الكاتبة سماح مبارك

للعنصرية وجوه كثيرة | بالألوان

بقلم | سماح مبارك

هل يوجد مكان في العالم لا توجد به عنصرية؟

طالما جال هذا السؤال بخاطري كوني امرأة سوداء من خلفية دينية وثقافية محددة، تنقلت خلال فترات حياتي للعيش في بلدانٍ مختلفة، وكلما تعمقت في فهم الحياة والبشر، كلما تأكد لي بأن الجواب الأكيد لسؤالي هو: لا.

لا يوجد مكان في العالم لا تُمارس فيه العنصرية، ولكنها تمارس بدرجات تتفاوت في حديتها من مكان لآخر ومن مجموعة لأخرى، فجميع الأديانومجموع الأخلاق والفلسفات البشرية، وحتى القوانين الوضعية لم تمنع وجود العنصرية بجميع أشكالها، ولا زالت تمارس (أحياناً بكلأريحية) حتى في أكثر البلدان تديناً أو تحضرا.

 تجدد سؤالي هذا بانتهاء كأس العالم لكرة القدم ٢٠٢٢ بأفراحه وأتراحه، بهزائمه وانتصاراتهوأحداثه الفكرية والسياسة والحقوقية التي أثارتهاهذه النسخة من المونديال، فودعناه تاركاً لنا باب النقاش مفتوحاَ على مصراعيه في واحدة من أهم القضايا الإنسانية وهي العنصرية، وتحديداً عنصرية الغرب اتجاه المُهاجرين واللاجئين ذوي الأصول الشرقية أو الإفريقية.

إن ما أثار الجدل في هذا الموضوع مرة أخرى، هو استهداف لاعبي منتخب فرنسا من قبل بعض مشجعيهممن الفرنسيين بعبارات عنصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد خسارتهم في المباراة النهائية لكأس العالم، وبحسب تقارير صحفية فرنسية، فإن التعليقات كانت بالسوء الذي جعل اتحاد الكرة الفرنسي يتقدم بشكوى جنائية اتجاههم.

في الحقيقة إن التعليقات العنصرية من بعض الأوروبيين قد تنامت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وأصبحت أكثر حدية، بالتزامن مع الصعود السريع للخطاب اليميني المتطرف في الانتخابات السياسية،والرافض لموجات اللجوء والهجرةفي دول أوربية مختلفة، ففي المملكة المتحدة مثلاً، والتي تُعد واحدة من أكثر الدول الأوربية استقبالاً للمهاجرين واللاجئين، أشارت تقارير حكومية إلى تزايد عدد المنضمين للأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين، منذ خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي وارتفاع تكاليف المعيشة، التي وضعت الحكومة في مأزق حقيقي أمام المواطنين، لقد استغلت هذه الاحزاب الأزمات الاقتصادية الخانقة في تأجيج مشاعر العداء ضد كل من لا ينتمي للعرق الأبيض عموماً، والمهاجرين من أعراقوديانات معينة كالإسلام خصوصاً.

ففي تقرير لوزارة الداخلية البريطانية أشارت إلى أنه وفي عام ٢٠٢١ فقط، سجلت الشرطة أكثرَ من ٢٧٠٤ جريمة كراهية ضد المسلمين في انجلترا وويلز وحدهما.

الأمر بالطبع لا يقتصر على بريطانيا، فقد استشرى داء العنصرية الصريحة بعد أن ظل لسنواتٍ طويلة يمارس في الخفاء، ليصل إلى قمة رأس السلطة في بلدان أوروبية أخرى، ففي حوار نشرته صحيفة “بيلد” الألمانيةفي عام ٢٠١٨، مع  رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان سُئل فيه عن هجرات المسلمين للغرب قال :”لا نعتبر هؤلاء الناس كلاجئين مسلمين ولكن كغزاة مسلمين” ومن المعروف أن “أوربان” قد قام ببناء جدارٍ عازل على الحدود مع صربيا، لمنع المهاجرين المسلمينواللاجئين السوريين خصوصاً، من دخول المجر الواقعة في شرق أوروبا التي تعتبر بوابة العبور للاتحاد الأوروبي.

لقد أصبح إنكار وجود العنصرية من قبل الرجل الأبيض اتجاه الأعراق الأخرى أمراً مستحيلاً خصوصاً في السنوات الأخيرة رغم وجود قوانين صريحة وواضحة تعرض ممارسيها لعقوبات كالسجن والغرامة، ولكن هل هو وحده من يُمارسها؟ في حقيقية الأمر أن النصيب الأكبر من التعامل العنصري الذي يواجه اللاجئ أو المهاجر إلى دول أوروبا (ودعني هنا أضرب لك المثل مرة أخرى بالمملكة المتحدة كوني أقيم فيها منذ سنوات) هم من العرقيات الأخرى، كالهنودأو الجامايكيين وحتى العرب! نعم عزيزي القارئ، فالمهاجرين أنفسهم هم أكثر الناس اللذين يتعاملون بفظاظة وفوقية مع ذلك الآخر الجديد الذي يشبههم في سحناتهم وألوانهم، وقد يصل بهم الأمر إلى أن يصرخوا في وجهك طالبين منك العودة إلى بلادك! ربما “لأنه” يشعر بأنك تهدد وجودهويخاف أن تقاسمه في رزقه، أو ربما لأنه يعتقد أنه صاحب امتيازات أكبر كونه وُلد فيها أو تحصلعلى جنسيتها قبلك.

لقد تعرضت إلى هذا الموقف العنصري منذ سنوات عندمااصطدمت سيارتي بسيارة رجل من الجنسية الآسيوية الأشهر هنا في بريطانيا، فما كان من ولده الشاب العشريني الذي يجلس بجانبه إلا تهجمعليَ صارخاً بعباراتٍ عنصرية كان اللافت فيها عبارة: “Go back to your country”  أي عودي إلى بلدك

فنظرت إليه بكل التعجب الذي في الدنيا لأرد عليه مضطرة بنفس السؤال:

“Why don’t you go back toyour country first”?

لم لا تعود انت أولاً إلى بلدك؟ وأردفت، أنني لا أرى شعراً أشقر ولا عيوناً زرقاء في إشارة لأصوله الآسيوية، فاستشاط الرجل غضباً كاد معه أن يشتبك معي بالأيدي لولا وجود والده وآخرين معنا في المكان! لم يشعر ذلك الشاب بوقع الكلمات إلا عندما وُجهت له بصيغة استهزاء واستنكار، إنه أمرٌ محزنأن تعامل إنساناً بعنصرية مضادة حتى وإن كنت تحاول الدفاع عن نفسك فتفعلها دون وعي منك.

نعم قد يمنحك الغرب حق المواطنة واختيار العقيدة وحُرية ممارستها، يمنحك حريتك في أن تلبس ما تريد، وأن تعيش كيفما تريد طالما احترمت الدستور والقانون،ولكنه لا يمنحك أبداً حصانة ضد العنصرية التي قد تواجهك بعيداً عن أعين الرقابةوالقانون، فالإعلام والساسة يرون فيهاوسيلةلإلهاء شعوبهم عن قضايا أخرى، ولذلك ستظلملفات العدالة وانتهاكات حقوق الإنسان باقية ما بقيت العنصرية على هذه الأرض.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

سراج الدين يكتب|مُنخفض القطارة

تايم نيوز أوروبا بالعربي|شوقي سراج الدين  اعتقد ان كل ما تم كتابته عن هذا المشروع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *