365 عيدا يا لغتي

|تايم نيوز أوروبا بالعربي|نسيمة طايلب-الجزائر|جامعة الشلف

أفلت شمس 18 ديسمبر ولم تأفل معها شمس الضاد، ولن تأفل، شمس منيرة لا تحرق، بازغة لا تغرب، تُعجِز من يـُجاريها، وتُبهر من يقرؤها، حاكينا حروفها الثماني والعشرين منذ نعومة أصابعنا، استطعمنا عذوبتها من جمالية كلماتها ودفء نصوصها، فصدق العقاد حين سماها بـ “اللغة الشاعرة”، كانت ولا تزال تتصدر لغات التواصل الإنساني ثراء واعجازا، بالنظر إلى خصوصيتها اللغوية التي تـجعلها متميزة عن باقي لغات العالم، ويظهر ذلك في بيانها وبلاغة مفرداتها وتفاصيل كلماتها، كما أن لها العديد من الاستخدامات خارج حقلها ومردّ ذلك الاشتقاقات والتداخلات البين-لغوية التي تعزز التقارب بينها وبين اللغات الأخرى.

كما أنها من اللغات السامية الأكثر استخداما عبر العالم، ومن أكثرها محافظة على تاريخها اللغوي والنحوي، تجاوز عدد المتحدثين بها نصف مليار شخص، ويستخدمها للصلاة أكثر من 2 مليار مسلم. إلى جانب اعتبارها اللغة الرسمية في كل الدول العربية فإنـها تُستخدم كلغة رسمية في عدة منظمات دولية منها: جامعة الدول العربية، منظمة التعاون الإسلامي، الاتحاد الإفريقي، تجمع دول الساحل والصحراء، منظمة شرطة الجرائم الدولية، صندوق النقد الدولي، الأمم المتحدة…وغيرها كثير، وقد أقرت الأمم المتحدة إدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية الستة للعمل بها بداية من 18 ديسمبر 1973 استجابة لمقترح المملكة العربية السعودية.

بالإضافة لكونها لغة القرآن الكريم ولسان حال المسلمين لقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الآية 2- سورة يوسف)، فإنها ترتكز على إثني عشر علما قاعديا يزيد من متانتها ولا يدع مجالا لاهتزازها، وهذه العلوم هي علم اللغة، علم التصريف، النحو، المعاني، البيان، البديع، العروض، القوافي، قوانين الكتابة، قوانين القراءة، إنشاء الرسائل والخطب، وعلم المحاضرات، وكلها علوم متكاملة تشكل في اتحادها نقاط قوة اللغة العربية التي استمدتها في الأساس من كتاب الله الكريم، إذ يقول ابن تيمية في هذا الشأن “إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض وواجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولايفهم إلا باللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”.

أكاديميا، هي محور بحث العديد من العلوم ولغة التحصيل فيها، تتجاذبها بشكل يؤكد على دورها وأهميتها، ففي بحوث الاعلام والاتصال شكلت موضوعا ثريا للتقصي والتحري لتشعب مجالات الاهتمام وتفرعها؛ من أهم الموضوعات المعالجة في هذا الشأن دراسة استخدامات اللغة العربية عبر وسائل الاعلام الجماهيرية والجديدة والاشباعات المحققة منها، وما يتناوله الموضوع من إيجابيات وتحديات يُبتغى تجاوزها بـمـقترحات علمية وعملية توصي بالتكوين اللغوي السليم للقائم بالإعلام والاتصال في مختلف المنابر الإعلامية كون اللغة مفتاح الرسالة ومنفذها السليم للمتلقي؛ بالإضافة إلى الدراسات التي تعنى بتحليل المحتويات العربية التي ينتجها غير العرب عبر وسائل الاعلام خاصة الجديدة منها، لأغراض متفاوتة بين تنمية المهارات اللغوية، إثراء المحتوى الرقمي العربي، واستهداف العرب بمحتوى يـخصهم وموجه لهم، وأمثلة هؤلاء كثر من المؤثرين الآسيويين والأمريكيين صناع المحتوى العربي، بالإضافة إلى قضية التحولات الشكلية والبنيوية لخطية اللغة العربية (سطرية الاتصال)، فالباحث في الموضوع يلاحظ الخطر المحدق بسلامة اللغة العربية وأصول قواعدها، إذ تتجه الاستخدامات اللغوية الجديدة باللغة العربية كغيرها من باقي اللغات نحو الهشاشة اللغوية نتيجة التهجين اللغوي والمتطلبات التقنية للاستخدام من سرعة واختصار وحيوية، وجب الاحتياط لها خاصة التواصلات الرسمية التي ينبغي أن تحافظ على قواعد السلامة اللغوية.

إضافة إلى ما سبق، فإن قضية الهوية والتاريخ من أكثر القضايا المتصلة باللغة العربية والتي تحتاج لاهتمام أكبر بالنظر الى التحديات المحيطة بها، إذ لا يخفى علينا أنها إلى جانب العديد من المؤشرات الأخرى تعكس انتماء الأفراد وشخصية الأمم لما تحمله القراءة الهوياتية للغة العربية من أبعاد تاريخية وحضارية فكل استهداف للغة هو استهداف لأحد أهم مقومات الهوية العربية، وهذا ما أكده مصطفى الصادقي في قوله “إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ، والتاريخ صفة الأمة. كيفما قلّبت أمر اللغة من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها- وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها”.

فالعبرة من استقراء مآثر اللغة العربية في يومها العالمي، إنما يتجاوز التذكير بثقل وزنها وتاريخها الموغل إلى تكريس مبدأ تثمين الاستخدام على مدار السنة، فاليوم العالمي لا يكفيها دون شك للاحتفاء بإنجازاتها ولا يمنحها حقها من التفاخر والاعتزاز، لكنه موعد سنوي لنستذكر مكانتها وأهميتها وواجبنا اتجاهها في احيائها وتشجيع التواصل بها.

عن admin1

شاهد أيضاً

الإفلاس الإبداعي للإعلانات التجارية في اختزال الشعور بالسعادة بالرقص

بقلم | عنتر المصيلحي تعتبر الإعلانات واحدة من أهم سائل التسويق التى يعتمد عليها وتستخدمها …

2 تعليقات

  1. مشاء الله ربي يبارك للمزيد من النجاح و التوفيق

  2. أضفني للغة العربية عزا إلى عزها والله إننا لتوقف وقفة فخر بكم يامن كنتم خير خلف لخير سلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *