كتب | رئيس تحرير تايم نيوز أوروبا بالعربي – سعيد السبكي
أتوقف من وقت لآخر عـند محطات لغوية لكثير من ساسة أوروبا وبعض الإعلاميين وكيفية استخدام المفردات وصياغتها ، التى قد تتفق مع منطق العقل والمصالح، وفي أحوال كثيرة تختلف عن المصداقية والأمانة . . لكن الخبرة والتجارب تؤكد أنه لا مثالية فى فى عوالم السياسة.
واحدة من تلك المحطات كانت في شهر أكتوبر العام الماضي 2022، وهي عبارة : ( ليس لدي ذاكرة نشطة ) التي ذكرها رئيس حكومة هولندا ” مارك روتا ” وقد أثارت الدهشة والسخرية واستحسان البعض فى المجتمع الهولندي ، وكان السياسي الهولندي المُحنك ” مارك ” قد رد بهذه الجُملة فى ضوء استجواب داخل البرلمان الهولندي فى قضية داخلية تخص الشأن الهولندي.
في كثير من الأحيان ، يقول السياسيون والمشتبه بهم إنهم “لا يملكون ذاكرة نشطة” عن شيء ما. وقد بعث رئيس الوزراء ” روتا ” حياة جديدة في تلك الخدعة الكلامية . . نعم هو ليس مخترعها ولا أول من نطق بها ولكنه استخدمها للهروب من مسؤولية.
لكن حينما يتعلق الأمر بتأريخ وكشف اسرار عُملاء ومُتعاونين فى الحرب العالمية الثانية ومن حق الشعوب ان تعرفها فى دولة مثل هولندا التي تنص فيها القوانين على ضمان الشفافية وكفالة حق تداول المعلومات ونسمع من أحدهم يقول : ( يجب ان يكون هناك نقاش مُجتمعي حول التوازن بين الأخلاق والأهمية التاريخية ) نُصاب بالدهشة وخيبة الأمل.
نعم نعرف أن كشف أرشيف وملفات المُتعاونين في الحرب العالمية الثانية للجمهور أمر حساس ، ولكن منذ متى تهتم أوروبا وهولندا على وجه الأخص بقضايا وجدانية وهي التى شاركت الى جانب اسرائيل فى تعقب وملاحقة النازيين وأعوانهم ممن شاركوا فى محرقة اليهود المعروفة بـ ” الهولوكوست ” .
قررت حكومة هولندا مؤخراً البدء في عملية الرقمنة لأرشيف المتعاونين فى الحرب العالمية الثانية وجعله قابل للبحث في واحد من أكثر مراكز المحفوظات الذى يستعين به المؤرخين والمشتغلين فى الصحافة الاستقصائية، وهو أيضًا يُعتبر الأكثر حساسية في هولندا: دار المحفوظات المركزية للإدارة الخاصة بالعدالة، وهو يحتوي على ملفات 300000 شخص يُشتبه في تعاونهم مع الألمان بعد الحرب العالمية الثانية.
سيصبح هذا الأرشيف مُتاح للجمهور في عام 2025 بموجب قانون المحفوظات، ومما لا شك فيه أنه سيكون له علاقة بحماية خصوصية الأشخاص الذين ربما لا يزالون على قيد الحياة.
يمكن فقط فى الوقت الحالي السماح للأطراف المهتمة الاطلاع على الملفات في غرفة القراءة إذا تمكنوا من إثبات وفاة الشخص المُراد الاطلاع على معلومات بشأنه، أو إذا حصلوا على إذن من الشخص المعني إذا كان على قيد الحياة، بشرط عدم السماح بعمل نسخ من الوثائق.