف إحدى المناطق الغربية بالجزائر، يتم تعويد الطفل على الصيام قبل بلوغه التسع سنوات، وتكريما لصيامه يصطحبه الأب أو الجد إلى السوق لإختيار وشراء كل ما تشتهيه نفسه من حلويات ومشروبات، ويتباهى بصيام صغيره فيخبر كل من يعرفهم من جيران وأحباب، أن إبنه صار رجلا ويمكنه الصيام، لتحسيسه بعظمة ما قام به وتشجيعه على البذل أكثر، فيما تجتهد الأم أو الجدة على إرضاء صغيرها بإعداد أطباقه ومأكولاته المفضلة، و قبل أن يشرع الصائم في تناول طبق “الحريرة” الشهير في الولاية يقدم له كأس من “الشربات” وهو نوع من العصائر المنزلية المحضرة خصيصا للصغير الصائم، والمكون من الماء والليمون والقرفة والسكر وماء الزهر، و توضع بداخل الكأس قطعة من الفضة إذا كان الصائم ولدا، أما إذا كانت بنتا فتوضع لها قطعة من الذهب، و تكون القطعة هدية أو إكراما للصائم.
بعد صلاة التراويح، يستمر الإحتفال بتنظيم سهرة عائلية يجتمع فيها كل أفراد العائلة على شرف الصائم لأول مر ة، تحسيسا له بالمفخرة بمنجزه، وترغيبا على الإستمرار في الصيام والحرص على الصلاة ومختلف العبادات.
أما في منطقة القبائل، الممتدة على العديد من ولايات الوسط، يلبس الصائم لباسا تقليديا، عادة ما يكون البرنس بالنسبة للذكور وفستانا تقليديا “جبة/ثاكسوث” بالنسبة للإناث، وهذا ما لا يختلف في الأرياف و القرى المجاوة للمنطقة، بينما يقوم الأب بحمل الطفل على كتفه، و هو مرتد أحلى لباس، ويصعد به إلى سطح المنزل أو سقفه القرمودي قبل آذان المغرب، تعبيرا عن رفعة الصوم وتسامي الصائم وارتقائه لأعلى مراتب الصفاء الروحي.
فيما تختلف نوعية الأطباق التي تقدم إلى الطفل في أول فطور له، حسب تقاليد كل أسرة، فمنهم من يقدم له لحم رأس العجل والبيض المسلوق، بالإضافة إلى التحلية بالمعجنات والحلويات المنزلية كالمسمن أو الرفيس، وتقدم عائلات أخرى اللبن و التمر و التين المجفف للصائم ليفطر به.
يحدثنا “جعفر بن صالح” عن عادة أخرى في منطقته بولاية بجاية وبالتحديد قرية “ويزران”، والمتمثلة في تناول الصائم لصفار البيضة المسلوقة وفمه يعلو الحنفية ليكون صيامه لباقي أيام الشهر يسيرا وخفيفا على نفسه كالماء.
أما في منطقة الأوراس، فللسكان عاداتهم وتقاليدهم الخاصة في استقبال شهر رمضان وتحفيز الطفل على صيام أولى أيامه، منها شراء معدات أكل صغيرة وجديدة خاصة بالصائم، مثل الأكواب والصحون ليتناول فيها إفطاره و تكون محفزه على الصيام.
أما في ولايات الجنوب الجزائري فتقوم بعض العائلات الميسورة الحال بذبح خروف واقامة وليمة بمناسبة اول صيام لصغيرها، فيتحول الاحتفال إلى عرس حقيقي، فتعم فرحة الأهل والأقارب بصغيرها الذي أصبح مسؤولا، كما أنها فرصة لإلباسه نفس الملابس التي لبسها في حفل ختانه في مطابقة بين رجولة ما بعد الختان وما بعد الصيام، أما البنت فيتم تزينها كالعروس الصغيرة، وتلبس مختلف أنواع الحلي التقليدية وأجودها من رأسها إلى أخمص قدمها، فيما يتم إفطارهم على مزيج من الفواكه المجففة.
حينما نعود إلى اقصى الغرب الجزائري وبالضبط ولاية تلمسان نجد عادات متفردة، حيث تبلس البنت “الشدة” وهو لباس العروس في جوهرة الغرب الجزائري، كما تُزيَّن يد الفتاة بالحنة التي عادة ما يجلبها الحجاج من مكة تبركا بها، وتجتمع كل العائلة والأقارب حول صينية الشاي والحلويات ويتم أخذ صور تذكارية رفقتهم.
وتتعمد الكثير من العائلات الجزائرية على حث أبنائها لصيام اليوم ال27 من شهر رمضان حتى يكون الاحتفال احتفالين، صيام الصغير و الاحتفال الرمزي بليلة القدر، وفي كل ما سبق إشارة إلى الاهتمام بترغيب الطفل على الصيام والاحتفال بيومه الأول ليبقى مترسخا في ذهنه ويتذكره بمشاعر السعادة والرضا بإنجازه المحبب دينيا والمقدس دنياويا.

عن admin1

شاهد أيضاً

سراج الدين يكتب|مُنخفض القطارة

تايم نيوز أوروبا بالعربي|شوقي سراج الدين  اعتقد ان كل ما تم كتابته عن هذا المشروع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *